جهاد أسعد محمد
لم يمر غزاةٌ أسفل هذي القمم التي تحمل عروش الآلهة أبداً.. لم يخدع أيّاً منهم حزيران وهو يطهو اللحى البيضاء للجبال العتيقة، فقد كان في مقدمة جيوشهم دائماً حكماء وعرّافون وعارفون بأسرار الأرض.. يصرخون: حذار.. حذار!
لم يمر على دروب الرعاة الأبدية التي تزنّر خصور الهضاب الصخرية فاتحون يشهرون السيوف، أو قادة يبحثون عن الثروة والمجد والانتصارات السريعة.. فللجنون خرائط سرية تتقي الانتحار!.
لم يمر على دروب الرعاة الأبدية التي تزنّر خصور الهضاب الصخرية فاتحون يشهرون السيوف، أو قادة يبحثون عن الثروة والمجد والانتصارات السريعة.. فللجنون خرائط سرية تتقي الانتحار!.
لم تُقتطع السفوحُ الحنّائية الناضحة بالثمار والينابيع العذبة للنبلاء والكهنة والمرابين وتجار العبيد أبداً، فالمانح يهب ما يملك، وليس ما يشتهي!.
حتى القديسون والمبشّرون والدعاة القدامى وصلوا إلى هذه البراري لاجئين، هاربين بدمائهم من بطش الأباطرة والسلاطين والولاة.. واعتنق الناس حكاياتهم لكي لا يصابوا بالحزن والوحشة!.
في جبال القلمون العظيمة، الأرض التاريخية الأولى لـ”بعل” و”عشتار”، لم يحدث أبداً إلا ما تشاؤه الأرض، وتشاؤه السماء..
الأرض، ما تشاء “عرعورا” و”طلعة موسى” و”قرنة الزيتون”، و”حلائم قارة” و”قبب حوش عرب” و”جرد رنكوس” و”كهوف يبرود” و”شعاب عكوبر” و”فج حلبون” و”تلة الخضر” و”منعرجات الثنايا”… يدخل الغريب إليها عابراً للسبيل، فيصبح حفنة منها، أو تسقيه قليلاً من الماء فيلقي عليها السلام ويمضي في طريقه مصحوباً بالحنين..
والسماء، ما يشاء كانون “فحل الشتاء”: يبسط الأرض بياضاً طرياً لتعبر فرس الخضر.. وما يشاء أيار: يملأ البيادر لتعمر قرى النمل.. وما يشاء آب: يُنضج العنب والتين لتشبع الطيور والثعالب وممالك النحل، وما يشاء تشرين: يعد الدبس والنبيذ والتين اليابس لضيوف وسمّار شهور البرد
هنا، حيث للمدنية شكل آرامي، لا شيء يقسّي القلوب المعتقة للبشر الطيبين، أو يروّض نفوسهم البرية الجامحة.. ولا دين إلا ما آمن به الجدود العتيقون.. مرّ القديسون الأوائل من هنا قبل ألفي عام، فصارت عشتار مريم، وبعل مار الياس.. ثم مر الدعاة، فصارت مريم “أم رياح”، ومار الياس الخضر الحي، ولكن إذا ما أجدبت شهور المطر يعود الناس إلى دين الأرض وصوت القبور القديمة والتلال المشرفة على عروش الغيم والرعود:
“أم الغيث غيثينا.. وشتّي على راعينا”..
على هذه الدروب المنذورة للشمس والثلج.. حيث يحفر”اللزاب” في الأرض أكثر مما يرتقي إلى السماء، لا يكف الخضر عن جولاته اليومية، وما إن يسمع نداء مستغيث: “يا خضر الأخضر يا حي”، حتى يهب لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف
على هذه الأرض التي يمتزج الآن دم أبنائها بثلج كانون، وحيث تفسد الجنازير خطوط الحقول التي رسمتها المحاريث، وحيث يعكّر صوت الرصاص أغاني الرعود، وحيث تحتل الأسطوانات الثخينة رؤوس الشعاب التي يخرج منها الأولياء والصالحون ليلاً لتفقد المرضى وإرشاد الضائعين في الضباب والعتمة، وحيث تجول الغيلان المستطيلة لتبتلع الهاتفين للحرية… على هذه الأرض التي لم يهزمها أحد، ولم يخذلها إله.. ستنتصر القلوب الدافئة على الرصاص البارد، وستنتصر العيون على الظلمة الطارئة، وستنتصر الأغاني والمواويل على الشعارات العابرة، وسينتصر الحجل البري على الغربان المعدنية، وسينتصر التراب البصير على الصلب الأعمى.. ها هي خيول بعل ومار الياس والخضر تعبر كالريح مع الريح، بينما يستحيل الغضار وحولاً تغرق الحاقدين..
“عسال الورد، حوش عرب، رنكوس…. نحنا معاك للموت”..
الأرض، ما تشاء “عرعورا” و”طلعة موسى” و”قرنة الزيتون”، و”حلائم قارة” و”قبب حوش عرب” و”جرد رنكوس” و”كهوف يبرود” و”شعاب عكوبر” و”فج حلبون” و”تلة الخضر” و”منعرجات الثنايا”… يدخل الغريب إليها عابراً للسبيل، فيصبح حفنة منها، أو تسقيه قليلاً من الماء فيلقي عليها السلام ويمضي في طريقه مصحوباً بالحنين..
والسماء، ما يشاء كانون “فحل الشتاء”: يبسط الأرض بياضاً طرياً لتعبر فرس الخضر.. وما يشاء أيار: يملأ البيادر لتعمر قرى النمل.. وما يشاء آب: يُنضج العنب والتين لتشبع الطيور والثعالب وممالك النحل، وما يشاء تشرين: يعد الدبس والنبيذ والتين اليابس لضيوف وسمّار شهور البرد
هنا، حيث للمدنية شكل آرامي، لا شيء يقسّي القلوب المعتقة للبشر الطيبين، أو يروّض نفوسهم البرية الجامحة.. ولا دين إلا ما آمن به الجدود العتيقون.. مرّ القديسون الأوائل من هنا قبل ألفي عام، فصارت عشتار مريم، وبعل مار الياس.. ثم مر الدعاة، فصارت مريم “أم رياح”، ومار الياس الخضر الحي، ولكن إذا ما أجدبت شهور المطر يعود الناس إلى دين الأرض وصوت القبور القديمة والتلال المشرفة على عروش الغيم والرعود:
“أم الغيث غيثينا.. وشتّي على راعينا”..
على هذه الدروب المنذورة للشمس والثلج.. حيث يحفر”اللزاب” في الأرض أكثر مما يرتقي إلى السماء، لا يكف الخضر عن جولاته اليومية، وما إن يسمع نداء مستغيث: “يا خضر الأخضر يا حي”، حتى يهب لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف
على هذه الأرض التي يمتزج الآن دم أبنائها بثلج كانون، وحيث تفسد الجنازير خطوط الحقول التي رسمتها المحاريث، وحيث يعكّر صوت الرصاص أغاني الرعود، وحيث تحتل الأسطوانات الثخينة رؤوس الشعاب التي يخرج منها الأولياء والصالحون ليلاً لتفقد المرضى وإرشاد الضائعين في الضباب والعتمة، وحيث تجول الغيلان المستطيلة لتبتلع الهاتفين للحرية… على هذه الأرض التي لم يهزمها أحد، ولم يخذلها إله.. ستنتصر القلوب الدافئة على الرصاص البارد، وستنتصر العيون على الظلمة الطارئة، وستنتصر الأغاني والمواويل على الشعارات العابرة، وسينتصر الحجل البري على الغربان المعدنية، وسينتصر التراب البصير على الصلب الأعمى.. ها هي خيول بعل ومار الياس والخضر تعبر كالريح مع الريح، بينما يستحيل الغضار وحولاً تغرق الحاقدين..
“عسال الورد، حوش عرب، رنكوس…. نحنا معاك للموت”..
عاشت الحرية..