إبراهيم محمود
و..أخيراً مات المثقَل برهانات كرده الموسوم بـ” هوار” ، واسمه” نواف” وكان ذلك صباح الاثنين18-7/2011 بعد صراعه مع مرضه العضال، وربما جاز لنا القول: بعد صراعه مع الذين راهنوا عليه من كرده طويلاً، وزكُّوه جنرالاً دون ساحة أو جنود أو راية ترفرف أمامه أو وراءه، كما تقول “أوسمة” الآخرين على صدره، أو كما تقول تلك البلاهة النازفة في وجهه، ليكون الجنرال المهزوم غريب الأطوار غرابة من اتخذوه مرجعاً لهم وهم يعلقون على صدره نياشين وصوراً وغيرها، ليكون موته المفاجئ ربما بسبب وطأة المعلَّق على صدره!
و..أخيراً مات المثقَل برهانات كرده الموسوم بـ” هوار” ، واسمه” نواف” وكان ذلك صباح الاثنين18-7/2011 بعد صراعه مع مرضه العضال، وربما جاز لنا القول: بعد صراعه مع الذين راهنوا عليه من كرده طويلاً، وزكُّوه جنرالاً دون ساحة أو جنود أو راية ترفرف أمامه أو وراءه، كما تقول “أوسمة” الآخرين على صدره، أو كما تقول تلك البلاهة النازفة في وجهه، ليكون الجنرال المهزوم غريب الأطوار غرابة من اتخذوه مرجعاً لهم وهم يعلقون على صدره نياشين وصوراً وغيرها، ليكون موته المفاجئ ربما بسبب وطأة المعلَّق على صدره!
ما الذي استجد في الاسم” نواف” ليكون” هوار” أو” هوارو” التركيبة الشعبية الكردية للاسم: الصرخة؟
لعل رحيله في هذا اليوم الموسوم كان تعبيراً عن عمق المأساة الكردية أو المحلية، أو ليزيد في عمق المفارقة الكردية أبعد من حدود عامودا وقامشلي معاً، إن نُظِر إلى مقامه، وكيف أعلِن عن نبأ رحيله، لكأن هوارو ما كان له أن يرحل، أو يودَّع دنياه المعتلة روحياً، إلا ليظهِر شدة المأساة وعمق المفارقة سالفة الذكر في الحياة.
فيمن كان يصرخ هوار، ولحساب من، وضد من، وفي وسط من؟ ربما كان من نوع محرَّر من التزام ٍظاهراً، لكنه واقعاً كان مشدوداً رغم أنفه أو وجهه المسكون بطعان الزمن الخاص به، إلى الذين أرادوه هواراً لا نوافاً!
وفي اسمه المتداول مفارقة كبرى، أعني” هوار”، فقد كان نقيضه، إذ لم يكن يصرخ يوماً، إنما كان في منتهى السلبية، لا يرد طلب أحد، ولا يدخل في مساومة مع أحد، ولا يبقي أي مسافة أمان ما بينه وبين الآخرين، لأنه- ببساطة- كان هوارو من نوع آخر، هوارو من الداخل بالنسبة للذين كانوا يستوعبونه في تركيبته.
كان هوارو، المتقدم على اسمه الفعلي NEWAF XIRBE KAVIRî، عامودي الولادة، لكنه بالمقابل كان قامشلوي المنشأ حيناً من الهر، أي كان ربيب مدينتين تضايفتا وتثاقفتا، كملا هو عهدهما المشارك حتى الآن.
كان نسيج وحده، ولم يكن يشبهه أحد من المعتبرين مجانين أو مهابيل في منطقتنا، لا اسماعيل دين ولا شكري، ولا سطيفو أو حبصونو، فهؤلاء في جملتهم كانوا يتكلمون أو يلثغون بكلمات مختلفة، وهو كان يتكلم بتثاقل، كأن عداوة تصله بالنطق لما له من أدواء، وانطلاقاً من محيطه الاجتماعي الكردي وغير الكردي أيضاً، إنما كان المميَّز باسمه المبتدَع وجسمه المكوَّر والحامل – ربما- بآلام المحيطين به، دون أن يتمكن من طرحه خارجاً، بقدر ما كان الذين أرادوه لهم بعيداً عنهم وعن تمثلاتهم له بالمقابل في المجمل.
كان بيتاً مخلوع الباب، حيث لم يستأذن أحد منه بالدخول، أي وهو يعلّق عليه، أو يعلق على صدره ما يعتبره رسالة ما منه إلى المحيطين به، وهو يتقبل كل ذلك برحابة صدر، رغم أن صدره ازدحم كثيراً برموز مجتمعه، كما لو أنه كان منذوراً لبني جلدته الكرد، ممن يبحثون عن صدر مناسب، حاله كحال اللوحة الإعلانية المتحركة والتي لا رسوم مالية أو بلدية عليها، ولعل الذين رأوا فيه هذا الصدر العريض والقابل لحمل الرهان من هذا الطرف أو ذاك، عاشوا في بلهنية وهم يلمحونه وهو يتنقل بين الأمكنة، وكل منهم يغمز من قناة الآخر.
هوار لم يُستَأذن البتة، لم يسأََل عن رأيه، كان عليه أن يستحيل صدراً وصمتاً لماحاً أمام رهانات الآخرين.
لا يمكن الكتابة هنا عن هوارو من قبل أي كان، إلا ويكون قد شاهده أو التقاه، حتى تؤتي كتابته أكلها، أعني ما يدخله في حيّز ” عين اليقين”، لتكون العيانية أوفى بشهادة تعبير حية عن هوارو كما هي حال الصحبة.
إنها العيانية التي تكاشف فيه كما تقارب هيئته ولباسه الفضفاض فضفاضية عالمه ومن تعاملوا معه بصيغ شتى كان التابع المرغَم لهؤلاء، ومشيته المترنحة كما لو أنه أطلس الكردي المثقل تحت عبء خفي، وهو بوجهه الأمعط ورأسه الصغير كرأس فقمة لا يتناسب وتهدل جسمه الأسطواني ورخاوته على شاطئ حياة دبق..
لقد رأيته صغيراً وكبرتُ وبقي صغيراً رغم أن العمر تقدم به، بقي استجابة لرغبات كرده، حيث ينعدم مثيله، فكان عليه أن يظهر هنا وهناك، أن يكون ” سدَّاد” الثغرات، لأن الآخرين يريدونه هكذا، وهو يكون أعطيتهم.
مات الجنرال وملء صدره رسائل تصل إلى أصحابها فهيب لهم ومنهم، مات دون أن يحدَّد عمره، كما لو أنه كان محكوماً بأعمال شاقة مؤبدة، ألا يبلغ سن التقاعد، لأن ثمة مهاماً لا تنتهي عليه القيام به بصدره وصمته، فمثله لا عمر محدداً له، وعدم تحديد عمره الدقيق يدخلنا في صلب حكاية مأسوية، فحواها أن العمر لا يهم بالنسبة لهوار وأمثال هوار، لبهلول كردي من نوع خاص جداً، طالما أن ثمة ما يجب عليه القيام به حتى النفَس الأخير.
يمكن السؤال عن هوار وكيف كان عزاؤه، مثلاً: من الذي قام بواجب العزاء وأين؟ وكيف تم استقبال المعزين؟
وثمة سؤال آخر يتعلق بما تركه دالاً عليه: نياشينه ولباسه الذي لطالما لفت أنظار الآخرين؟
لا أظن أن الجنرال كان معتنى به كما يجب من أهله الكرد؟ أن يكون له قبره وزوار قبره، ومن يتهجى اسمه الفعلي وهو يذرف عليه دموع الحزن والأسى لمفارقته؟
إن رحيله لافت للنظر من خلال طبيعة الإشارة الفولكلورية إليه، والذين آثروا التحدث عنه، بمعنى إعلام نعيه للآخرين، وكيف أن النعي هذا لا يعدو أن يكون تعبيراً عن مفارقة في العلاقة معه، ولأن جل الذين كتبوا عنه، أو تعرضوا له بالكتابة على أكثر من صعيد، إنما تلمَّسوا فيه بعضاً مما هو منمذج، وجدير بالتسمية، في تمثيله لعالم مهدور، من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إيجاد مثيل له، كما ذكرت. إنه نموذج قائم بذاته في الكثير مما هو قائم في نطاق السخرية المرة أو الهزء أو المرارة التي تبعث على الإشفاق وتجلّي العبرة، ولعله فيما آتاه ورحل به كان يمثل جملة كرده باعتبارهم صدراً عريضاً تعلَّق عليه نياشين الآخرين وصورهم، كما هو راهنهم بامتياز، ولعل الذين يستصرخون الآخرين فيما يتم إهمالهم مكانة، يستعيدون ” الهوارية” ولو في منحى آخر، ومؤلم، ليصدق بذلك هوارو فيما سكت عنه، وأراده عبرة بليغة لمن يحسن قراءة المستجدات في العمق.
في قصيدة إبراهيم يوسف الزُّلالية” دراجة الجنرال.. في رثاء هوار- موقع ولاتي مه،20-7/2011″ نقرأ:
أهل عامودا
الطيبين
أهلي
فقدتم مجنونكم الأخير
هل تقبلونني
مجنوناً
في مدينتكم
هذه؟؟؟
فيمن كان يصرخ هوار، ولحساب من، وضد من، وفي وسط من؟ ربما كان من نوع محرَّر من التزام ٍظاهراً، لكنه واقعاً كان مشدوداً رغم أنفه أو وجهه المسكون بطعان الزمن الخاص به، إلى الذين أرادوه هواراً لا نوافاً!
وفي اسمه المتداول مفارقة كبرى، أعني” هوار”، فقد كان نقيضه، إذ لم يكن يصرخ يوماً، إنما كان في منتهى السلبية، لا يرد طلب أحد، ولا يدخل في مساومة مع أحد، ولا يبقي أي مسافة أمان ما بينه وبين الآخرين، لأنه- ببساطة- كان هوارو من نوع آخر، هوارو من الداخل بالنسبة للذين كانوا يستوعبونه في تركيبته.
كان هوارو، المتقدم على اسمه الفعلي NEWAF XIRBE KAVIRî، عامودي الولادة، لكنه بالمقابل كان قامشلوي المنشأ حيناً من الهر، أي كان ربيب مدينتين تضايفتا وتثاقفتا، كملا هو عهدهما المشارك حتى الآن.
كان نسيج وحده، ولم يكن يشبهه أحد من المعتبرين مجانين أو مهابيل في منطقتنا، لا اسماعيل دين ولا شكري، ولا سطيفو أو حبصونو، فهؤلاء في جملتهم كانوا يتكلمون أو يلثغون بكلمات مختلفة، وهو كان يتكلم بتثاقل، كأن عداوة تصله بالنطق لما له من أدواء، وانطلاقاً من محيطه الاجتماعي الكردي وغير الكردي أيضاً، إنما كان المميَّز باسمه المبتدَع وجسمه المكوَّر والحامل – ربما- بآلام المحيطين به، دون أن يتمكن من طرحه خارجاً، بقدر ما كان الذين أرادوه لهم بعيداً عنهم وعن تمثلاتهم له بالمقابل في المجمل.
كان بيتاً مخلوع الباب، حيث لم يستأذن أحد منه بالدخول، أي وهو يعلّق عليه، أو يعلق على صدره ما يعتبره رسالة ما منه إلى المحيطين به، وهو يتقبل كل ذلك برحابة صدر، رغم أن صدره ازدحم كثيراً برموز مجتمعه، كما لو أنه كان منذوراً لبني جلدته الكرد، ممن يبحثون عن صدر مناسب، حاله كحال اللوحة الإعلانية المتحركة والتي لا رسوم مالية أو بلدية عليها، ولعل الذين رأوا فيه هذا الصدر العريض والقابل لحمل الرهان من هذا الطرف أو ذاك، عاشوا في بلهنية وهم يلمحونه وهو يتنقل بين الأمكنة، وكل منهم يغمز من قناة الآخر.
هوار لم يُستَأذن البتة، لم يسأََل عن رأيه، كان عليه أن يستحيل صدراً وصمتاً لماحاً أمام رهانات الآخرين.
لا يمكن الكتابة هنا عن هوارو من قبل أي كان، إلا ويكون قد شاهده أو التقاه، حتى تؤتي كتابته أكلها، أعني ما يدخله في حيّز ” عين اليقين”، لتكون العيانية أوفى بشهادة تعبير حية عن هوارو كما هي حال الصحبة.
إنها العيانية التي تكاشف فيه كما تقارب هيئته ولباسه الفضفاض فضفاضية عالمه ومن تعاملوا معه بصيغ شتى كان التابع المرغَم لهؤلاء، ومشيته المترنحة كما لو أنه أطلس الكردي المثقل تحت عبء خفي، وهو بوجهه الأمعط ورأسه الصغير كرأس فقمة لا يتناسب وتهدل جسمه الأسطواني ورخاوته على شاطئ حياة دبق..
لقد رأيته صغيراً وكبرتُ وبقي صغيراً رغم أن العمر تقدم به، بقي استجابة لرغبات كرده، حيث ينعدم مثيله، فكان عليه أن يظهر هنا وهناك، أن يكون ” سدَّاد” الثغرات، لأن الآخرين يريدونه هكذا، وهو يكون أعطيتهم.
مات الجنرال وملء صدره رسائل تصل إلى أصحابها فهيب لهم ومنهم، مات دون أن يحدَّد عمره، كما لو أنه كان محكوماً بأعمال شاقة مؤبدة، ألا يبلغ سن التقاعد، لأن ثمة مهاماً لا تنتهي عليه القيام به بصدره وصمته، فمثله لا عمر محدداً له، وعدم تحديد عمره الدقيق يدخلنا في صلب حكاية مأسوية، فحواها أن العمر لا يهم بالنسبة لهوار وأمثال هوار، لبهلول كردي من نوع خاص جداً، طالما أن ثمة ما يجب عليه القيام به حتى النفَس الأخير.
يمكن السؤال عن هوار وكيف كان عزاؤه، مثلاً: من الذي قام بواجب العزاء وأين؟ وكيف تم استقبال المعزين؟
وثمة سؤال آخر يتعلق بما تركه دالاً عليه: نياشينه ولباسه الذي لطالما لفت أنظار الآخرين؟
لا أظن أن الجنرال كان معتنى به كما يجب من أهله الكرد؟ أن يكون له قبره وزوار قبره، ومن يتهجى اسمه الفعلي وهو يذرف عليه دموع الحزن والأسى لمفارقته؟
إن رحيله لافت للنظر من خلال طبيعة الإشارة الفولكلورية إليه، والذين آثروا التحدث عنه، بمعنى إعلام نعيه للآخرين، وكيف أن النعي هذا لا يعدو أن يكون تعبيراً عن مفارقة في العلاقة معه، ولأن جل الذين كتبوا عنه، أو تعرضوا له بالكتابة على أكثر من صعيد، إنما تلمَّسوا فيه بعضاً مما هو منمذج، وجدير بالتسمية، في تمثيله لعالم مهدور، من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إيجاد مثيل له، كما ذكرت. إنه نموذج قائم بذاته في الكثير مما هو قائم في نطاق السخرية المرة أو الهزء أو المرارة التي تبعث على الإشفاق وتجلّي العبرة، ولعله فيما آتاه ورحل به كان يمثل جملة كرده باعتبارهم صدراً عريضاً تعلَّق عليه نياشين الآخرين وصورهم، كما هو راهنهم بامتياز، ولعل الذين يستصرخون الآخرين فيما يتم إهمالهم مكانة، يستعيدون ” الهوارية” ولو في منحى آخر، ومؤلم، ليصدق بذلك هوارو فيما سكت عنه، وأراده عبرة بليغة لمن يحسن قراءة المستجدات في العمق.
في قصيدة إبراهيم يوسف الزُّلالية” دراجة الجنرال.. في رثاء هوار- موقع ولاتي مه،20-7/2011″ نقرأ:
أهل عامودا
الطيبين
أهلي
فقدتم مجنونكم الأخير
هل تقبلونني
مجنوناً
في مدينتكم
هذه؟؟؟
بالتأكيد سوف يُرفض طلبه من الجهتين: من الذين تقدم إليهم بطلب انتساب، كي يكون في مقام مجنونهم الخاص، حيث يستحيل عليهم التعامل معه كما تعاملوا مع هوار”هم”، وهنا فسخ العقد المقدَّم لأنه يخالف شرط العقد المبرم سابقاً، ومن جهته هو، أي الشاعر إبراهيم يوسف، لأنه كاشفَ عالماً مفارقاتياً في ذات هوار الخاصة، وبالتالي فإنه لن يرضى أبداً أن يكون مجرد صدر لتعليق النياشين والصور وغير ذلك مما يهم المعنيين به، وفي الحالة هذه سوف يطوى عهد كان له طعمه أو نكهته، أو رموزه ممن حفلت بهم ذاكرة المحليين ومن معهم مجتمعياً!