من سوريٍّ إلى ليبيٍّ

  الكاتب: خاشع رشيد
إهداء إلى الأخت: سالمة مفتاح صالح.
bekes1979@hotmail.com
أخي…

    لا أعلم ماذا أكتب، لا أعلم كيف أبدأ وكيف سأنهي، فأنت أعلم بكلّ بداياتنا وكلّ نهاياتنا أيضاً، كلانا لم نكن مجرّد احتمالٍ في كلّ تقلّبات التّاريخ بل دائماً موجودان أكيدان تكرّس الحياة نفسها بنا. غاية خضٍّ  ذاكريٍّ ملتحمٍ في ماهيّة ٍ قريبةٍ للتوأم.  وربما تجمعنا الميتافيزيقة دون تنبيهٍ أو تخطيطٍ من المصير. هل نستطيع أن نسامح الحياة يا أخي؟
    الكلّ يتذكرّ كلماتي التي كنت أُخرجها من أسفل طوابق النّفسيّة، أحكيها للعامّة أحياناً ولخيالاتي أحياناً أخرى، وللأشياء مرّاتٍ أخرى، فالمعاني تعاكس ذاتها المتعارف عليها في الكثير من الحالات وتأخذ لنفسها مَواطناً جديدةً، بل تتغير كاملةً وتبقي كل ما تملك في أصقاع مليئة بتناقضاتٍ لا يدركها إلا من يعاشر اللاطبيعيّة. وهل من تصوّر بأنه ربما يكون الجّرذان والجّراثيم من التي تقترب إلى حالة التّقديس!!!!!.

    الكلّ يدرك بأن دماؤنا مرّة لا يتذوقها إلا التّراب وأرواحنا لا تقبلها إلا اجتماع كلّ الملائكة في أوقات يترنّح فيها ضمير العالم. لم نقبل إلا أن نكون مزيج قوميّاتٍ بكلّ دقائقها.
    أفواه الأرض وأعين السّماء تتشقّق في “راس هلال” و”حماه”, تنسلخ غيبوبة القدر في “بوسليم” و”تدمر” و”صيدنايا” و”الحسكة” فتمتد وتُلبس الإنسانية أبشع الجّرائم وأكبر الذّنوب وتحملها في صرخات ورودك (حقن الأطفال بدمٍ ملوّث بفيروس الإيدز).
    ينهمر الدّم من الأعين، من “بنغازي” إلى “قامشلو”, ونبادل زفّ الشّهداء من كلّ بقعةٍ. أطفال “عامودا” يستقبلون أسراكم بأهازيج المستقبل وينقلون لهم الصّبر من أعالي السّماء يا حفيد عمر المختار، وعظمة “مصراتة” لا تقبل إلا أن تحاكي “درعا الأبية”، ولن تنسى الصحراء أسودها في “حقل السّرير”.
    أعذرني يا أخي إن كنت ألمس أجزاءً من أعماقك التي تخاف عليك إن كشفت عن نفسها، وهي تنتشر وتثور من شرقك إلى غربك ومن شمالك إلى جنوبك.
    وربما كان عليّ أن أرسل إليك روحي بدلاً من هذه الكلمات، وأنا أعلم من أنها لا تحيي إلا ذاتها. لا تبكي يا أخي؛ نحن مَن بنينا ونحن أصبحنا طفلين للوجوديّة ووالدين للحريّة ومعنيين معنويين أساسيين للزّمن، بل معرضين مفروشين على كل جدران المستقبل.
آهٍ يا أخي…
    لمن نشكو؟ هناك الكثير… وهنا الكثير من يحرقون إخوتهم الشّهداء ويسيرون عليهم ويحاورون!!!… لازلنا نبحث عن ستارٍ كي نسدل به مسرحيّة القتل المستمرّة على أجسادنا، الكلّ يتفرّج، منذ زمنٍ بعيد، دون ملل ودون تغيير في الهدف. بعض من يدعوننا بـ ” الأخوة ” في الصّف الأوّل.
    لقد تعبنا كثيراً، تعبنا بما فيه الكفاية حتى بدا وكأنّنا في كوابيسٍ، ليل نهار، أصبحنا وكأننا نمثّل كلّ لا نهايةٍ. تتمزّق دنيانا كلّ لحظةٍ، ربما لندرك سبب مجيئنا الذي لم يصمت أبداً، مؤشّراً بكلّ إيماءاته إلى ذلك الزّقاق السّوداوي المظلم. جميع طرقنا هي للعودة  فقط.
أخي؛ تذكّرني دائماً… طالما نموت كل مرّةٍ لنحيي كل ميت.

………………………………………..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…