أخذ الكثير على الأدب الواقعي الاشتراكي، على أنه ” أدب النهايات السعيدة”، حيث دأب الأديب الواقعي الاشتراكي، على فتح نافذة الأمل، على مصراعيها ، مهما كان الواقع غارقاً في المأساة والألم، ووجد بعضهم في مثل هذا الإقحام من قبل الكاتب تزويراً للواقع، لاسيما حين تكون هناك حروب مشتعلة الوطيس، ويروح ضحاياها البشر، أطفالاً، ونساء، وشيوخاً، ورجالا على حد سواء.
وأمام انكسارات الإنسان، وأحزانه، وإحباطاته، في محطات ما، من دورة التاريخ، يبدو الأمر للوهلة الأولى، وكأن لامناص مما يتم من حوله، لاسيما عندما يبلغ الشر ذروته، وهو يجهز على كل ماهو جميل،
وعبر مقاربة من طبيعة -القاتل- الذي تطور حالياً، تبعاً لتطور درجة الحياة، حيث بات هو الآخر يطور فلسفة القتل لديه، لتكون أكثر وحشية عما كانت عليه من قبل،إذ أنه وهو يلوح بمظاهر قوته، كتحدِّ لمنظومة القيم والأخلاق، لايفتأ يعلن عن أنه الضحية من جهة، وأنه حامي الوطن والإنسان، وما اضطراره إلى نحر الآخر، إلا لأنَّه المفوض بأن يكون رسول مواجهة الشرِّ، حيث يلجأ إلى ممارسة التزوير، عامداً إلى تزيين صورتها، وزخرفتها، مستفيداً من الفضاء الإعلامي الهائل، واعتماداً على بعض البهلوانات والمهرجين الذين يؤجرون مواقفهم، حسب الطلب، ووفق متطلبات المصلحة والمنفعة الذاتيتين.
ولعلَّ من متطلبات الشخصية الأكثر كارثية ومرضاً في الأدب، أنها تتصرَّف على نحو غير سوي، ولا تجد مايكفل لها استمراريتها إلا عبر إلغاء الآخر، وهدر روحه وحياته، كما تجلى في السيماء النيرونية، وهو يحرق روما، عن بكرة عمرانها، وأناسيها، ليواصل العزف على آلته الموسيقية، متلذذاً بالأثر الذي تركته أصابعه، من حوله، غير مكترث بكل ما ارتكبه، إرضاء لهستيرياه المتناسخة في أرواح تلامذته، في كل زمان، ومكان، حيث بين كل هذه الشخصيات، ماضياً وحاضراً -وليس مستقبلاً لأن اللحظة المقبلة لن تقبل باستمرارية هذا النمط الشاذ الآيل للأفول- بينها، جميعها، الملامح والصفات المتشابهة، بيد أن هذه الشخصية تتطور، تبعاً للحظة، لتخرج بالشكل المتجدد، ممارسة كل ما يتهيأ لها من موات ودمار.
إزاء تطور مثل هذه الشخصية، فإن الأدب الذي يتناولها، في لحظة تحوله، مطالب بأن يخرج من القماقم التقليدية التي رسمت الشخصية المفطومة على الدم، في تجددها، مادامت بيئات نموها متوافرة، وأن ضريبتها إنما تكون في نهاية المطاف: إنساناً، وحضارة، مادام كل هذه الجريمة لاتتم في مختبر افتراضي، بل في فضاء واقعي، ما يجعل الكائن البشري هو الضحية والخاسر.
وأخيراً، لابد من التأكيد، أنه أمام بشاعة وهول مايجري، في مناطق كثيرة، يتمسرح فيها القتل، فإن الأدب الجديد مطالب بأمر على درجة بالغة من الأهمية، وهو التحرك في إطارين، أحدهما أن يكون صدى اللحظة، ضمن مواصفاتها المتبدلة، كما أنه لابد من إعادة الاعتبار للثقة بقوة الإنسان، في حماية ذاته، مما يكدر عليه صفو إنسانيته، مادام أنه يمتلك في المقابل قوة متجددة، عملاقة، تستطيع قهر كل معوقات تطوره وحضارته وبقائه، وديمومته.