گوميداس في أول دراسة علمية للموسيقى الكوردية (عام 1899)

برزو محمود

  في هذا المقال أود القاء الضوء على زاوية حتى بالأمس القريب لم تكن معلومة بالنسبة لعدد كبير من المثقفين في منطقتنا، باستثناء مثقفوا أرمينيا السوفيتية، وهي مسألة تستحق الإهتمام والوقوف عندها، ألا وهي الدراسة الاكاديمية الأولى  في الموسيقى الكوردية أعدها العالم الموسيقي گوميداس الذي يستحق أن نصفه بيتهوفن الموسيقى االأرمنية. فما من دارس يبحث في الموسيقى االأرمنية، أو في تاريخ الموسيقى الكوردية دون أن يقف باحترام وإجلال أمام عظمة هذا الموسيقار االأرمني، گوميداس، الانسان بالمعنى الحقيقي، والفنان الاصيل الذي جمع معظم الأغاني الشعبية االأرمنية، سجلها صوتاً وتدويناً (صولفيجياً)، إلى جانب  مجموعة من الأغاني الكوردية قدمها حينئذِ كنماذج في دراسته في الموسيقى الكوردية، وهي أطروحة جامعية أعدها گوميداس عندما كان طالباً في جامعة برلين وعلى أثرها نال درجة الدكتوراة في الموسيقى الكوردية من جامعة برلين بألمانيا في عام 1899.
گوميداس المرهف في أحاسيسه، والمبدع في جميع أعماله الموسيقية وقف أمام مسؤول الكنيسة االأرمنية واللجنة الفنية االأرمنية عندما كان طفلاً يافعاً في العاشرة من عمره ليقدم أول امتحان له، وهو اختبار وتقييم عن مدى امكانياته الصوتية والفنية التي تخوله أن يصبح طالباً يتكفل الكنيسة مصاريف معيشته ورعايته وكافة مستلزمات حياته ودراسته، حيث قدم هذا الطفل نماذج من الغناء الكوردي الشعبي مما أذهل أعضاء اللجنة لدى سماعهم صوته المميز الذي يغطي مساحة موسيقية واسعة بطريقة قريبة من الغناء الأوبرالي[1]. أن هذا الموقف يشير بوضوح إلى مدى تأثره بالغناء الشعبي وهو لا يزال طفلاً يخطو خطواته الأولى ليتحول فيما بعد إلى عالم موسيقي بعد أن تتلمذ على يد علماء الموسيقى الألمانية وخاصة موسيقيوا نهاية القرن التاسع عشر حيث كانت المدرسة الرومانسية في ذروتها، والموسيقى الكلاسيكية لا زالت في القها. وفي هذا الموضوع كتب الدكتور خاتشيك بيليكيان، استاذ الموسيقى في جامعة واين (دترويت، ميشيغن)، بحثاً باسم (الحوار الموسيقي الارمني عند گوميداس) حيث عرض الكاتب أفكاراً موسيقية اساسية لگوميداس، ويذكر في بحثه هذا أنه أي گوميداس قد درس الموسيقى والفلسفة في برلين المانيا، وحصل على دكتوراه في الموسيقى والفلسفة، وكانت أطروحته هذه هي ((أول دراسة علمية مكرسة للموسيقى الكردية في الأدب الموسيقي العالمي…)) في عام 1899[2]، وفي هذا العام الذي تخرج فيه گوميداس كموسيقار وعالم موسيقي، أصبح أول عضو غير أوربي في الرابطة الدولية للموسيقى التي تأسست في تلك السنة، وقد ساهم في تأسيسها. “وفي محاضراته لهذ الرابطة في برلين عام 1899 و1901، وفي باريس عام 1914 أكد گوميداس بطرق علمية موسيقية أمام مئات من الموسيقيين العالميين على أن لشعوب الشرق الأوسط موسيقى غنية وأصيلة مستمدة من تقاليدهم على مر القرون.”[3]
 ويذكر المغني الأرمني كيفورك هاجيان في مقابلة أجرتها معه د. نورا أريسيان: “لقد كان گوميداس يقدم محاضرات في برلين عن فن الموسيقى، وأعد اطروحته عن الموسيقى الكردية، حيث أدهشت الجميع. وحينها، أجمع كبار المختصين في الموسيقى أن گوميداس سوف يكون صاحب مهمة تعليم فن الموسيقى الشعبية. إن فكرة علم الغناء الجماعي كانت فكرته، وكان گوميداس يحلم بمعهد للموسيقى، وفيما بعد تحقق ذلك بتأسيس معهد عالي للموسيقى في يريفان”[4]
والملاحظ أن گوميداس يعد واحداً من عظماء الأرمن مثل كريكور ناريكاتسي وميسروب ماشدوتس الذين تركوا بصمات واضحة عبر التاريخ الأنساني، وهو من الشخصيات الفريدة في العالم والتي ربما من الصعب أن تتكرر، حيث نذر نفسه للموسيقى. وبالرغم من أنه عمل من أجل تطوير الموسيقى االأرمنية، إلا أنه قدم أطروحته الأكاديمية في الموسيقى الكردية وهذا يشير بوضوح إلى تعلقه وإعجابه الكبيرين بالموسيقى الكردية وخاصة أنه عايش الأغنية الكردية الشعبية نتيجة الجوار الجغرافي الذي يجمع الشعبين االأرمني والكردي على مدى عصور تاريخية عديدة، وهي خاصية تميز بها گوميداس  وتدل على مدى قيمه الانسانيه النبيلة وحبه للأنسان، بعيداً عن العنصرية والتقوقع القومي الفج. من هنا نجده موسيقاراً ينطلق من الموسيقى الأرمنية لينتقل إلى عالم أوسع وأكثر ثراء حيث يتجاوز حدوده القومية، ويجمع ((أكثر من 3,000 أغنية شعبية لقوميات وشعوب متعددة: أرمنية، وكردية، وفارسية، وتركية، وعربية (أكثره مفقود حالياً). وقدّم حفلات موسيقيةُ في باريس وجنيف وبيرن وفينيسيا واستانبول والقاهرة والأسكندرية. كما نَشر مجموعةُ من الأغاني الشعبيةِ الكرديةِ تقدر بـ13 أغنية، Jurgensen، 1904.))[5]
من هنا أرى من الضرورة بمكان الوقوف عنده، وإلقاء الضوء على جوانب من حياته وأعماله وأفكاره، بهدف تعريف الموسيقين والمثقفين بهذا الموسيقار الذي بذل جهداً كبيراً في وضع القواعد والمبادئ العامة للموسيقى الشرقية.
صيف  2009

[1] هذا ما رواه لي الأخ والصديق هايرنيك دونو، مثقف أرمني من مدينة القامشلي   

[2] الدكتور خاتشيك بيليكيان، الحوار الموسيقي الارمني عند كوميتاس وأهميته في نهضة الموسيقى العربية بيروت، 1985

[3] الدكتور خاتشيك بيليكيان، الحوار الموسيقي الارمني عند كوميتاس وأهميته في نهضة الموسيقى العربية بيروت، 1985، ص 16

[4]  هذه المقابلة منشورة في موقع على الشبكة العنكبوتية .

[5] AZAD HYE, ARMENIA The Survival of a Nation,
Collected more than 3,000 folk songs – Armenian, Kurdish, Arabic, Turkish and Persian (most subsequently lost). Gave concerts in Paris, Geneva, Berne, Venice, Constantinople, Cairo and Alexandria. Published first ever collection of Kurdish folk songs, 13 in number, Jurgensen, 1904

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصدق عاشور

 

إنها حروف

إنها وقع أماني

فهل يدركني زماني

إنها وصلت غناء

أضاعت حروفها

وأضاعت الأغاني

رجاء

إنها سفينة تحلق

بزرقة الوجود

فهل نرسم الأماني

أم نحلق بالروح

أم نحلق بالسجد

ياسمينة

ترسم الروح

وتشفي الجسد

فلا وقت للحسد

رجاء

ماالذي غيرني

ماالذي عذبني

فهل تدركني الروح

في الأغاني

ومزج الصور

رجاء

إيقونة روحي

تعلق جسدي بالدموع

إنها سر الحزن

بين الضلوع

بين مراسي الحنين

يشق يمزق جسدي

سيوف الحاقدين

لن أعرف الحزن يابشر

تعطلت المراسي

تعطلت البحار

لكني روح

أختار ما أختار

فكو عني السلاسل

روحي وجسدي

أيقونة ياسمين

أيقونة حنين

ا. د. قاسم المندلاوي

 

الفنان الراحل (صابر كوردستاني) واسمه الكامل “صابر محمد احمد كوردستاني” ولد سنة 1955 في مدينة كركوك منذ الصغر فقد عينيه واصبح ضريرا .. ولكن الله خالقنا العظيم وهبه صوتا جميلا وقدرة مميزة في الموسيقى والغناء ” فلكلور كوردي “، و اصبح معروفا في عموم كوردستان .. ومنذ بداية السبعينيات القرن الماضي…

فراس حج محمد| فلسطين

-1-

لا تعدّوا الوردْ

فما زالتِ الطريقُ طويلةً

لا نحن تعبنا

ولا هم يسأمون…

-2-

ثمّةَ أُناسٌ طيّبونَ ههنا

يغرّدونَ بما أوتوا من الوحيِ، السذاجةِ، الحبِّ الجميلْ

ويندمجون في المشهدْ

ويقاومون…

ويعترفون: الليلُ أجملُ ما فيه أنّ الجوّ باردْ

-3-

مع التغريدِ في صباحٍ أو مساءْ

عصرنة النداءْ

يقولُ الحرفُ أشياءً

ويُخفي

وتُخْتَصَرُ الحكايةُ كالهواءْ

يظلّ الملعبُ الكرويُّ

مدّاً

تُدَحْرِجُهُ الغِوايَةُ في العراءْ…

-4-

مهاجرٌ؛ لاجئٌ من هناك

التقيته صدفة هنا

مررتُ به عابراً في…

عبد الستار نورعلي

(بمناسبة عيد المرأة)

 

حين تكون المرأةُ الأحلامْ

تنسدلُ الستائرُ الحريرْ،

فلا نرى أبعدَ من أنوفنا،

وخافقٌ يضربُ في صدورنا،

فكلّ نبض امرأةٍ هديرْ

والمطر الغزيرْ،

 

نفتحُ حينها عقولَنا

أم نسرجُ الخيولْ

والسيفَ والرمحَ

وصوتَ الحلمِ الغريرْ؟

 

في حلمٍ

يُبرعمُ الربيعُ فوقَ صدرِها،

ينتظراللحظةَ كي يدخلَ في الفؤادْ،

يُعطّرُ الروحَ بدفء روحها،

يقتطفُ العشقَ

ويبدأ الحصادْ،

 

في كتبِ الروايةِ الأولى:

غزالةٌ تسلَقتْ تفاحةَ البقاءْ،

وانتزعتْ تفاحةً لتقضمَ الغرامَ

واللعنةَ، والدهاءْ،

 

امرأةُ العزيزِ راودَتْ فتاها

عنْ…