احتفاء بملا أحمد بالو

صبري رسول

الكرد لا يحتفون بأعلامهم وأدبائهم وفنانيهم إلا بعد رحيلهم من الحياة، فكلّهم مشغولون عن كلّهم، ولا أحد يخصّص وقته وجهده لغيره، وعظماء الكرد لا يصبحون عظماء إلا بعد موتهم.

أسئلة كثيرة تبقى معلقة وموجهة إلى مجهولٍ غامضٍ، عندما تُطرَح الأسئلة بالصيغة الآتية: يجبُ الاحتفاء والاهتمام بهم (الأدباء والشعراء وغيرهم) في حياتهم، لتشعر أرواح هؤلاء بالنشوة، وليس في غيابهم بعد الممات. لكن هذا الـ((يجب)) يقع على عاتق مَنْ؟ ومَن المعني به في القيام بالأمر؟ أسئلة تولّد القلق لدى الجميع، ولا أعتقد أن هناك فئة أو جماعة معينة يخصُّها السؤال.
أنْ تُتلى على مسامعك سيرةُ شخصية كبيرة ولم تقرأُ عنه أو له شيئاً أمرٌ محزنٌ ومؤلم ومقلق، فالذي يسخّر حياته في سبيل فنٍّ، أو شعرٍ، أو لغة(ثقافة قومه) ويعيش على هامش الحياة في مسيرته من الطفولة حتى الكهولة وتبقى آثاره وكتاباته طي المجهول يستحقّ من قومه أن ينفضَ عنه غبار النسيان والتجاهل، وأن ينتشلَ هذا ((القومُ الغائب)) آثارَه من الضياع لترى نور النّشر والاهتمام.
أزال صوتُ أحمد حيدر المتحدّث باسم رابطة الكتاب والصحفيين (بداية الأمسية الأدبية المقامة في مدينة قامشلي) الشّبيه بصوتِ مذيعٍ ملّ من تكرار الأخبار التّعبَ من عيوننا، وحوّلَ الانتظار إلى حسنَ الاستماع، والوقت ليس وقتَ أدبٍ وشعر في تلك الظهيرة.
تبيّن من خلال المداخلات أنّ ما قام به الشاعر كاسي وعبد السلام جهدٌ جديرٌ بالشكر، فالكثير من الأعمال الكبيرة تنطلق من جهد فردي لاقي التّردد والخوف من الفشل، ثم تعلو إلى آفاقٍ بنفسجية. والنجيب لأبيه ريزان أثبت وفاءه لأبيه وللغة قومه من خلال إصدار العمل (قواعد اللغة الكردية – Rêzmanê kurdî)٭.
المداخلات: أقنع دحام عبد الفتاج اللغوي الضليع بالكردية الحضور من المثقفين بقدرته على التحليل النقدي اللغوي، وأظهر الهفوات التي رافقت العمل.
جاءت إشارة ذكية من نارين عمر إلى الخطأ في ((عنوان الكتاب)) وأكملتها ميديا بفطنتها بأنّ الأخطاء الواردة في ثنايا الكتاب يمكن الإشارة إليها في حواشي الكتاب ليتجنّب القارئ غير الحصيف من الوقع فيها.
محمد ملا رشيد و(سيدا) أبرزا اهتمامهما باللغة الكردية نحواً وصرفاً، وشدّا المستمعين إلى هدوء إلقائهما.
لكن معظم الحضور لم يكونوا على اطلاع بمحتويات الكتاب، لذلك لاذوا بالصّمت، ويعود السبب إلى الضعف  الإداري لدى الذين قاموا بهذا النّشاط، فكيف لكاتب أو مثقف أن يشارك بأي مداخلة في النشاط ولم يحصل على الكتاب، فالأمر كلّه (الدعوة، والترتيبات) تمّ خلال يوم واحد. المهم أن يُسجَّل للقائمين على الأمسية بأنّهم أقاموها احتفاءً بكبيرٍ مجهول.

(٭)الطبعة الأولى 2011. ترجمة الحروف العربية: الشاعر كاسي. مراجعة لغوية : عبد السلام داري. تصميم الغلاف : كاميران كدو.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الخَيَالُ التاريخيُّ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ تَجْري أحداثُه في بيئةٍ مَا تَقَعُ في المَاضِي ضِمْن ظُروفِها الاجتماعية ، وخَصائصِها الحقيقية ، مَعَ الحِرْصِ عَلى بِناء عَالَمٍ تاريخيٍّ يُمْكِن تَصديقُه ، والاهتمامِ بالسِّيَاقاتِ الثقافية ، وكَيفيةِ تَفَاعُلِ الشَّخصياتِ مَعَ عَناصرِ الزَّمَانِ والمكان ، ومُرَاعَاةِ العاداتِ والتقاليدِ والبُنى الاجتماعية والمَلابس وطبيعة…

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…