narinomer76@gmail.com
((درو دينو…درويش, مَنْ يترنّحُ في محرابِ الجدّ…فليتفضّل)), بمعنى أنّه كان يتمتّعُ بالحكمةِ والعقلِ أكثر من أناسٍ كثيرين, والشّخص الذي يريد أن ينافسه في ذلك فليتفضّل ويجرّب حظّه. كان يقضي معظم أوقاتِ عمله لدى عائلة المرحوم (حسّو عبد الغني أبو سعيد حسّو). المرحوم (ملك) وكان ينتمي إلى الأخوة المسيحيّين, ويعملُ أحياناً لصالح سينما عائلة إيليّا حيثُ كان يجرّ عربة خشبيّة تحملُ عرضاً سينمائيّاً لفيلمٍ جديدٍ يُعرَض, ويسيرُ بها في شوارع ديرك, فكنّا –نحن الأطفال- نسيرُ معه إلى أن ينتهي من عرضه.
في قصيدة (فضاء العشق) يتساءلُ الأخ الكاتب (محمد قاسم): ((ولا ادري كيف تقحم الشاعرة اسم “قاضي محمد” في نص يغلب فيه الغزل والحب))؟! ثّمّ يستدرك ذلك بالقول:
((ولكن الذي استوحيت من ذلك هو أن “قدسية قاضي محمد لملكة حسه مهاباد” تعبير عن حب في ظل النضال والمشنقة التي عُلِّق عليها القاضي الجليل والشجاع ، والذي استقبل الموت شنقا بشموخ شهد له به التاريخ)). نعم, هذا ما قصدته تماماً, فهو القائد والرّئيس الذي استقبل الموت بشموخ وكبرياء تعبيراً عن حبّه اللامتناهي لمهاباد ولشعبه وانتصاراً لقضيّته. أوّلا يُعْتَبَرُ الشّهيد عاشقاً والوطن هو المعشوق؟ ثمّّّ يطرحُ تساؤلاً آخرَ يتعلّق بالفنّانة الكرديّة (مريم خان)*: ((لكن كيف ربط بينها وبين “الأمير البدرخاني” فلا أعلم عن ذلك شيئاً)). ربطتُ بينها وبين الأمير البدرخانيّ لأنّني سمعتُ من بعض المصادر أنّها حين دخلتْ الأراضي السّوريّة وسكنتْ دمشق الشّام, تعرّفتْ هناك إلى أميرٍ بدرخانيّ, توطّدتْ بينهما فيما بعد علاقة حبّ وعشق تكلّلت بالزّواج, ولكنّ زواجهما لم يدم طويلاً حيث انتهى بالطّلاق,بسبب معارضةٍ قويّةٍ واجهاها, ما جعلها تتوجّه إلى منطقة الجزيرة إلى ديريك ثمّ إلى عين ديور, لتتوجّه فيما بعد إلى العراق وتترأس القسم الكرديّ في إذاعة وراديو بغداد ويُذاع صيتها. يُقال إنّها ونتيجة فراقها لزوجها وحبيبها صارت فريسة للهموم والأحزان واليأس أيضاً, ما أدّى إلى إصابتها بمرضٍ ألمّ بها ثمّ رحيلها الأبديّ في عام (1948) وهي في الرّابعة والأربعين من العمر.
(قصيدة حكاية مفرداتك), القبّة أو قبّة الإمام علي بن أبي طالب كما تسمّى, حين كنّا صغاراً كنّا نعتقدُ أنّها تضمّ ضريحَ الإمام, وبعد سنوات قيل لنا إنّ الإمام مرّ من هنا فبنيت القبّة تكريماً لمقامه, ثمّ قيل إنّ بعض مشيخة البلد بنوها ليشدّوا النّاسَ إليها وإلى الدّين الإسلامي. الملفت في الموضوع أنّني سمعتُ من بعض الأخوة المسيحيين أنّ القبّة كانت مقاماً لقدّيسٍ مسيحيّ اسمه “جرجس” وكانوا يقصدونه كمزارٍ لهم إلا أنّ المسلمين نسبوها إليهم بعد أن أضفوا عليها الصّبغة الإسلاميّة. المسلمون وغيرهم من الطّوائف الأخرى من الرّجال والنّساء يتوافدون إليها بالآلافِ كلّ عام وخاصّة في فصلِ الرّبيع. والكثير منهم يقيمون الذّبائح في باحتها أو في الأراضي المحيطة بها كأضحية وقرابين على النّذور التي يتندّرون بها. يمكن الوصول إليها من طريقين, طريق قرية (عين بازوق), وطريق قرية (تل دار). أبرز ما يلاحظه الوافد الجديد إليها قطع القماش الكبيرة ذات الّلون الأخضر التي تغطّي الهيكل الموجود على شكل قبر, وهي ترمز إلى فترةِ الخلفاءِ الرّاشدين على ما أعتقد, ولكنّ النّاسَ يرون فيها دلالة على راية الإمام وشفاعة منه لهم, وما يزالُ الزّائرون يقطعون قطعَ قماشٍ صغيرةٍ منها يلفون بها معصمهم, أو يعلّقون حول عنقهم. الأمرُ الآخر يكمنُ في الأشجار المزروعة في باحتها والمزدانة بقطع قماش صغيرة وخيوطٍ وأحياناً أكياسَ نايلون, وكلها مربوطة بعقدةٍ أو أكثر, قبل أن يقومَ الزّائرُ بعمليّةِ الرّبطِ عليه أن يبيت نيّة في قلبه ثمّ يبدأ بربطِ العقد, وأحياناً يفكّون العقد المربوطة ويعيدون عقدها من جديد يقيناً منهم أنّهم سيفكّون عقدة مَنْ عقدها قبله, وأحياناً يربطونها حول النّوافذ المحيطة بغرفة الهيكل. أمّا الأمر الثّالث وكما كانوا يفعلون على حائط كنيسة العذراء يأتون بحجر من فخّار ويفركونها على الجدار, إذا لصق الحجر بالجدار فهذا دليلٌ على قبول الله لنيّتهم, الأمرُ الرّابع أنّ النّساء والفتيات سابقاً كنّ يذهبن إليها ويزرنها وهنّ حافياتٍ بعد أن يكنّ قد نوينَ على القيام بأعمالٍ أو رغبن في تحقيقِ أمنيةٍ أو هدفٍ ما.
ملاحظات لا بدّ منها:
1-الأخ الكاتب محمد قاسم وقفَ عند قصائدَ أخرى في المجموعة, وأسبغَ عليها صبغة الشّرح والتّفسير بشكل كافٍ, لذلك آثرتُ عدم الوقوف عليها أو الحديث عنها, مثل: (والأذنُ تعشقُ, وقت الصّلاة, لغز المسافتين, مناجاة….وغيرها).
2- ولدت مريم خان في 1904م, وقد خصّصتُ لها الحلقة الأولى من حلقاتِ سلسلة (الفنّانات الكرديّات شموع تضيء لتنير دروبَ الفنّ الكرديّ). بالنّسبةِ إلى الخبر المتعلّق بقصّةِ حبّها وزواجها من أميرٍ بدرخانيّ, تضاربت
المصادر حول صحّة الخبر أو عدم صحّته, وما أزالُ أبحثُ عن الرّواية الصّحيحة منهما.
3- قصيدة (في سكرةِ نبض ديرك) كتبتها في ربيع عام ألفٍ وتسعمائة وخمسة وتسعين (1995) أثناء تجوالي في أماكنَ عدّة من مدينتنا الرّائعة ديريك, أسعدُ النّظرَ بمباهجها ومعالمها, أسترجع الأيّام والّليالي التي أمضيتها مع رفاق ورفيقات الطّفولة, وحين مروري ببيتنا الأوّل الذي ولدتُ فيه وجدتني ألهو معهم من جديدٍ, وألعبُ لعبة (الغميضة: Pîpîkê, والمارشو والمستريح وصندوق زيرى زام َيْزو: Sindoq zêrê za meyzo …), وأبني معهم (خانيجوك) , والكلمة تصغير لمفردة (خاني: Xanî) والتي تعني بالكرديّة البيت وبيتان شعريّان للشاعرٍ العربيّ (أبو تمّام) يستحضراني في تلك الّلحظات, وفي كلّ لحظةٍ ألمحُ فيها دارنا القديمة:
-نقّلْ فؤادك حيثُ شئت من الهــــوى ما الحبّ إلا للحبيبِ الأوّلِ
-كم من منزلٍ في الأرضِ يألفه الفتى وحنينُه أبــداً لأوّلِ منـــزلِ
كلّما أمرّ بمكان أو شارع يدفعني الشّوق والحنين إلى أخرى, فخطرت في بالي فكرة الكتابة حول كلّ ما رأيتُ وشاهدتُ, وما استرجعتُ من طيبِ الأيّام فكتبتُ الأفكار الرّئيسة منها في أثناء المسير, وعندما عدتُ إلى البيتِ كانت الفكرة قد اكتملت, ولكنّني ونتيجة تنقّلنا المستمرّ من دارٍ إلى أخرى فقدتها مع دفتري المحتوي على أوراقٍ أخرى, وفي عام (2004) وجدتها, فصرتُ أنتشي طرباً ومسرّةً لأنّها تتعلّقُ بذكرياتي مع ديرك التي أرى فيها الحياة بكلّ مباهجها ومفاتنها حتّى في الّلحظاتِ التي تغدر بي فيها, وبتّ أنشدُ على أوتار عشقي لديرك وأهل ديرك مع (ملاى جزيري: (Melayê Cizîrî) :
-نَوايَا مُطْرِبُ وچنگى فَِغانْ آڤِيتَهْ خَرْچنْكى
وَرَهْ سَاقى حَتَا كنْگى نَشُويينْ دِلْ ژِڤى ژَنْكى
حَيَاتا دِلْ مَيَا باقي بِنُوشِينْ دَا بِمُشْتَاقى
ألا يا أيُّها السّاقي أدِرْ كأساً وناوِلْها
أرّختها بعام (2004), تيمّناً ببركةِ هذا العام, بمعنى أنّ القصيدة لم تُكتَب في عام (2008) تاريخ نشر المجموعة كما اعتقدَ البعضُ, ولا في عام (2006) أو ما بعده كما ظنّ البعضُ الآخر.