m.qibnjezire@hotmail.com
لكن الجانب الأعم –وهو موضوع البحث عادة- هو متقارب الصورة والفهم لها …
هذا يحيلنا الى التنبه الى العلاقة التعبيرية-التفاعل- بين البشر والبيئة- في شقيها الاجتماعي والطبيعي-.
وكما سبق القول، فإن الإنسان هو الكائن العاقل المميز الوحيد من بين الكائنات، ومن ثم فهو الكائن الوحيد الناطق، وقد انتبه فلاسفة الإغريق-أرسطو- الى هذه الحقيقة فعر!ف الإنسان بأنه”حيوان ناطق” لأن النطق لا يكون إلا لعاقل كما هو معلوم، وفيما عدا عن ذلك؛ فالجسم البشري له نفس خصائص الجسم الحيواني فيزيائي وعضويا، وان كان الشكل والقوام يميز الإنسان عن حيوانات أخرى في شكل ما. مع أن بعض علماء الاجتماع يرى أن الإنسان- مثله مثل أي كائن آخر- له خصائصه المميزة له، والنطق واحدة من هذه الخصائص، كما خاصة الحيل الذكية لدى الثعلب مثلا، وخاصة الطيران لدى الطيور، أو أية خاصة لدى الحيوانات الأخرى الميزة لها ..
في تقديري، هذه النظريات-أو بعضها- غلب فيها بعد ذاتي-نفسي- أثناء البحث –لسبب ما؛ قد يكون تربويا، أو مؤثرا خاصا، أو خطأ في نهج البحث، أو بتأثير دوافع نفسية خاصة-مهما كانت-…لذا فإن ما يؤكد ذاته ميدانيا هو أن اللغة مميزة للبشر، وهناك تلازم بين اللغة والعقل لا يمكن إنكاره، أو تجاوزه، وبالتالي فإن ما جعل البشر يسبقون الكائنات الأخرى طيلة قرون طويلة، إنما هوهذه اللغة والعقل. وما نتائج-أو محاولات التخيل علميا –لكائنات مختلفة والبحث في احتمالات وجودها في الكواكب الأخرى استنادا الى ظاهرة الأطباق الطائرة مثلا. أواحتمال وجود الحياة على كواكب أخرى.وووووالخ. ليس سوى جهد البشر أنفسهم، وقوة طموحهم، ولا نبرئ بعض اجتهادات غير بريئة لمصلحة بعض الأيديولوجيات السياسية أيا كانت…
فاللغة، سواء أكانت نتيجة ابتكار وتطور في الممارسة الحياتية- أو نتيجة تنزيل: “وعلمنا آدم الأسماء كلها” فهي الأداة الأكثر تأهيلا للتعبير؛ الى جانب أساليب التعبير الأخرى، كالإشارات والرسوم والحركات والإيماءات..وتعابير الوجه أو الأطراف…الخ.
وحتى في حال تبني نظرية إن اللغة ابتكرت وتطورت..فلو لم يكن هناك استعداد لدى البشر لما حصل ذلك. ألا يحاول الناس منذ قرون تطوير لغة القرود وتدريبها على أداء حركات ذكية، ومحاولات تعبيرية ضئيلة جدا، تدعو الى الضحك-وهذا بحد ذاته إشارة الى أن ذلك قوة متعوب على بلورتها، وغريبة على الواقع… !
يوصف ما يجري في الغابة بـ”قانون الغابة” أو “شريعة الغابة” ملخصها أن القوة هي المهيمنة بلا منازع. فالقوي يأكل الضعيف.
ولقد تطورت الحياة البشرية من حالة –يشبهها البعض بالحيوانية- الى حالة أصبحت تعرف بالمدينية-أو الحضارية- ولعل أهم ما يميزها هو، التوافق بين البشر على منظومة علاقات مقننة على أساس التعاقد، تنظم حركة البشر ضمنها، لتلافي الوقوع في العشوائية، والعبثية، وهيمنة القوة –مهما كانت- وبالتالي الركون الى نوع من الحياة الهادئة، والمريحة والمرفهة …واستثمار القوة والاختلاف في الرؤى ومستوى الذكاء، وقوة الابتكار-الاختراع….الخ- لصالح الحالة المنشودة من الهدوء والراحة والرفاهية…
ولئن دققنا في أسباب هذه التطور لن نجد صعوبة في اكتشاف دور التفاعل والتواصل والتفاهم…والذي حققته اللغة المنطوقة ومن ثم المكتوبة…وفيما بعد- او قبل- كل ما حققته وسائل الاتصالات التي بنيت عليها.
فاللغة هو وسيلة التعبير والتواصل والتفسير والفهم …ومن ثم عقد الاتفاقيات والعقود …وممارسة التعبير عن المشاعر في مختلف تجلياتها السلبية والايجابية…
ولا أود الدخول في تفصيلات تقود الى دراسة فلسفية مجردة تصرفنا عن الغاية. فهناك آلاف الصفحات التي تبحث في هذا ويمكن للراغب أن يقلبها ويطلع على ما فيها…
لكنني أود أن:
أولا: التأكيد على أهمية ودور اللغة في حياة المجتمع تفاهما وتواصلا وتفاعلا…الخ.
ثانيا: الحاجة إلى تطوير اللغة في دلالتها على المعاني،وإيصال هذه المعاني، وقابليتها للتحول الى تطبيقات في الواقع تنعكس إيجابا على العلاقات…
من التطوير أن نوضح التعبير بحيث يكون مفهوما لدى المتحاورين مباشرة أو عبر الكتابة أو أي شكل آخر من أشكال التعبير مادامت الغاية إيصال أفكار محددة ولغاية محددة. وهذا يختلف في الفنون طبعا. فالفنون تعتمد الإيحاءات واستثارة ا لتداعيات وتهييج المخيلة..ومن ثم تعزيز الذائقة بقيم جذابة تمتعها…
أما في الحياة العملية والممارسة السياسية والبحث في مفاهيم مشتركة للتأسيس لعلاقات معينة هدفها تسهيل الحياة والتعاملات والتوافقات ..الخ. فالأمر يحتاج الى لغة واضحة المعاني والمرامي ،سهلة التعبير وجاذبة أيضا، ذات أسس ومعايير محددة متفق عليها تسمى- قواعد على مستوى اللغة –الحروف والكلمات- ذاتها، وتسمى منطق على مستوى المعاني التي تتضمنها الكلمات في ميدان البحث عن حقائق معينة.
لا أود أن أسترسل هنا أيضا فذلك بحث متخصص..لكنني أود الإشارة إلى أن أهم ما يفترض في التعامل مع التعبير –اللغة خاصة- هو:
أ- تنمية التفكير-الذهن- ليحسن التعامل مع المفاهيم بكفاءة في الفهم والاستخدام
ب- معرفة قواعد ومعايير أساسية فيما يتعلق باللغة والمعاني، لئلا تتشتت الأفكار وتنحرف عن دلالاتها ومن ثم نقع في ما يسمى –اللغو-الكلام الفارغ-المغالطة..أوسوء الفهم… الخ
وكلها انحراف عن ا لمسار المفترض للتعبير.
ت- بذل جهد مهم لاكتساب مهارة في ما سبق كله، إضافة إلى ضبط النفس أثناء الحوار لئلا يسوء فهم المعطيات التعبيرية سواء من المرء ذاته او من الجهة المتقابلة معه. وهذا له بعد تربوي قد يتحقق جزء كبير منه في البيت ، ولكن الجزء الأهم يتطلب مجهودا شخصيا للمرء بعد النضج ليحسن التكيف مع الواقع بمتغيراته المختلفة.
ث- ولا بد من تذكر أمر مهم –هنا- هو أن ما نراه لأنفسنا حقا ومشروعا فهو قد يكون للغير حقا ومشروعا أيضا…نختصر المعنى في ضرورة وأهمية الاعتراف بالحق المتكافئ مع حقنا، للآخر- أيا كان، وبغض النظر عن موقفنا وقناعاتنا الخاصة، والتي قد تكون صحيحة، ولكنها لا تبدو كذلك في منظور المختلف معنا.وقد لا تكون صحيحة أيضا-“كل ابن آدم خطاء” لذا كان التنبيه على ما سبق في أ وب وت…
من المشكلات في سوء الفهم أن البعض لا يكلف نفسه معرفة الضوابط المفترضة، واللازمة للفهم والحوار…وينطلق بلا أدوات مؤهلة للحوار متأثرا بظروف معينة غالبا ما تكون نفسية، أو تربوية… شعورا بالضعف يدفع نحو سلوك يوقعه في الضعف والخطأ أكثر، ولكنه يستجيب لنزوع نفسي غالب وهائج.
لذا من المقترحات، فكرة الهدوء والسيطرة على النفس دون الوقوع في رد الفعل.وهذا نهج مفيد لامتصاص انفعال الآخر ونزوعه الهائج….وقد يكون هذا النهج متوافقا مع قيم أخلاقية أوصى بها المجتمع والأديان ومنها مثلا قوله تعالى: “ادفع بالتي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”.