جوهر اليتم.. حوار سريع مع مقال عباس عباس

فدوى كيلاني

ترددت كثيراً قبل أن أرد على الأخ عباس عباس الذي كتب مقالة بعنوان : إلى فدوى كيلاني – والتي يخيل عنوانها بأن هناك إهداءً إلي ، إلا أن المقال يتضمن في داخله نقداً لقصيدة لي بعنوان (القناص يتجول عارياً) كنت قد نشرتها تضامناً مع أهلنا في درعا .

إن (القناص يتجول عارياً) عبارة عن قصيدة لي، كتبتها في لحظة انفعالية، وهذا يعني بأن أية قراءة لهذا النص يجب أن تعتمد على أدوات النقد الأدبي ، بالنسبة إلى فضاء هذا النص، وليس بطريقة الرد الذي يتم على مادة سياسية عابرة ، ولا بالطريقة التي يتم الرد حتى على مادة فكرية رصينة ، لأن الفكرة في القصيدة يتم طرحها بشكل مختلف عن طرح الفكرة من قبل السياسي ، وكاتب المقالة السياسية ، وهذا ما لا ينتبه إليه كثيرون من غير المختصين بالنقد الأدبي .
وعلى هذا الأساس فالفكرة لا يمكن تناولها وفق مثل هذا الفهم الأولي ، ولا يمكن الحكم على فكرة الشاعر وفق مقياسي : أبيض أسود ، بل إن التقاط الفكرة يكون وفق معايير لها خصوصيتها ، ولقد أشار الأخ الكاتب ضمن ما أشار إلى أنني صورت درعا  يتيمة إذ راح يقول : ولكنني أرى كل شئ من حولي يتجدد ويبعث حيا من جديد , الصمت المطبق على الأرواح مزقه أنين الناي المسموع هناك، حيث تلك المدينة التي أصبحت رمزاُ للعنفوان , حين بدأت متحدية حتى الأشباح, المدينة التي أصبحنا نحب حتى صخورها السوداء الصماء , بل أقولها لك قسماً بأني لم أعشق في حياتي كما أعشق اليوم تراب درعا , فهل بعد هذا تسمينها باليتيمة ياأختاه
ولكن لا أعرف من أين جاء الأستاذ عباس بهذا الاستنتاج فأنا لم أقصد درعا، في حالة اليتم ، مع أن القصيدة مهداة إلى درعا، وتماماً كما قال هو في مقالته (إلى فدوى كيلاني) حيث لا يمكن الحكم على العنوان وحده بمعزل عن النص، وقد بدأ الأخ عباس بمعاتبتي  قائلاً:
منذ ربع قرن لم أزر مدينتي القامشلي إلا مرة واحدة, وكانت للقيام بواجب العزاء للوالد الذي مات قهراً على الظلم الذي لحق به وبأفراد عائلته من جراء سياسات البعث الشوفينية , ولست متشوقاً إلى رؤيتها في ظل تلك السياسات, إلا أنني اليوم وأقسم على هذا , فأنا مشتاق إلى تراب درعا , إلى صخور درعا , إلى حقول درعا, وأنا لم أزرها بحياتي إلا أنني أحس اليوم وكأنني ولدت من رحم سيدة هي الآن أم لشهيد , فكم من السوريين الآن هذه هي أمنيتهم , فهل بعد هذا تسمي درعا البطلة بالتيمة ياأختاه .
 
 
 

ثمة نقطة جوهرية في قصيدتي ولقد “سها” عنها الأخ الكاتب لأن القصيدة ذات أبعاد ، وأنظر إلى درعا كمفتاح عام وعندما أقول (مدينتي التي تيتمت هي الأخرى) فلذلك ما لا علاقة له باليتم الذي فهمه ، وهو محاولة لربط بين يتم شخصي عانيت منه مبكراً، حين فقدت أبي ، بالإضافة إلى حديثي عن مدينة أخرى – وإن كنت لا أستطيع تقديم الفكرة بهذا الإسفاف وليس من حقي شرحها بشكل مدرسي – إلا أنني أتحدث : لم تيتمت مدينة أخرى؟، وهي قطعاً غير درعا – وليطمئن الأخ عباس بأن درعا في منظور القصيدة غير يتيمة، بل إن المدينة، لا أهلها تخلوا عنها ، ولا أنا سوداوية الرؤيا ، بل أنا أضع اصبعي على الجرح وإن هناك أشخاصاً كثيرين معنيين بالأمر وصلتهم الفكرة، وراسلوني ليناقشوني في اليتم الذي عنيته بين مؤيد – وناقد، وكم كنت أريد الأخ عباس من بين هؤلاء، عموما أعتز بمعرفته أخاً لنا يدافع عن قضيتنا بطريقته الخاصة وبأدواته الخاصة، وكل الشكر لكل من يخلص لقضيته هكذا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…