(هي وهو وقاموس العيد) قصّتان من نسج الواقع

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

خطر بباله أن يستعيرَ من كل ّ قاموسٍ مفردة, يجمعها في سلّة المشاعر, يقدّمها إليها على شكلِ سنبلةٍ  نهار العيد الجديد.
نبشت في صميم ذاكرتها عن جملةٍ ما تزالُ تدغدغُ عنق الرّحمِ, أمسكتْ بها, نفثتْ فيها من وحي عشقها وهي تتمتمُ بعض الأحرف الشّاردة, ثمّ سكبتها في مَزْنِ تأمّله.
السّنبلة اكتملتْ فصارت قاموساً ينطقُ بكلّ الّلغات والّلهجات.
المَزْنُ انهمرتْ, في عينيّ الأرض, فباتَ الخصبُ مؤنس كلّ الفصول.

أشرقَ عيدٌ جديدٌ, ودّعَ سلفه بألفةٍ وعناق, والعيد الذي تلاه فعلَ بسلفه ما فعله سابقه وما تزال الأعيادُ تتدفقُ من نماءِ  السّنبلةِ التي تنتعشُ في سخائه, وتتلألأ الأعياد في انسيابِ المزنِ التي تنبثقُ في موردِ وحيها.
هي وهو وفلذة الكبد

حملَ إليها ابنها المعمّد في ماءِ الحرّيّةِ القانئ, هرولتْ إليه, انتشلته من صدره, ضمّته إلى صدرها.
بكتْ, صرختْ, لملمت عليها الجيران والأهل والمعارف, شاركوها النّحيبَ والبكاء.
أومأ إليها أن تهدأ قليلاً, لم تستجب, انشغلتْ ببكائها, انشغل الآخرون بها.
في فوضى نحيبها ورثائها لمحته متقوقعاً على ذاته في زاويةٍ ساكنة, تبتكرُ عيناه أنواعاً من البكاءِ لم تبتكرهما عينا سواه. سارعت إليه, خُيّلَ إليها وهو يقولُ لها:
-لا أشكّ في غليان أحشائك, في ثوران أنفاسكِ, فأنتِ أمّ, ولكن مَنْ قال إنّني (الأبُ) لا أشارككِ هيجان الغليان؟!

قبّلته من جبينه وفي عينيه, امتزجتْ دموعُ عينيهما لتشكّلا نبعاً ترتوي منه عشراتُ الأرحامِ, فتنبت بناتٍ وأبناء يهبون الحياة المعنى والمغنى, وينفثون في روح الوجودِ السّيرورة والبقاء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…