قراءة الحياة في عيون المُعتقَل

صبري رسول
 
الإهداء إلى كلّ من عشق الحياة وخرج من السجن
(محمد سعدون، أبو باور، أبو عصام، مصطفى جمعة، حسن صالح، سعدون شيخو، محمد مصطفى)
 

في مصافحتك الأولى لهم تبدو لك أن الحياة أكثر جمالاً، وأعمق جذوة في عيونهم، وحبّ الإنسان للحياة تدفعه إلى البحث عن حياة أفضل، وبحثه عنها قد يدفعه إلى التضحية بالنّفس لبناء تلك الحياة لِمَن يأتي بعده، وذاك موقفٌ يقرّب الإنسان إلى مشارف الفداء، وقراءة الحياة في عيون هؤلاء تفتحُ أفقاً شاهقاً من جمال الرّوح، وعزّة النّفس، واحترام الإنسان.
هكذا ترتسم صفحة الأمل في نظراتهم، وتشعر من خلالها بأنّهم لم يرتكبوا شنيعة أو جريمة يخجل المرء منها، لم يشتركوا في تهريب السلاح، ولا المخدرات، ولم يسرقوا فرداً أو وطناً. الفعل الذي ارتكبوه أنّهم حاولوا أو أرادوا المساهمة في الشأن العام، النّضال من أجل حياة أفضل لشعبهم ووطنهم.
هذا ما شعرتُ به أثناء مصافحتي لكلّ من السادة معروف أبي باور، وحسن صالح، ومحمد مصطفى، الذين تمّ إخلاء سبيلهم يوم أمس الأربعاء، والشعور ذاك اجتاحني في مصافحة السيد محمد سعيد عمر(أبو عصام) وقبله محمد سعدون (أبو شيلان) أثناء خروجه، وكان لهطول زخات المطر متعة جميلة في مصافحته. وللأسف لم يتسنَّ لي لقاء السيد مصطفى جمعة وسعدون شيخو لظروفٍ خارجة عن إرداتي (بعدٌ جغرافيّ وظروف شخصية). إنّهم يحملون على أكتافهم كثيراً من التّعب، كثيراً من الألم، لكنهم مفعمون بكثيرٍ من الأمل أيضاً. إنّها الحياة تمنحك القليل وتأخذ منك الكثير، إنّها تجعلك تبحث عنها إن كان قلبك ينبض.
هؤلاء ربما اختاروا طريقاً شائكة، ليبنوا حياة أجمل من قبح الماضي، وأرحم من قساوة السجن، أفضل لهم ولشعبهم ووطنهم، بتلك الإرادة تنتصر الحياة وإرادة الشعوب.
ما أجمل أن يعبّر الإنسان عن رأيه بكلّ حرية، أن يشارك أبناء وطنه في رسم مستقبل بلاده وشعبه دون أن يُزجَّ به في السجن بسبب خلاف أو اختلاف في قراءة الحدث السياسي.
ما أجمل اللحظة التي يعانق المعتقَلُ فيها نسيم الحرية مع أهله وأصدقائه ومحبيه، بعد فكّ القيود عن معصميه وإزالة العصابة عن عينيه.
ما أجمل أنْ تعيشَ حراً دون أن يحاسبُك أحدٌ على أحلامك، و مساحة خيالك اللامتناهية.

ما أجملَ أن يعيشَ المرءُ إنسانيتَهُ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

محلل
يقال احيانا ان هناك “رجالا لم ينصفهم التاريخ”، وكان التاريخ كائن جائر، يوزع المجد والانصاف على من يشاء ويحجبه عمن يشاء. غير ان التامل العميق في معنى التاريخ ووظيفته يبين ان هذه العبارة، على شيوعها، ليست دقيقة؛ فالتاريخ، في جوهره، لا يظلم احدا، بل يمارس عملية فرز طويلة المدى لا تخطئ في نتيجتها النهائية، حتى…

د آلان كيكاني

منذ اشتعال فتيل الجنون في سوريا يسهل عليك تمييز السوري من بين الناس أينما كنت، وأينما كان هذا السوري…

ولو كنت دقيقَ ملاحظةٍ لعرفته من على بعد مئات الأمتار.

لا لرائحة خاصة تميزه كما عند بعض الكائنات.

وليس لسحنة مميزة تخصه كما عند بعض الشعوب.

وإنما لأسباب أخرى …

مثل إطراقة الرأس.

والكآبة البادية على محياه.

وربما لاحمرار عينيه وذبولهما.

ها…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “سيرة النصّ المفتوح – رحلة واسيني من تلمسان إلى السوربون” للباحثة والكاتبة السورية أماني محمّد ناصر. وهو يمثل دراسة نقدية معمّقة تتناول المسار الإبداعي والفكري للروائي الجزائري واسيني الأعرج، أحد أبرز الأصوات السردية العربية المعاصرة، من جذوره الريفية الأولى في تلمسان إلى موقعه الأكاديمي في جامعة السوربون…

تقرير صحفي:

استضافت مدرسة تلفيت الثانوية المختلطة/ مديرية التربية والتعليم في جنوب نابلس الكاتب والمشرف التربوي فراس حج محمد للحديث حول “أدب الأسرى، والكتابة الإبداعية”، ولمناقشة الطلاب حول اشتراكهم في مسابقة كتابة إبداعية، قصة قصيرة أو خاطرة تتناول مشاعر أمّ فلسطينية لها ابن في مقابر الأرقام، واستهدفت المحاضرة مجموعة من الطلاب المشاركين في المسابقة والمتوقع منهم…