الفيسبوك .. حيث يجب أن يكون

غسان جان كير

أكاد أُجزم لو عَلِمَ القائمين على إدارة صفحة (الفيسبوك) ما سيحدث في سوريا , من تفنن في القتل وتمثيل بالجثث , لأضافوا إلى جانب (أعجبني) كلمة تُناقضها في المعنى هي (أزعجني)

ليست لنا مآخذ على إداريي الفيسبوك سوى عدم تداركهم لهذا الخطأ , وقد طال بهم التقاعس لأكثر من سنة يطول فيها اليوم , وتتشظّى فيه الثواني إلى دهور تحت وطئ المشاهد المُفجعة بحق مَن يُريدون إعادة التوازن إلى خلل أصاب الحياة في سوريا لعقودٍ , كانت كالجمر يتّقد تحت رمادٍ يوهم المفسدين بالبقاء , بل شجّعهم على فتح الفضاء لصفحة الفيسبوك في سوريا مُتمترسين وراء وهمٍ روّجته وسائلهم الدعائية , يرتكز على أن السوري قد جُبِّلَ على عقيدة مُقاومة المُخططات الاستعمارية , وأن رياح التغيير سوف تُصدّ بذبذبات هزيلة لأبواق لا تعزف سوى زعيق المؤامرة .
السوري ابتكاري بطبعه , يتكيف مع الواقع حيناً و يُكيّفه أحيانا , وقد نجح في تلقّف ما رمته الحكومة به , بهدف إشغاله عن واقعه المُزري , ودفعه لأن يعيش واقعا افتراضي , يتبادل مع أصدقاءه صور ممثلي و مطربي (الهشك بشك) أو قصائد حب ركيكة أو نكات سمجة …
تلقّف السوري (الفيسبوك) ليس كمنّة تجود بها الحكومة تستوجب منه أن يرزح تحت شكرها المواطن قياما وقعودا , لكنه حوّلها بحق إلى وسيلة اتصال جماهيري يُدوّن فيها يوميات ثورته ومُعاناته المعيشية , بل يمكن القول انه نجح – إلى حدٍ ما – في اختزال معظم وسائل الاتصال في (الفيسبوك) فهو الصحيفة بمعظم أنواعها الصحفية , وهو الراديو والتلفزيون خاليين من الحشو والمعلومة العابرة التي كان يستحيل الإمساك بها وتحليلها بنقدٍ موضوعيّ , وهو الى جانب الخصائص الايجابية التي استمدّها من وسائل الاتصال الجماهيري , فقد أضفى عليها (بحلّته الفيسبوكية) ميزة التفاعلية الآنية , وهي ميزة كان يصعب على تلك الوسائل تحقيقها بيسر وسهولة .
أن ظهور مُصطلح (المواطن الصحفي) الذي واكب الثورة السورية , بآلامها وآمالها , من خلال الفيسبوك وبعيدا عن (حراس البوابة) المُتحكّمون فيما يجب أن يُنشر أو يُسدل عليه الستار , قد فتّق الإبداع لدى هذا المواطن , مع التزامه بمبادئ أخلاقية في حرية التعبير , هي الأقرب إلى مبادئ (المسؤولية الاجتماعية) في حرية التعبير , في مواجهة نظرية قميئة تمتد إلى عصور الانحطاط مازالت تنظر بفوقية إلى المواطن وتعتبره من (العامة) الغير قادرين على استيعاب أو اتخاذ القرارات دون أن توجههم الصفوة التي لا تتجرأ الخروج من قوقعتها إلا ملوّحة بنظرية المؤامرة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…