عبود سلمان يعمد عرائسه في نهر الفرات

  دبي-إبراهيم اليوسف
 
احتضنت صالة المعارض في فندق كمبينسكي في دبي، وبالتعاون مع فنديميا غاليري 46 لوحة للفنان والناقد التشكيلي السوري عبود سلمان، الذي اتخذ من اسم ” عرائس نهر الفرات”خيط العقد الذي ربط اللوحات التي نثرت غبارها الفراتي، وحمحمة جيادها على جدران الصالة، أمس الأول، بحضور عدد كبير من الفنانين والنقاد وجمهور الفن.

بعيداً عن أية مدرسة منمذجة، وانطلاقاً من قواعد يمكن أن ترسيها لوحة الفنان نفسه، يظهر الحس الشعبي، عالياً،متوفزاً، ليكون مرجعية روح الفنان، وأداة تحريضها الفاعلة، وإن كانت تتماس، وتتقاطع مصادفة، أو مثاقفة، مع هذه المدرسة أو تلك، ليكون الإكليرك أو المائي، أو تنقيطيات كاندينسكي، ضمن إطار ينوس بين الواقعي والتجريدي، وهو ينهض برموزه واحداً تلو الآخر، قاسمها المشترك سطوة “نوستالجيا” الأمومة، والخصوبة، وجماليات المكان، ليترجمها كلها، دفعة واحدة، على مساحة اللوحة، بعد أن تحول القلق، والخوف، والظلم، إلى عنف،سواء أتجلى  ذلك عن طريق العلاقة مع أدوات اللوحة، أو من خلال التقنيات المعتمدة لدى الفنان.
أية كانت الألوان المستخدمة، فإنها تكتنز في دواخلها شفافية عالية، سببها نأي الفنان عن استخدام الألوان الوسيطة، ما خلا الماء،سفيره الدائم، في لوحته، ولحظته، في مواجهة ظمأ مختلف، بنسب توظيفاته المستخدمة، حتى وإن كانت وحشية، في استنابة الإكليرك، كبديل عن الأحبار، أو المائيات، سواء أمركزت التنقيط، جلياً، أم وارته إلى حين، إلا أن سخونة اللون، لاتفتأ هي الأخرى أن تظهر، وهذا مايدل على أن خلطاً، خارجاً عن أية مدرسية مفترضة، لايفتأ يعبر عن عوالم الفنان، المفتوحة على توترها، وحلمها، وقلقها، ويداهم فضاء اللوحة، ريحاناً ونعناعاً بريين، وأشياء أخرى، طلسمية، أو سهلة القراءة.
والمكان، سواء أكان-الميادين-مسقط رأس الفنان، ومهبّ الذكريات العاصفة، التي لا يجد حيلة في مواجهتها، أو كان الفرات، الهادر،نفسه، وهو يرفض لغة المهادنة التي تقدم اقتراحاتها عليه، أو البادية الواسعة، وهي في انتظار مسارات جديدة للفرات، الأكثر شهامة، ونبلاً، وإرثاً، ليعانق كل حبات ترابها، الظامىء، وأشجارها التواقة للخلاص من شرطها، لتصل دائرة المأمول، تحقق فردوسية هذا المكان البهي، فإنه من أجل كل ذلك، ليطفح بجمالياته العصية على الإحاطة، مادامت تنصرف إلى خلق الإبهار، والدهشة، ليتردد بين قوسي الحنووالشراسة، من خلال مفرداته المتناقضة، من ورود وأشجار، تسوطها اللحظة والوجوه إلى ما لانهاية.
 
إن هذا المكان، عينه، يستدعي وجوهاً جد أليفة، أماً، لا خلاص من هباريها، ووشومها،كي تكون لحظاتها أيقونة، مختلفة، تماماً، تتشبثت بروحانيتها، وتجددها،على الدوام، تجدد الفرات، والصباحات، ودلال القهوة،ورائحة زهو الاخضرارالأزلي، ناهيك عن الأحبة والأهلين، وهو سفيرهم الأكثر اعتماداً، كما أن ألوانه تشكل سفارته الأزلية.
ثمة الكثير الذي تقوله لوحة الفنان، عن همجية القهر، ومواجهاته المتواصلة له، مادام ينيب اللون والكلمة، عن الحس، ضمن فضاء معادله الفني، لنكون أمام لوحة تجسِّر محليتها، الخاصة، نحو الآخر، ليس في جزيرة، متاخمة، أثيرة، تتسرب بعض رموزها، وبشرها إلى عوالمه، بل ليروح أبعد من ذلك ليكون ترجمان الألم الإنساني، كما هو ترجمان الألوان .
 
كما أن هذه الألوان، في حواراتها المتباينة، تختصربصمة الفنان، ورؤاه، ليكون أمام انتمائين، متواشجين، متكاملين، لا يلغي أحدهما الآخر، بل يكمله، وهو ما يحقق له مواطنيته العالمية، كما يحقق له مواطنيته ضمن أفق المكان، ونهره، وأسماكه التي تشبه هياج الروح، مبصراً التناقضات الهائلة، ليضطرأن يطلق أنينه اللوني،  يحقق له  بعض التوازن المطلوب، في حضرة حصار الخوف، الهمجي، و فزاعات الدم، وانحباس الصوت في اللحظة المؤقتة، مشرعة بواباتها لحلمه السرمدي الجميل.

5-8-2011 جريدة الخليج

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

نصر محمد / المانيا

-يضم صورا شعرية جديدة مبتكرة ، لغة شعرية خاصة بعناق ، تعانق الأحرف بالابداع من أوسع أبوابه ، انها لا تشبه الشعراء في قصائدهم ولا تقلد الشعراء المعاصرين في شطحاتهم وانفعالاتهم وقوالبهم الشعرية

-مؤامرة الحبر يترك الأثر على الشعر واللغة والقارئ ، يشير إلى شاعر استثنائي ، يعرف كيف يعزف على أوتار اللغة…

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…