و بالانتقال إلى محور البحث و تناول واقع المرأة الكوردية يمكن القول بأن هذه المرأة و عبر قرون طويلة من تاريخها لم تستطع بأن تتمتع بحرية و استقلال وطنها فقد ترعرعت في ظل الاحتلال بين ركام الحروب الطاحنة التي كانت تجتاح كوردستان و التي حصد من خلالها أرواح مئات الآلاف من أبناءها و التي آ لت إلى نتائج كارثية و مدمرة لبنية المجتمع الكوردي وطناً و مجتمعاً, فقد استهدف المحتلون من خلال هذه الحروب و بمساعي محمومة و شرسة للنيل من خصوصية الشعب الكوردي و إرثه التاريخي و عاداته و تقاليده و إرثه الروحي بغية أصهاره و محو هويته الوطنية و القومية و ذلك عبر مشاريع عنصرية معروفة لا حاجة لتكرارها؛ فقد سببت مجموعة هذه الكوارث و الأحداث الدامية التي جرت على الساحة الكوردستانية جملة من المعاناة المأزومة و المزمنة و عقداً نفسية في بنيان المجتمع الكوردي بتركيبته الاجتماعية العامة و ألحق ضرراً بالغاً بحقوق المرأة كجزء من كيان هذا المجتمع و بدورها الاجتماعي بالإضافة إلى جملة العادات و التقاليد السيئة التي كرس و زرع في نسيج و بنيان هذا المجتمع و عبر استراتيجية مدروسة آلت إلى تكبيل المرأة الكوردية وسلب حريتها و الحد من فعاليتها الإنسانية و بعثرت طاقتها و تغيبها وعزلها عن الوتائر العالية للتطور الاجتماعي التي جرت و تجري في الراهن المعاصر, حيث حققت المرأة في العديد من المجتمعات حريتها و إرادتها المستقلة على مختلف الصعد السياسية منها و الاقتصادية و الفكرية بالإضافة إلى فعالياتها في الحقول الاجتماعية المتنوعة الأخرى.
ومن يلقي نظرة تحليلية إلى الحالة الراهنة للمرأة الكوردية و معاناتها و همومها سيلاحظ المحلل بأن هذه المرأة تعاني من عبودية مزدوجة عبودية المجتمع و عاداته و تقاليده و التي تتمثل في حاكمية الرجل المطلقة على كيانها و حقوقها المختلفة و من عبودية المسيطر المستبد و التي تتجلى في المعاناة الاقتصادية والسياسية والثقافية بالإضافة إلى حقوقها الحياتية الأخرى ليؤدي كل ذلك بالمرأة الكوردية إلى العيش في واقع الاغتراب وإلحاق الضرر في كيانها الاجتماعي كإنسانة و كأنها خلقت لتبقى أسيرة ضمن جدران المطبخ و حاضنة تحضن الأطفال و وعاء جنسي للرجل.
إن الواقع المتردي الذي آل بالمرأة الكوردية سببه الذهنية المأزومة المتبلدة التي كرسها المحتل المستبد عبر قرون في نسيج المجتمع الكوردي و بنيانه ليخلق بذلك اضطرابا و تخلفاً عاماً في سلوك و وعي إنسان هذا المجتمع و نسيجه الاجتماعي لتشويه صورته حضارياً و القضاء على مقومات المجابه لديه و أصهاره في بوتقته و تبعاً لفرانز بيكون: (فإن المحتل يقوم يومياً بإدخال العنف إلى عقول و بيوت المحتلين و هو يدخل في وعيهم بأنهم ليسوا بشراً و إنما أشياء.. ), يمكن القول بأن التخلف السائد في المجتمع الكوردي سببه الأول و الأخير هو المستبد الذي يهدف إلى خلق شخصية مهزومة و مستسلمة, مكبوتة, عاجزة عن مواجهة الواقع و عاجزة عن إيجاد الحلول المنطقية لأوضاعه و إلى خلق قناعات لديه بانسداد أفق التحرر في وجهه لتؤول مجموعة هذه الممارسات إلى خلق أوضاع نفسية و إحباطات مكبوتة لدى الفرد داخل المجتمع التي تؤدي إلى ممارسات غير متكافئة و مؤلمة بين الرجل و المرآة و كمثال للتوضيح فإن الرجل يقوم باضطهاد المرأة في أحيان كثيرة تعويضاً عن حالة القهر الذي يمارس عليه المحتل ليخلق بذلك نوعاً من التوازن لحالته النفسية أي ان الإنسان المكبل بقيود المحتل يتحول هو ذاته إلى عقبة للخروج من هوة التخلف بل و يتحول في بعض مراحل تاريخه إلى أهم العقبات أمام التغير و التحرر من قيوده ذاته بسبب تعرضه لأقصى حالات الأستيلاب لإنسانيته و بسبب حالة الاغتراب المفروض عليه من المحتل فعقدة الدونية التي تصيب المرأة في هذا الواقع تجعلها تدافع بحزم عن عادات تقيدها هي ذاتها, حيث ان جملة العيوب و التناقضات تكرس في بنية المجتمع المحتل يتحول مع مرور الزمن إلى جزء لا يتجزأ من نسيجه الإحتماعي و قيمه و قناعاته و إن أي نقد أو بحث في هذا المجال هو بالنسبة له اختراق للمحظور من المقدس و المحرم أي إن الإنسان المكبل تحت نير الاحتلال هو ذاته يساهم في تكريس ما فرض عليه من قيود و يعززه و كمثال للتوضيح فأن المرأة كانت تحترم و تبجل و تتمتع بكامل حقوقها في الحقبة الزردشتية, أما الآن و بسبب من العادات الوافدة و الدخيلة إلى بنية المجتمع الكوردي فقدت المرآة معظم هذه الحقوق و فرض عليها الاضطهاد و لكن ! مع كل هذا فأننا لا نستطيع ان نعمم ظاهرة اضطهاد المرأة و الموقف العام منها بسوية واحدة في الأوساط الاجتماعية المختلفة لأن القضايا الاجتماعية واشكالياتها تبقى نسبية و متباينة ولا تتماثل من وسط اجتماعي إلى آخر و من شريحة اجتماعية إلى أخرى بسبب التباين في المستويات الاقتصادية و الثقافية داخل كل شريحة من هذه الشرائح و لكن مع ذلك يمكن القول بأن الموقف العام من المرأة داخل المجتمع المتخلف متشابه من حيث الجوهر مع بعض الفروقات و التمايز بين مجتمع الريف و المدينة هذا من ناحية و بالانتقال إلى تناول العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع الكوردي, سيلاحظ المتتبع بأن السمة العامة المميزة لهذه العلاقات هو طغيان وسيادة العلاقات العشائرية أو الشبه العشائرية في بنية هذا المجتمع و يعود سبب التخلف الحضاري هذا إلى الظروف التي ذكرناها أنفاً و لإلقاء الضوء على بعض زوايا هذه العلاقات و الموقف العام من المرأة لا بد من تناول المرأة في الأوساط الاجتماعية المختلفة وقد اخترنا لذلك ثلاثة أوساط اجتماعية هي المرأة في الوسط العشائري و المرأة في الوسط الكادح و المرأة في الطبقة المتوسطة والمرأة في الوسط الديني:
1. المرأة في الوسط العشائري:
على الرغم من التغيير الحاصل في المظهر العام للحياة الاجتماعية إلا إن الإرث العشائري الموروث بعلاته ما زال يفعل فعله في السلوك العام للفرد و تصرفاته داخل المجتمع الكوردي فالمرأة في هذا الوسط وفي العديد من مناطق كردستان تشكل جانباً أساسياً من جوا نب الاضطهاد الشبه الشامل و تحتل المرأة في هذا الوسط قعر السلم الاجتماعي و يمكن القول بأنها تعبر عن أفصح الأمثلة على وضعية القهر و الاستلاب ونفي إرادة, فهي تحيى حياة استرقاق و عبودية تقضي معظم حياتها كخادمة تعمل ضمن جدران المنزل و تربية الحيوانات, فهي شبه محرومة من كافة حقوقها الإنسانية و لا ترث أو تشارك الرجل في اتخاذ أي قرار داخل المنزل أو خارجها فهي لا تملك سوى الإذعان لإرادة الرجل و تنفيذ أوامره و إنجاب الأطفال لزيادة نسله خاصة الذكور منهم, أما بالنسبة لزواج المرأة فكانت تستغل لتقوية الروابط العشائرية و العائلية في بعض المراحل وكانت تباع كسلعة من خلال المهر… بالإضافة إلى شيوع عادة حيارة البنت و لو بنسب بسيطة داخل المجتمع الكوردي لإرغام البنت على الزواج بشكل تعسفي و تبعاً للدكتور طيب تيزيني: ( فإن الفتاة في هذا الوسط تُزوج و لا تتزوج.. ) , كما إن الفتاة في هذا الوسط تتعرض لجريمة القتل بدافع الشرف و تبعاً د. نوال السعداوي: ( فأن شرف المرأة و شرف عائلتها في الوسط العشائري ترتبط بعفاف المرأة و بكارتها.. ) وان أي اختراق في هذه الناحية يؤدي إلى قتلها و هذه الجناية ما زالت شائعة في أوساط و شرائح كوردية واسعة و الملفت للنظر ان هذه الإشكالية كانت تحل في الماضي بين طرفي الخلاف سلمياً أما الآن فهي في معظمه تؤدي إلى قتل المرأة و اعتقد بأن هذه الجناية تتم في أحيان كثيرة تحت ضغط عادات المجتمع ذاته بسبب إسقاط العار على عائلة المرأة بكاملها ونعتها بألقاب شتى و تحت هذا الضغط يلجئون إلى ما يسمى بغسل العار الذي ينتهي بقتل الفتاة, إن مثل هذه الأحداث مجتمعة سببها هو عنصر القهر الحياتي الذي يقع الإنسان المتخلف المقهور في شركه و يصبح ضحية لها كالقهر الذي يسببه المستبد و قهر العادات و التقاليد العشائرية البالية, الجامدة التي تشل قدرة العقل على التفكير و تمنع الموقف النقدي السليم من ظواهر المجتمع و أنظمته المختلفة مم يؤدي إلى التوتر داخل الذات و يخلق فيه جواً عاماً من العنف يمارس على من حوله و على أوجه الحياة المختلفة, هذا ما يجري بصفة عامة داخل الوسط العشائري.
2. المرأة في الوسط الكادح:
أن واقع المرأة في هذا الوسط لا يختلف كثيراً عن الوسط العشائري, هي الأخرى تعيش واقع البؤس و الحرمان و العبودية و شظف العيش و تعاني من قلق اقتصادي و اجتماعي و نفسي فهي مستعبدة وخارجة عن نطاق الحرية والثقافة ويمكن القول بأنها الأكثر اضطهادا في المجتمع فهي تتعرض لأقصى حالات الاستلاب والتبخيس, خاصة في الريف والأحياء الفقيرة حول المدن بسبب تبعيتها الاقتصادية والحقوقية للرجل, فهي مجبرة بأن تعمل خارج المنزل تحت ضغط الحاجة وخاصة في مواسم الحصاد وجني القطن وهذه الأعمال إجمالاً أعمال شاقة ومجهدة لطاقة المرآة وبنيانها الجسمي وبسبب الإجهاد المتواصل وسوء التغذية يظهر الترهل والشيخوخة على ملامحها في وقت مبكر والفتاة في هذا الوسط تدفع إلى العمل في سن مبكرة لمشاركة الأسرة في تامين لقمة العيش مما يؤدي إلى حرمانها من حقوقها التعليمية وإلى الأضرار بنموها الطبيعي؛ ويمكن القول بأن المرأة في هذا الوسط تقضي معظم حياتها في العمل الشاق وتربية الأطفال وخادمة تخدم الرجل وبسبب ظروف الاستبداد والفقر تعيش حالة تجريد كاملة من آدميتها وحقوقها الإنسانية.
3. المرأة في الطبقة المتوسطة:
إن واقع المرأة في هذه الطبقة ووضعها العام أكثر استقرار من الناحية الاقتصادية والنفسية على العكس من الفئتين السابقتين فهي تمتلك مقدار من الحرية والعلم تؤهلها لتشارك الرجل في بعض الفعاليات الاجتماعية ضمن المنزل وخارجه والرجل هنا يبدي تعاوناً للمرأة في هذا المجال فهو يعتبرها امتداد لذاته وإن حريتها وقوة شخصيتها تعبر عن ارتقائه وتعزز من مركزه في الوسط الاجتماعي فهو بذلك يعترف ضمناً بحقوقها وبضرورة الاهتمام بها وإعطائها قسطاً من الحرية ويؤمن بالتغيير والتحرر ولكنه لا يقوى للإنعتاق من أرثه التاريخي وتقاليده بشكل نهائي, فالمرأة والرجل يريدان الانطلاق ضمناً واختراق السائد من العادات لكنهما لا يملكان الجرأة الكافية من اجل ذلك كما عن الرجل لا يستطيع التخلي بسهولة عن أمتيازاته المفروضة على المرأة والمرأة هي الأخرى لا تقوى على التصرف بحريتها كالرجل خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إشكاليات قد تسيء على علاقاتها مع محيطها الاجتماعي والأضرار بمستقبلها فهي بذلك تفضل التبعية للرجل وترى في ذلك نوعاً من الأمان والشعور بالحماية فهي تكتفي فقط بالظهور بمظهر الإنسانة الحرة, كما إن علاقات هذه الطبقة وتصرفاتها تختلف في الريف عن المدينة حيث إن المرأة في هذه الطبقة في الريف تتميز بأنها تتباهى بالحلي التي تطوق جيدها ومعصمها وهي دائمة التحدث عن أساس بيتها ومشاريع زوجها والإفراط في وصف سجاياه وهي في حالة تبعية تامة للرجل أما الرجل فهو يبحث عن الوجاهة والشهرة فالشهرة هنا تختلف عن المجتمع المتطور الذي يتم من خلال إنجاز علمي أو أدبي أو سياسي أو فني أو معرفي خلافاً للشهرة في المجتمع المتخلف أما بالنسبة للطبقة ذات الامتياز فهي لا توجد إلا في إقليم كردستان ومن المؤسف بأننا لا نمتلك أي فكرة عن واقع المرأة في هذا الوسط
4. المرأة في الوسط الديني:
من المؤسف أن نقول بأن هناك من يضطهد المرآة بالدين من خلال جملة من المواقف تتناول عبرها حقوق المرأة, حيث تستند كل موقف من هذه المواقف على بعض الآيات و الأحاديث وكلاً حسب مفهومه وتصوره الخاص به فهم بذلك يعتمدون الانتقائية في تناول هذه القضية لوجود نوع من التناقضات بين هذه الآيات والأحاديث أي اختصاراً لا توجد علاقة جدلية لدى هذه الأطراف لربط الماضي بالحاضر والوصول إلى موقف عام تتلاءم مع قضية المرأة و حقوقها في الراهن, فهناك هدر زمني بين الماضي والحاضر يعطي الأولوية من خلاله للماضي و تتحول علاقة الحاضر به إلى علاقة تبعية و خضوع؛ فهم يحاولون صياغة الحاضر وفقاً لصورة الماضي بالرغم من التطور الاجتماعي الحاصل و متطلباته, فالحاضر قد تغير و تطور و من المستحيل إعادة تشكيله على صورة الماضي ووفق وعظية إنشائية لا يمت إلى الواقع بشيء و لا يمكن شطب الحاضر وإحلال الماضي بدلاً منه بطريقة آلية و إهدار دور العقل و الخلط بينه و بين العاطفة والتقليد, فالعالم يتغير و يتطور وفقاً لقوانين خاصة به و يبرهن على حقيقته تلك من خلال التقدم العلمي العاصف في مختلف المجالات و لا يمكن لأحد تزييف أو إعاقة ما يحدث أو التحكم به و كبح عجلة التطور ووقفه عبر أفكار لم تعد تتلاءم مع طبيعة العصر و متطلباته هذا من جهة, و من جهة أخرى وإذا ما تناولنا الآيات والأحاديث التي يراد البعض من خلالها اضطهاد المرأة, يمكننا الإشارة إلى أهمها يقول الله تعالى: //الرجال قوامون على النساء // و في قوله تعالى أيضاً: // و للرجال عليهن درجة // وأن كيدهن لعظيم // وللذكر حظ الإنثيين // و لبعض الأحاديث التي تنسب إلى الرسول // ص // مثل: // لا بارك الله في قوم ولت أمرهم امرأة //, // أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء و أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء // : // ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء // يبطل صلاة المسلم إذا مرّ أمامه كلب أو حمار أو أمرأة // بالإضافة إلى أحاديث أخرى في هذا المجال و مع ذلك قد تكون لهذه الآيات و الأحاديث شأنها و مدلولاتها في زمانها و مكانها وكانت تعتمد لموقف محدد بذاته في تلك الحقبة, فنحن نعلم بأنه كان في الإسلام أسماء هامة وبارزة قمن بأدوار مهمة في المجتمع الإسلامي كالسيدة عائشة و خديجة زوجات النبي و غيرهن, إذ كانت للسيدة عائشة شأن مميز لدى الرسول وكان يقول لمن حوله // خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء // و هي معروفة بقيادتها لمعركة الجمل المشهورة, بالإضافة إلى وجود جملة واسعة من الآيات التي تؤكد على المساواة بين الرجل و المرأة كقوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) و كقوله تعالى:( من يعمل من الصالحات من ذكر و أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا ) وكقوله تعالى: (نسائكم لباسٌ لكم و أنتم لباسٌ لهن ), الآيات هنا واضحة و لا تستثني حقوق المرأة من الرجل و لا تحتاج أي تحليل أو تفسير أما بالنسبة للإسلام المتتبع في المجتمع الكوردي أعتقد بأنه إسلام سياسي موجه, يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية باتت معروفة من بينها تكريس حالة التخلف لسنا بصددها في هذا البحث …. فقد أسهمت مجموعة العوامل الروحية المذكورة إلى خلخلة البنية الأساسية للمجتمع الكوردي وأحدثت تبادلات عميقة الجذور في واقعه الموضوعي و مخزونه الفكري الذي تكوّن لديه عبر مراحل طويلة من تاريخه و إلى الإضرار بسير تطوره الطبيعي و بنيانه الاجتماعي و بخصوصية المرأة الكوردية و حقوقها المختلفة.
أما إذا ألقينا نظرة إلى الواقع التاريخي لواقع المرآة الكردية , سنلاحظ بأنها كانت تحظى بخصوصية متميزة و بمكانة بارزة ومرموقة داخل وسطها الاجتماعي و تتكافأ مع الرجل في الحقوق العامة وخاصة إبان الحقبة الزردشتية فقد كانت تساهم مع الرجل بمعظم الفعاليات الاجتماعية و الاقتصادية وفي العمل الزراعي و نشاطاته المختلفة فالعمل كان يعتبر ركناً أساسياً من أركان الديانة الزردشتية لأن النبي زردشت كان يرى بأن معظم الحروب والغزوات التي كانت تحدث في تلك الحقبة كان سببها هو العامل الإقتصادي التي تكمن في آفة الفقر و العمل وحده يؤمن الرفاه للشعوب و إلى القضاء على هذه الآفة وبالتالي منع نشوب تلك الحروب … و بناء على رؤية زردشت تلك يمكن القول بأن الديانة الزردشتية كانت أكثر ملائمة للشعب الكوردي و أكثر انسجاما مع عاداته و تقاليده و كان أكثر تطوراً من الديانات الموجودة في تلك الحقبة فالطائفة الزردشتية في الهند و إيران في وقتنا الراهن وحسب بعض الباحثين هي أكثر تطوراً ورقياً في وسطها الاجتماعي وهذا دليل يؤكد مزايا هذه الديانة و انسجامها مع التطور الاجتماعي ومن المؤسف بأن معظم المخطوطات الكوردية في تلك الحقبة قد أحرقت بعد دخول العرب المسلمين إلى كوردستان لأسباب سياسية و دينية كان الهدف منه هو القضاء على الإرث التاريخي والحضاري لشعوب تلك المنطقة و لقطع كل صلة بذلك التاريخ و لم يبقى من تلك المخطوطات سوى بعض الأجزاء من الأفستا … جملة القول هنا هو أن العادات و التقاليد الوافدة التي أدخلت إلى بنية المجتمع الكوردي ألحق ضرراً عاماً في مسار تطوره الاجتماعي و تحرره و تحرر المرأة ذاتها …. و بالانتقال إلى تناول بعض معاناة المرأة الكوردية في الراهن , سيلاحظ المتتبع بأن من بين هذه المعانات هي ظاهرة العنوسة , هذه الظاهرة التي تؤدي إلى حرمان الفتاة من أهم حقوقها الإنسانية و هي حق الزواج حيث تحولت هذه الظاهرة إلى مشكلة حقيقية و عامة بدأت تعصف بالفتاة الكوردية و تهدد مستقبلها و حقها في الأمومة أما بالنسبة لأسباب هذه الظاهرة وخلفياتها فهي تعود لعوامل متعددة و متنوعة والى الظروف التي طرأت على الحياة الاجتماعية و زيادة تعقيداتها و متطلباتها ومن أهم هذه العوامل : العامل الاقتصادي و ارتفاع المهر و هجرة الشباب للعمل في الدول الأجنبية و تأخر الزواج لدى الشباب و الاقتران بعد ذلك بفتيات أصغر منهم سناً بالإضافة إلى العادات و التقاليد التي تمنحان حق الزواج للذكر متى أراد ذلك بينما لا تملك الفتاة ذلك الحق أي هناك انعدام التكافىء في حقوق الجنسين بهذا المنحى .
و قد طرحنا في هذا الصدد سؤالين على مجموعة من المدرسات و المعلمات حول الحقوق الممنوحة للفتاة الكوردية في الزواج و كيف يقيمن الحرية التي تمارسها, فكانت مجموعة الأجوبة متشابهة و تنحصر بأن الفتاة تعاني من غبن و ظلم في هذا المجال فالزواج يتاح للشباب متى أرادوا ذلك و لا يشكل المظهر أو العمر لهم أية إشكالية أما بالنسبة لهن فما عليهن سوى الانتظار و كلما تقدم بهن العمر يزداد قلقهن من العنوسة, أما إذا بحثنا عن الزواج و لو ضمن الأطر المسموح به فإن ذلك سيسيء إلى سمعتهن و مستقبلهن و قد يطال الإساءة إلى أهلهن و لذلك ما على الفتاة إلا ان تعيش حياة رهبنة تامة إلى أن يظهر من يطلب يدها للزواج أما بالنسبة لحرية الفتاة, كانت الأجوبة بأن الفتاة حرة فقط في أن تعمل في المواسم الزراعية أوضمن جدران المطبخ و ما عليها بعد ذلك سوى الانتظار لفارس أحلامها الذي قد يظهر أو لا يظهر ابدآ .
وللتأكد من مشكلة العنوسة فقد أجرينا إحصائية بهذا الشأن في قرية مؤلفة من مئة و عشرون عائلة فتبين ان عدد الفتيات بين سن الثامنة عشرة و الخامسة و الثلاثين هو مئة وخمسة وثلاثون فتاة و أحصينا عدد الفتيات اللاتي تزوجن في تلك السنة كانت عددهن عشرة فتيات فقط, أما عدد اللواتي سيدخلن سن الزواج بعد سنة من ذلك التاريخ كانت اثنتا عشرة فتاة وهذا يعني بأنه في أحسن الأحوال سيبقى في كل عائلة عانسة, إذا ما استمر هذا الوضع دون إيجاد حلول لهذه المشكلة …..