فاقد الشيء

غسان جان كير

 ” قالوا للجمل : زَمَّر , قال : لا شفايف ملمومة و لا أيادي مفرودة “
   مَثل شعبي

في العمل الإعلامي ثمة أسسٌ وضوابط تحكمُه , ينبغي على مُمتهن هذا العمل أن يَلُمّ بها ويهتدي بسبلها و ألّا يحيد عنها حتى يضمن أن مُتلقي الرسالة الإعلامية سيتفاعل معها .

و مِن هذه الأسس أن القائم بالاتصال حتى يكون مُؤثرا في المُتلقي عليه أن يجمع بين ثلاث صفات هي : (المصداقية – الجاذبية – السلطة أو النفوذ) والأسس هذه يمكن تشبيهها بالقوائم الثلاث للمنضدة التي يمكن تشبيهها أيضا بالعملية الاتصالية التي تنهار بفقدان إحدى الأسس أو القوائم .
لدينا من الهموم المعيشية ما يكفي ألّا نكون من الناصحين لِمَن يُفترضُ بهم أن يلتزموا بأخلاقيات المهنة الإعلامية وهم في غُرفهم المُكيّفة ينتعشون , ورغم ذلك نُسارع إلى النُصح , ولسنا نطمح أن يُكافؤننا جِمالا تِطبّعت بطبعهم في التخبط والهيجان والعشواء , لدينا مَيلٌ شديد إلى التأسي ونتقبّل العُذر سريعا فَلِمَ لا يُسارعون إلى مواساتنا بخبرٍ صادق , أو بتقليل ابتساماتهم الصفراء في هذا الجو الجنائزي , ننام على صور القتل لنصحو مذعورين من كوابيسٍ لا تنجح الليالي الملاح (المُصطنعة قسراً) في محوها مِن ذاكرتنا ؛ التي أبتّ مُحولاتهم استزراع ثقافة التفاهة فيها بأن نُدير ظهورنا لآلام غيرنا .
 يُخيّل لإعلاميينا (الفطاحل) أنهم خُلقوا كاملين و لا يطمحون إلى الكمال , فتراهم يتغاضون عن أن العملية الاتصالية هي ذات اتجاهين تتمثل في إرسال المعلومة من جهة , وتلقّي صداها من الجهة المُقابلة , أوليس عجباً أن يرى هؤلاء المؤامرات الخارجية , فيما لا تراه الجموع الثائرة , فإن وجدوا في أنفسهم مُكرهين على الاستجابة لبعض الحقيقة حصّروا المُتظاهرين بالعشرات أو بضعها دون تناسي دسّ المُندسين بينهم , وتراهم راضيين مُرضيين على الواقع المُعاش مُجَنْدين كلّ طاقاتهم (الدعائية) في تكذيب تقارير المُنظمات الحقوقية .
والأمر الذي يستحيل تآلفهم معه , أنّ مِن حقّ المُتلقي تنوّع مصادر معلوماته التي تُتيح له الوقوف على الحقيقة من كافة جوانبها , وأنّ عليهم واجب تبنّي اتجاهات الجمهور في مُجابهة السلطة و ليس العكس . وأنّ الرسالة الإعلامية التي تنافي الواقع و تتعمّد إغفال حاجات المُتلقي ستدفعه إلى تجنّب تلك الرسالة .
لسنا في فراغٍ مِن البال حتى نتصيّد هفوات غيرنا فنكون مِن الشامتين , غير أننا و بكبسة زر نتحوّل عن كُل وجه قبيح يُمارس استغباء المُتلقّي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…