الشاعرة نسرين تيللو: لا أحب أن أكون أنثى بشروط الرجل

  لقاء: لورين جتو

القامشلي همس الوجد في قصائدها والأنين الخفي المتسرب إلى قصصها. فهي إمراة تنتمي اليها وموهبتها ما يميزها من نساء جيلها نسرين تيللو بالإضافة إلى كونها كاتبة فهي زوجة, مربية, عاملة…ولدت نسرين ونشأت في القامشلي وأكملت دراستها فيها وتخرجت من جامعة دمشق سنة 1979 وعملت في تدريس الجغرافيا في ثانويات المدينة.
تعرضت للنقل التعسفي مرتين خلال مسيرة عملها.
قضت طفولتها المبكرة في منزل على ضفاف نهر الجغجغ الذي يقسم مدينة القامشلي الى قسمين، عندما كان يضج بالهدير والتدفق تحتضنه ضفاف كثيفة الاخضرار.
راحت تحفظ القرآن والمدائح النبوية في البيت أو من خلال مرافقة أمها إلى حفلات الموالد في بيوت أخرى.
في المرحلة الثانوية اتضح ميلها للكتابة والأدب. كتعويض عن صمت كان لغة حياتها.
بداية، عرفينا على نسرين الانثى ونسرين الشاعرة؟

أنا أمرآة أنثى عاشقة للحياة والإنسان انشد السلام والاستقرار. لا أحب أن أكون أنثى بشروط الرجل. أما نسرين كشاعرة: أكرس في كل ما اكتب ما غفل عنه الإبداع الذكوري بتعارض مخصب رغم تشاركي في المناخ معه أريد أن اكشف أن لذاتي الفردية وضعا اعتباريا مغايرا داخل القيم الذكورية وتحت وطأة المعاملات والأحكام المسبقة اغمس ريشتي في أحاسيسي لأترجم حقيقة الوجود أحب الانطلاق المبدع الهارب من سجن الذات التقليدية. أرى الزمن تدفق متواصل وحركة لا تنتهي نحو المستقبل الذي يبقى حركة متواصلة إلى الأمام. وكل قصيدة هي قراءة للغة الطبيعة المشفرة. هي اكتشاف. وتركيب جديد وفق ما يقدم للشاعر من الإمكانيات التاريخية والظروف الاجتماعية.

هل الكتابة والشعر موهبة لديك أم أنك ترعرعت بين احضان اسرة لها ميول أدبية؟

حوت مكتبة الوالد كتب كردية وعربية وتركية ودوريات وصحف ومجلات. وقد أثرى مخزونه من العلم بالمطالعة وكان ضليعا في كتابة المقالة. وعازفا خبيرا بآلة البزق. ولم يتسن لي رؤيته عازفا لأنه توقف عن العزف بعد وفاة ابنه البكر في الثانية عشرة من عمره. وعرف بولعه بزراعة الورود. وضرب بجمال فناء دارنا المثل. اعتقد أن كل ذلك كان له دور في إثراءنا روحيا. وأثر بنا من حيث ندري ولا ندري. فظهرت ميول الكتابة عند أكثر من واحد بيننا. واعتقد أن الشعر يبقى موهبة إلهية بالأساس يدعمه جدية الاهتمام بالمطالعة والمتابعة فان كان الإبداع تناول جميل لكل معاني الإنسان المقدسة فان الشعر هو تاج الإبداع.

كزوجة اولا ومن ثم كأم هل حظيت بجو ملائم للكتابة من قبل اسرتك وخاصة زوجك؟

نسبيا لست في حياتي الزوجية تلك المرأة التي تقيدها المفاهيم الكلاسيكية. ولكن مسؤولياتي الكثيرة كأم وعملي خارج المنزل اخذ من وقتي الكثير. فالأجواء لم يكن من احد ليهبني إياها ولكني كنت اخلقها لنفسي. ولا أظن أن هناك أزواج متعاونين وهذا عائد إلى ينابيع ثقافتنا التي لا ترى الأنثى كائنا يماثل الرجل حق الوجود الفعلي. وان سمح لها بممارسة ادوار جديدة تزيد من أعبائها ليتنكر التسلط بقناع ديمقراطي. أضيفي إلى ذلك واقع أساسا مفيرس بالموانع متربص بالأجنحة. إلا أن هذا الشلال بداخلي لم يكف عن التدفق. منذ أن كنت طالبة في نهاية المرحلة الثانوية. وعلى الإنسان أن يعيش قدره.

هل تحتاجين الى حالة خاصة حتى تستطيعين الكتابة وما الشعور الذي تشعرين به عند انتهاءك من كتابة كل قصيدة أو نص؟

الكتابة تجعلني أتسلق شعاع الأمل ولذة الكتابة لا توازيها أية لذة على الإطلاق وتحملني إلى مراتب مقدسة. بعد أن اطل بفضول على ذاتي لإدراك الطبقات العميقة في وعيي المح هواجسي وأوجاعي. وحين اكتب اغمس ريشتي في الحياة نفسها وأسجل حضوري في عالم تتآخى فيه الكائنات. واحتفي بالنص الذي أنجزه احتفاء عيد. احتاج لأجواء خاصة للكتابة بالتأكيد لان الفعل الكتابي هو غوص في أعماق الذات عندما يتلاشى المكان والزمان لأذوب في أتون الأشياء والخروج منها سمندلا من جديد. وعندما تداهمني القصيدة بلا موعد على عادتها ولا أكون على استعداد لاستقبالها فإنها تعود بلا تردد. ولا يمكن أن يكون الشاعر شاعرا طوال الوقت. فالقصيدة صدفة..احتمال حدوث. استثناء.

هل زرت اقليم كردستان العراق وما انطباعك عنها؟

نعم كان ذلك في عام 2006 لحضور مهرجان الشعر في دهوك –كنت متلهفة لرؤية كردستان الحرة والمشي على أرضها حافية القدمين لألمس روح التراب الذي مشى عليه البرزاني الخالد والبيشمركة الأوفياء. ورواس باذخة الشموخ لامست جبهتها الشمس. لأراها بأم عيوني والنجوم تسجد على طهر ذراها. كردستان التي ولدت بعد مخاض طويل من رحم التضحيات..وزيارة معبد لالش أعادتني إلى بداءة البدء الباقية لأقدم معبد لازال على قيد الحياة والتاريخ لكن أوجعني في كردستان تقهقر الغابات. ووضع المرأة.

دائما توجد علاقة من نوع خاص بين الشاعر/الشاعرة والمكان فما العلاقة التي تربطك بالقامشلي؟

أرى شبها بيني وبين مدينتي اشعر أنني هيئتها البشرية. لها سطوة على الروح ففيها ولدت ونشأت. الأهل الذين أحبهم بشكل عميق وهم جزء من ذاكرتي ووجداني. لكن على مستوى التعاطي والتعامل اليومي حصلت مسافات عاتية بتجليات دمارها الذي أنتجته الهجرة. والغياب الطويل للأخوة ودمار البيئة. فالمدينة كانت ثرية بينابيعها وضفافها الخضراء. وفضاءاتها العابقة بنداوة العشب وعبير الأزهار البرية. شلالها الناصع. اختفى جمالها..ولكنها لم تزل وارفة بظلالها الإنسانية. رغم السفر لم استبدل حبها بحب مدينة أخرى لهذا كله فهي همس الوجد في قصائدي والأنين الخفي المتسرب إلى قصصي.

أتوجد للمرأة بشكل عام وللمرأة المضطهدة نصيب من كتاباتك كأمرأة؟

قد يكون محور كتاباتي القصصية موضوع المرأة..في أجواء أسرية خاضعة لكاريزما.
وفي الشعر امجد الحب كعاطفة نبيلة بين رجل وامرأة. وأراه أهم من كل ما في الدنيا لأنه الحقيقة. وأرى في فقدانه تيها وشقاء وبه تحقيقا للتوازن النفسي والاستقرار..هذه الهبة الإلهية المطاردة في مجتمعاتنا يصار إلى إنكارها وتحريمها كبضاعة مهربة.

تكتبين بالعربية والكردية كما الكثير من كتاب وشعراء كردستان سوريا فما سبب ذلك؟

نحن لغويا ننتسب إلى انتماءين وهذا الانتماء المزدوج لا يهزمني وابقي في الحالتين أهب الأرض حدائق من أريج..وارى في ذلك اغتناء وثراء. ولم أترجم قصصي أو قصائدي.

قصيدة ميناء الجرح ل نسرين تيللو
هو الحلم مس عيوني..وطيفك يدنو…رويدا رويدا
اكف الفؤاد تطير إليك…وفي غسق الود جئت اليا
وغمغمت في ضباب الحروف وميضا..
أضأت به من كلينا المحيا
ثوان أضاءت مساحة وجد بعيد..
وغابت
وغبت..
واودعتني للذهول..

*صدر هذا الحوار في صحيفة باس العربي في اربيل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…