الجبلُ الثّاني عشر.. متينا٭ لصورٍ ستبقى

جوان فرسو

أجبلٌ أنتِ؟
متينا،
آه..
كم سألتُ قلبي عنكِ،
قال:
ربّما رجل!
قال:
ربّما أنثى!
لكنّك..أنتِ متينا.

قاسيةٌ.
صلبةٌ.
آمنةٌ..كرجل.
جميلةٌ.
محبّةٌ.. كأنثى.
متينةٌ.. كاسمكِ!
لكنّكِ.. أنتِ متينا.
      
لمتينا..
في ذاكرتي
ألواحٌ.. من البردِ القارسِ،
والحبّ القارس.
لمتينا..
ذكرى حملُ أغصان الكزوانِ بيد،
والخلاص بالأخرى!
*    *    *
قال لي العجوز:
ابقَ..
أدامكَ الله.
نصنعُ لكَ إكليلاً ..
للفراشات التي تسكنُ
قلبك..
قلت:
لي في متينا.. يا عجوز..
لونٌ آخرٌ للوجود.
ذكرى البلوغ الأوّل.. والأخير
لزوزانا..
حيثُ فقدنا الشّجر،
واكتفينا بوجودنا..
على متن متينا!
*    *    *
متينا،
أدمنتكِ
شجرةً.. شجرة
حجراً.. حجراً
ثلجاً.
برداً.
جوعاً.
و.. عسراً.
من مرّ بك للقتال،
تاهَ بينَ ثناياك
لأنّ الغريبَ عن ترابكِ
لن يدرككِ
كما ينبغي!
جبالٌ..
قرى متلاحمة،
ومتجاورة.. كأصابع اليد.
رجالٌ..
حملوا السّلاح
ولا يزالونَ.. يحملونَ
ابتسامتهم سلاحاً
وصلاةً للسّلام.
  *    *    *
متينا،
خطوتُ نحوكِ.. مثقلاً
بأوجاعٍ لم تغادرني،
هجرتُكِ.. باكياً!
هجرةَ الدمعةِ من العين
كما يهجرُ
المحبُّ المحبَّ..
والخنجرُ
نصلَه ُ..
كما يبكي الأطفالُ
أمهاتهم..
متينا،
متعبةٌ أنتِ
وموحشة.
وعبثاً
تنتظرينَ إيابي..
متينا،
وما أصعبَ أن أقول لكِ:
أحبّكِ!

٭ اسم جبل في كردستان

——-

المسُّ الحادي عشر.. جبل

كان الصّباحُ جاثياً على ركبتيهِ
حينَ امتطى الجبلَ..
فارسٌ من الوهلةِ اللاّ أخيرة..
يتجرّعُ رائحةَ التّراب..
ببرارٍ توسّدها،
وفضاءِ اللاّ تناهي
في الْتحافِ نسماته المنعشة..
على الجبلِ ذاك..
قالَ لنا الفارسُ أسراره:
عشقي حِملٌ من ثقلْ،
ودمي أزرقٌ منه رائحةُ العصافير..
وشفتايَ صوتُ البراري،
موغلاً سرمديّةَ الأبدْ
في اللاّ زمن..
واللاّزورد..
وطني.. جذورٌ طمرتها الحجارة
وساعدي.. ما كادَ يحملني
إليَّ..
سوى أنّني أراني
من فوّهةِ بندقيّة..
     *    *    *
على الجبلِ ذاك..
كانَ قانونُ زارا
والحرّيّة..
والحياةُ كانت..
شمسَ الأفق نشربُ،
وقبلةَ الحياةِ نتذوّقُ..
وجمالُ السّيمفونية فضاءٌ
في لا محدوديّة الشّمّ…
التُّرابَ التُّرابَ ما أقدسه.
والعشقَ أرئفْ به.
لعلّهُ نوح..
من جثا نحوَ جودي
ولعلّكَ أنتَ أنا
وأنا أنت
وأنتَ أنتَ
وأنا أنا
أنتَ من أنتَ؟
أنا من أنا؟
     *    *    *
سيمفونيّةَ الغزالِ والعصافيرِ
في سحابةِ لطفٍ وديمةٍ وزهرةِ
جلّنارْ..
اسقنيها..
ثلجَ آكري ٭..
ملتحفاً جسدي السّاخنْ
ككأسِ شاي.
آه يا أمّي..
باركي لي ثلجَ قلبي
وحرارةَ التّراب..
حينَ امتزجَ برائحةِ دمي،
ويدايَ ما زالتا
ملطّختين..
ببقايا الفراشات
حين احتمتْ بظهريَ المثقوب..
آه يا أمي..
هلاّ سردتِ لي
بقايا حكايا
جدّي
زردشت..

٭ جبل في كردستان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…

حاوره: ابراهيم اليوسف

تعرّفتُ على يوسف جلبي أولًا من خلال صدى بعيد لأغنيته التي كانت تتردد. من خلال ظلال المأساة التي ظلّ كثيرون يتحاشون ذكرها، إذ طالما اكتنفها تضليلٌ كثيف نسجه رجالات وأعوان المكتب الثاني الذي كان يقوده المجرم حكمت ميني تحت إشراف معلمه المجرم المعلم عبدالحميد السراج حتى بدا الحديث عنها ضرباً من المجازفة. ومع…

مروى بريم

تعودُ علاقتي بها إلى سنوات طويلة، جَمَعتنا ببعض الثَّانوية العامة في صفّها الأول، ثمَّ وطَّدَت شعبة الأدبي صحبتنا، وامتَدَّت دون انقطاع حتى تاريخه.

أمس، انتابني حنينٌ شبيهٌ بالذي تقرّحت به حنجرة فيروز دون أن تدري لمن يكون، فوقه اختياري على صديقتي وقررتُ زيارتها.

مررتُ عن عمَدٍ بالصّرح الحجري العملاق الذي احتضن شرارات الصِّبا وشغبنا…