قصيدة النثر في انتظار مهرجانها: آن الأوان للإعلان عن بنوة هذا الكائن الإبداعي الأصيل

إبراهيم اليوسف

إذا كان عمرقصيدة النثر، وفق تسجيلات النفوس الثقافية الرسمية، قد أصبح الآن حوالي ستة عقود ونيِّف، بعيداً عن ارتباط نسبها، بسلالاتها القديمة، في أحقابها المختلفة، المنقرضة منها، والحاضر، حيث اتضحت  ملامح هوية هذه القصيدة، وباتت تقدم على أنهاالشعرنفسه، بأبهى شعريته، لا النثربرائحة الشعر، وقد استقطبت هذه القصيدة آلاف الشعراء الذين باتوا يسهمون-كل من جهته-لمواصلة ملامح هذه القصيدة التي كادت تصبح قصيدة العصر، لولا أن قصيدة التفعيلة، باتت تحاورها، كي تحقق إنجازاتها على أيدي بعض فرسانها،

وهوماشكل تحدياً لقصيدة العمود التي استطاع عدد من شعرائها شحنها بروح اللحظة، كي تسعى لإثبات وجودها، وسط حالة من التنافس من قبل أبناء شرعيين، وآخرين لاشرعيين، لا تفتأ ترفضهم، ثم تتبنى أحدهم على مضض، وهذا ماجعل الشاعر، أياً كان الشكل الفني لقصيدته، مسكوناً بهاجس تجاوزالذات والآخر، ليثبت حضورقصيدته، ما يعد أولاً وأخيراً، في خدمة الشعر، ورسالته العظمى، لأنه يشكل دافعاً لتطويرالشاعرلأدواته.

وبعيداً عن التعصب لنوع شعري، دون آخر، وانطلاقاً من مقولة محمود درويش، أنه يوجد “شعرأولاشعر”، أياً كان الشكل الذي يقدم من خلاله، إلا أن قصيدة النثرصارت أمراً واقعاً، لامناص منه البتة، لاسيما عندما نقف عند إنجازات هذه القصيدة، في كل بلد على حدة، إذ صارذا علامات فارقة، وأخرى مشتركة، في الحدود الدنيا، تبعاً لتنوع عواصم كتابتها، بل لقد صارلهذه القصيدة نقادها، ودائرة قرائها الواسعة جداً، أضف إلى ذلك، وإن أية أمسية شعرية لا تحتضن رائحة هذه القصيدة، فإنها لتعدّ ناقصة، لاسيما بعد أن تجاوزت مرحلة الاعتراف بها، وصارت في موقع آخرتماماً، هو أن الاعتراف بها، ليس هو المشكلة الفاقعة، بل إن عدم الاعتراف بحضورها وأهميتها بات أمراً غيرمستساغ، أوغيرمقبول، وهذا ما دفعها لأن تصل إلى ميادين جدَّ مهمة، بل إنها صارت عنواناً ثقافياً، لايمكن إنكاره، أو تغييبه.

وقد استطاع شعراء هذه القصيدة البارزون، أن يجدوا لها عالمها الخاص، ومنزلتها الخاصة، بعد أن صارت كائناً له رونقه، وألقه، وكاريزماه، ومدى تأثيره، وإن كان هذا الكائن، يكاد ألا يشبه نفسه، فهو دائم التجدد، إلى تلك الدرجة التي لا تشبه القصيدة الواحدة لدى شاعرقصيدة النثر الأصيل قصيدة غيره، بل إنها لا تشبه أية قصيدة أخرى للشاعر نفسه، إذ تمَّ هدم الاستنساخ الشعري الذي يعد صفة للناظم التقليدي، خامل الموهبة.

وللإنصاف، فإنه إذا كنا نجد في حقل قصيدة التفعيلة أو العمود، من يكرِّرنفسه، أوسواه، فإن خاملي الموهبة، أو مفتقديها، وما أكثرهم!-أيضاً-في حقل قصيدة النثرنفسها، إذ أنهم لا يفتؤون يكررون نصوص سواهم، إلى الدرجة التي قد لا نجد فيها أيَّ جديد، على النص سوى اسم الشاعر، كما أحب أن أقول دائماً. وهذا ما يعيدنا إلى  المقولة الدرويشية نفسها بأننا دوماً أمام حالة شعرأولاشعر..!.

  ومادام أن قصيدة النثر قد أصبحت واقعاً، لا مناص منه، بل غدت جزءاً من التراث الإبداعي، فإنه قد آن الأوان، لأن يتم رفع كل حواجز الحدود التي توضع في طريقه، مادام أنه نفسه قداخترق كل حدود، من دون أي جواز سفر رسمي، وقد يكون من أول حقوقها، أن يكون لها مهرجانها،على امتداد خريطتها، التي هي طبق الأصل لخريطة الأدب والفن، في كل مكان، كي تتجَّد دورتها الدموية، حولاً بعد حول، بل لابد من أن تكون لها جوائزها، ومتابرالنشرالخاصة بها، لأن كل هذا الشريط الزماني، من عمرها، وإبداعها، يشفع لها إعلان بنوتها من قبل مؤسسة الشعر، وأن أي إقصاء أو تهميش لها، ليعد إعداماً، لمساحة خضراء، من إبداعنا الأصيل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…