دلور ميقري
حكاية أنتيكيّة:
حكاية أنتيكيّة:
في الآستانة، تخت السلطنة الهمايونيّة، تسلّمَ السلطانُ يوماً رسالة من نظير له، لدود، في الطرف الآخر من البحر الروميّ. الرسالة، كانت عاديّة لناحية المُجاملات والتمنيات. ولكن، ما لم يكُ مألوفاً فيها، هوَ عَقدُها من طرفها الأعلى بحاشية تتضمّنُ طلبات شخصيّة، غير رسميّة.
” انظروا كيف تمّ عقد الورقتين، بوساطة دبّوس دقيق “، خاطبَ السلطانُ من كانوا حوله من الحاشيَة. وبما أنه أبدى إعجابه بالطريقة المُبتكرة، فما لبث أن طلبَ من رئيس ديوان القصر تعميمَها على المراسلات العليّة. هذا الأخير، أجابَ مُتلعثماً باستحالة تنفيذ الأمر؛ مُذكراً بحقيقة انعدام هكذا صناعة في تخت السلطنة.
” انظروا كيف تمّ عقد الورقتين، بوساطة دبّوس دقيق “، خاطبَ السلطانُ من كانوا حوله من الحاشيَة. وبما أنه أبدى إعجابه بالطريقة المُبتكرة، فما لبث أن طلبَ من رئيس ديوان القصر تعميمَها على المراسلات العليّة. هذا الأخير، أجابَ مُتلعثماً باستحالة تنفيذ الأمر؛ مُذكراً بحقيقة انعدام هكذا صناعة في تخت السلطنة.
” إذا لم تكن متوفرة هنا، فلا بدّ أنها موجودة في مكان ما من ولاياتنا، الكثيرة “، قال خاقان البرّيْن والبحرَيْن في ضيق. ثمّ أردفَ بالنبرَة نفسها ” لأننا سنصبحُ مثار سخرية أولئك الفرنجة، الكفار، ما لو طلبنا منهم تزويدنا بهذه الدبابيس “.
في الشام، لم يكُ واليها بأقلّ ضيقا، حينما تسلّم أمراً من السلطان يتضمّن طلباً مُستغرباً: ” عليكم بإرسال خمسمائة ديّوس إلينا وعلى جناح العجلة “.
يبدو أنّ تلك الرسالة السلطانية، الموجّهة إلى والي الشام، قد تأثرَ ورقها برطوبة البحر، خلال فترة شحنها من اسطمبول إلى أحد الموانيء السوريّة وصولاً إلى دمشق. على ذلك، فإنّ حرف الباء في كلمة ” دبّوس “، المطلوبة، تميّع حبره إلى حرف الياء؛ لتتحوّل بالتالي إلى كلمة ” ديّوس “، المشبوهة.
وعلى أيّ حال، فإنّ تنفيذ أمر السلطان كان أمراً مفروغاً منه، بالنسبة لواليه الشاميّ. وإذن، جمَعَ المأمورُ حاشيته، لكي يُطلعهم على محتوى الرسالة العليّة، العجيبة، طالباً منهم الرأي والمشورة. بعد أخذ و ردّ، تناهضَ أحدهم لكي يدلي بدلوه: ” سعادتلو الوالي.. بما أنّ جلالة سلطاننا، المُعظم، يأمرُ بتوجيه هذه الكمية الكبيرة من سَفلة القوم؛ فأنا أرى بأنها مناسبة سانحة لكي نتخلّص من أكثرهم شراً في بلادنا “. وعلى الأثر، تمّ اختيار خمسمائة شخص من عتاة المنحطين خلقيا، من مختلف مناطق الولاية الشاميّة، ثمّ سيقوا بطريق البحر إلى تخت السلطنة وهم مغلولون بالقيود الحديدية.
” أفندم عظمتلو.. لقد وصلَ لجلالتكم مبعوث من لدُن واليكم، الشاميّ “، هتفَ رئيس ديوان القصر بلهجة خضوع. ثوان أخرى، و بوغت السلطان وحاشيته بدخول رجل بهيئةٍ رزينة، مُعتبَرَة، وهوَ يتقدّمُ رهطاً من الأسرى، كالحي الوجوه، يجرجرون سلاسلهم وقيودهم. وقبلَ استفاقة الباديشاه من بحران ذهوله، كان المبعوث ينحني قدّامه إلى الأرض قائلاً بخشوع وتأثر: ” تفضلوا، يا مولانا، واستلموا البضاعة التي أمرتمونا بإحضارها إليكم دونما تأخير “.
ووفقا للحكاية، دائماً، أمرَ السلطان بإعادة أولئك الأشخاص، المنحوسين، بعدما أدركَ اللبسَ الذي سبّبه تبدّل حرف الباء إلى الياء، في كلمة ” دبّوس “، المَعنية. ولكنّ والي الشام، هذه المرّة، لم يُعِدْ هؤلاء المنحوسين إلى مواطنهم، التي جلبوا منها كرهاً: ” عليكم بنفي هؤلاء السفلة، الديّوسين، إلى القاهرة. ينبغي الكتابة لواليها في شأنهم، حتى يقوم بالحَجْر عليهم “، خاطبَ الباشا كاتبَهُ بسخط وغيظ.
تأويلُ الحكاية:
على المنقلب الآخر، من هذه الحكاية، ثمّة من يَجْزمَ بأن أولئك الأشخاص، المناكيد، لم يغادروا اسطمبول قط؛ بل أمرَ الباديشاه أن يتمّ حجز أمكنة لهم في أحد النزل، لحين تقرير مصيرهم في وقت تال، مناسب.
أياً كان الصّحيح من المَعلول، في خاتمة هذه الحكاية، إلا أنها تحيلنا ربما إلى أصول التدوين خلال الآونة تلك، المَعلومة: فالسلطان التركيّ، كما رأينا، يُبدي ثقته بوالي الشام، التابع، حينما يُكلفه بتأمين بضاعة غير متوفرة في تخت سلطنته. بيْدَ أنّ الوالي، يَفهمُ خطأ رسالة السلطان؛ مما يَنتجُ عنه ذاك المَوقف، الطريف وغير المَحمود في آن.
من ناحية أخرى، نستطيع التأكيد بأنّ مدوّن الحكاية، قامَ بمفاضلة بين مَسلكيْ السلطان والوالي، بغيَة الإشادة بحكمة الأول وتعنت الثاني. إنّ وَضع حثالة من الوضعاء، السفلة، في نزل للضيافة ( أو ” أوتيل “، بلغتنا المُعاصرة )، لهوَ تصرّفٌ كريمٌ وحكيم. فيما يُعتبر خلافُ ذلك، ولا غرو، أمرَ نفي أولئك الحثالة إلى القاهرة بغيَة الحَجر عليهم.
في الشام، لم يكُ واليها بأقلّ ضيقا، حينما تسلّم أمراً من السلطان يتضمّن طلباً مُستغرباً: ” عليكم بإرسال خمسمائة ديّوس إلينا وعلى جناح العجلة “.
يبدو أنّ تلك الرسالة السلطانية، الموجّهة إلى والي الشام، قد تأثرَ ورقها برطوبة البحر، خلال فترة شحنها من اسطمبول إلى أحد الموانيء السوريّة وصولاً إلى دمشق. على ذلك، فإنّ حرف الباء في كلمة ” دبّوس “، المطلوبة، تميّع حبره إلى حرف الياء؛ لتتحوّل بالتالي إلى كلمة ” ديّوس “، المشبوهة.
وعلى أيّ حال، فإنّ تنفيذ أمر السلطان كان أمراً مفروغاً منه، بالنسبة لواليه الشاميّ. وإذن، جمَعَ المأمورُ حاشيته، لكي يُطلعهم على محتوى الرسالة العليّة، العجيبة، طالباً منهم الرأي والمشورة. بعد أخذ و ردّ، تناهضَ أحدهم لكي يدلي بدلوه: ” سعادتلو الوالي.. بما أنّ جلالة سلطاننا، المُعظم، يأمرُ بتوجيه هذه الكمية الكبيرة من سَفلة القوم؛ فأنا أرى بأنها مناسبة سانحة لكي نتخلّص من أكثرهم شراً في بلادنا “. وعلى الأثر، تمّ اختيار خمسمائة شخص من عتاة المنحطين خلقيا، من مختلف مناطق الولاية الشاميّة، ثمّ سيقوا بطريق البحر إلى تخت السلطنة وهم مغلولون بالقيود الحديدية.
” أفندم عظمتلو.. لقد وصلَ لجلالتكم مبعوث من لدُن واليكم، الشاميّ “، هتفَ رئيس ديوان القصر بلهجة خضوع. ثوان أخرى، و بوغت السلطان وحاشيته بدخول رجل بهيئةٍ رزينة، مُعتبَرَة، وهوَ يتقدّمُ رهطاً من الأسرى، كالحي الوجوه، يجرجرون سلاسلهم وقيودهم. وقبلَ استفاقة الباديشاه من بحران ذهوله، كان المبعوث ينحني قدّامه إلى الأرض قائلاً بخشوع وتأثر: ” تفضلوا، يا مولانا، واستلموا البضاعة التي أمرتمونا بإحضارها إليكم دونما تأخير “.
ووفقا للحكاية، دائماً، أمرَ السلطان بإعادة أولئك الأشخاص، المنحوسين، بعدما أدركَ اللبسَ الذي سبّبه تبدّل حرف الباء إلى الياء، في كلمة ” دبّوس “، المَعنية. ولكنّ والي الشام، هذه المرّة، لم يُعِدْ هؤلاء المنحوسين إلى مواطنهم، التي جلبوا منها كرهاً: ” عليكم بنفي هؤلاء السفلة، الديّوسين، إلى القاهرة. ينبغي الكتابة لواليها في شأنهم، حتى يقوم بالحَجْر عليهم “، خاطبَ الباشا كاتبَهُ بسخط وغيظ.
تأويلُ الحكاية:
على المنقلب الآخر، من هذه الحكاية، ثمّة من يَجْزمَ بأن أولئك الأشخاص، المناكيد، لم يغادروا اسطمبول قط؛ بل أمرَ الباديشاه أن يتمّ حجز أمكنة لهم في أحد النزل، لحين تقرير مصيرهم في وقت تال، مناسب.
أياً كان الصّحيح من المَعلول، في خاتمة هذه الحكاية، إلا أنها تحيلنا ربما إلى أصول التدوين خلال الآونة تلك، المَعلومة: فالسلطان التركيّ، كما رأينا، يُبدي ثقته بوالي الشام، التابع، حينما يُكلفه بتأمين بضاعة غير متوفرة في تخت سلطنته. بيْدَ أنّ الوالي، يَفهمُ خطأ رسالة السلطان؛ مما يَنتجُ عنه ذاك المَوقف، الطريف وغير المَحمود في آن.
من ناحية أخرى، نستطيع التأكيد بأنّ مدوّن الحكاية، قامَ بمفاضلة بين مَسلكيْ السلطان والوالي، بغيَة الإشادة بحكمة الأول وتعنت الثاني. إنّ وَضع حثالة من الوضعاء، السفلة، في نزل للضيافة ( أو ” أوتيل “، بلغتنا المُعاصرة )، لهوَ تصرّفٌ كريمٌ وحكيم. فيما يُعتبر خلافُ ذلك، ولا غرو، أمرَ نفي أولئك الحثالة إلى القاهرة بغيَة الحَجر عليهم.
وقد يَنبُر قائلٌ، من القراء الأكارم، ليقولَ أنّ الأمرَ ليسَ بذي أهميّة، طالما أنه يخصّ مجموعة من الأشخاص على تلك الشاكلة المَشبوهة، الوَضيعة. غيرَ أننا هنا، نجادلُ في موضوع التدوين، من الناحية الموضوعية، وكيفية تأويله لهذه الحكاية، سواءً بسواء أكانت واقعيّة أم مُختلقة.