وبأي حالٍ عُدت يا مازوتُ

غسان جان كير

ما عُدتَ مُستساغا كعهدنا بك أو رفيقاً يُناصرنا على تكاليف العيش , بلْ رجعتَ كصديقٍ هاجر أو هُجّرَ إلى جهات الأرض , مُفتقداً الحميمية كانت حياتنا مُنطبعة بها .
إنّ مسألة خَفض سعر المازوت بنسبة الربع وتطبيل وسائل الإعلام الحكومية , لهذا الفتح المُبين تستدعي أن نكونَ على قدرٍ كبير من السذاجة , حتى يُمكن للسرور أن يدخل قلوبنا .
والتذكير بأنّ سعره قد ارتفع قبلَ ثلاث سنوات بنسبة ثلاثة أضعاف , مع ما رُوّجَ لذلك الارتفاع الكارثيّ , ومن ذات الوسائل الإعلامية التي تغاضت عن استبيان واستقراء القابل من الأيّام مع تجاهلها المُتعمد لآراء غالبية الاقتصاديين , بل قبلهم الراعي والفلاح المذعورَين من يباس الضرع والزرع,
والتمادي المُسرف في تلوين الخريف الذي أضحى طاغيا على كامل أيامنا بألوان الربيع , كاد أن يدفعنا إلى الشكّ بأبصارنا وبصائرنا , بل كُدنا أن نؤمن بوحيّ جلالتها {أعلمُ ما لا تعلمون} فحمداً لها بأنها كانت تُعلمنا بما يتعرّض له المازوت من تهريب , وحمداً لها أنها كانت تنقل لنا الوعود المعسولة للحكومة (بإعادة الدعم إلى مُستحقيه) , مع يقيننا أن مُستحقي الدعم قد شكّلوا رقماً يُناهز المليون مواطن يترعون المرارة في الخيام وأحزمة الفقر حول المدن الكبيرة , فأيّ بريقٍ يُرتجى مِن وسائل إعلامنا دأبُها تصويرُ السنواتِ العِجاف سِماناً.
لسنا من الذين يضعون العُصيّ في عجلة إصلاح معاش الناس , كما لسنا ممّن لا يروْنَ مِن الكأس إلا نصفها الفارغ , غير أننا ومِن فرطِ ما اكتوينا بها من سياط أسعارٍ لاهبة جعلت بياض أيامنا سوادا , وسواد ليالينا كوابيسَ نلوذُ بها من الحياة أو نلوذ بالحياة منها , كما لسنا ممّن لا يعجبهم العجب, فقد أوتينا مِن الحكمة ما يكفي أن نتبيّنَ الصالح من الخطوات الاقتصادية لدى المقارنة بطالحها , وأنّ الشيء الذي لا شك فيه , ولا يحتاج فهمه للكثير مِن العسر والمشقة هو أنّ انخفاض أسعار الطاقة يُشجّع المنتج الوطني على المنافسة وليس دعم المُحتكرين ممن يُمكن وصفهم ب ( سارقي الكحل ) .
والشيء الذي لم نألفه ولم نتآلفْ معه , رُغم ابتلائِنا به , هو النفاق الذي تُمارسه وسائلُ الإعلام في تعاطيها لمسألة المازوت , إذ كيف يستقيم ما كان من ارتفاع سعره نافعاً للناس بالأمس مع نفعه بانخفاض سعره اليوم ؟! .
Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…