إبراهيم محمود
حول المجموعة القصصية” يتحدثن عني” للكاتب محمد خير عمر مع ظهور المجموعة القصصية” يتحدثن عنّي” والصادرة عن دار بعل، دمشق/ 2012، يضاف اسم جديد إلى قائمة كتّاب القصة السورية عموماً، وتلك المميَّزة بنكهتها المحلية حيث مناخ الكردية طاغ ٍعليها، أعني به: محمد خير عمر! محمد خير عمر، كاتب واعد من خلال متضمناته الفنية في قصص مجموعته الأولى، وهي ثلاث عشرة قصة وفي 110صفحات من القطع الوسط ، تتفاوت في الطول، حيث إن” درب بزدو الوردي”و “ابتسامات وقبل” أطولها، وفي القصر، حيث إن ” استفزاز “، أقصرها، ولوحة الغلاف للفنان الكردي بهرم حاجو، وهي في واقعيتها التعبيرية، دقيقة في اختيارها، وذلك لحظة الانتهاء من قراءة كامل المجموعة القصصية، في إيحائها وثقل المناخ الاجتماعي السائد في اللوحة.
كما قلت، تكون المجموعة القصصية من ألفها إلى يائها ذات مرجعيات كردية بنيةً، وتلك هي الحسنة الأولى للكاتب في اغترافه الإلهامي مما هو معاش في بيئته، وتحديداً في قرية: ضاحية” هليليكي: هلالية” غرب قامشلو، حيث يقيم هو. الأحداث والوقائع في سردياتها ذات الطابع الحكائي دون إخلال بفن إدارة القص، تشهد على هذا الانشغال بما هو كردي دون الإغراق في المحلية، إذ ثمة ما يمكن تخيله في جهات أخرى من قامشلو، إنما سيكون لذلك منحى مغاير في بنية القص وطريقة الحوار وأسماء الشخصيات، حيث إن غالبية الأسماء تفصح عن شعبية بيئتها ومنبتها الاجتماعي، أعني عن أناس عاديين وبسطاء، وفي بدايات أعمارهم غالباً، وما هو متداول كردياً من خلالها في تشكيل الاسماء وتصريفها كردياً: جانو-شهناز- كولّي- كاميران- مصطو- جابركي- جنكو- آدم- سلو- قنجو- خمكين- حمزة- لقمان…الخ. عبرها يكون الكاتب الواعد على بيّنة من الجانب الدلالي لأسماء شخصياته في سلوكها اليومي ومقاماتها الاجتماعية. في سياق القصص المجموعة القصصية هذه تخص فئات عمرية شبابية وأقل من ذلك، حيث إنها تنتمي إلى عالم سيرة الصبا أكثر في المجمل وضمناً يمارس الكاتب دوره بين أن يكون السارد لقصصه وأن يكون أحد أفرادها: أعضائها. المجموعة القصصية” يتحدثن عني” تستقي عنوانها من إحدى قصصها، وهي الثالثة في الترتيب، إنما بصيغة استفهامية تماماً (هل يتحدثن عني؟)، كما لو أن الكاتب أراد أن يحرّر المجموعة من هذه الصيغة، ليضفي على العنوان حراكاً جمالياً في اعتقاده أنه الأمثل، وما في ذلك من رغبة تفضيل وصِلتها حتى بالخاصية التذوقية له، إذ كان في وسع أي عنوان قصة أن يصلح عنواناً للمجموعة كاملة، ليكون الاختيار قابلاً للمساءلة وما في ذلك من تقابل الغياب الأنثوي وحضور السارد. كيف جاءت هذه القصص؟ غالبيتها عبَّرت عن نفسها بأسلوب الواقعية الشفافة، باستثناء قصة” الحسون”، وأقل رمزية” ليلة طويلة”. من جهة أخرى تنتمي القصص في المجمل أيضاً إلى عالم الكاتب وبيئته ومن خلال مشاهداته وتحرّياته، سوى أن قصة” درب بزدو الوردي” تكاد تفلت من هذا التحديد، كونها تنتمي إلى زمن سابق” 1967″، ومن خلال البيئة الخاصة بالقصة، بينما تكون قصة”ابتسامات وقبَل” أحدث قصة في انتمائها إلى مناخ الراهن عبر الأحداث التي تسمّيها، والمفارقة هي أن هاتين تردان في نهاية المجموعة: الأولى في القِدم، والثانية في حداثة وقائعها وهي الأخيرة في المجموعة، فهل جاء كل ذلك اعتباطاً أم عفوياً، أم بطريقة أخرى حضَّر لها الكاتب؟ هذه هي لائحة قصص المجموعة: الحسون: برمزيتها، شهادة عيان على وجود سجن كبير في محيطها. إن الحسون نفسه ممثل حرية رمزي، ولكنه لم يدرك حقيقة حريته هذه وكما علق بشرك الصيادين في النهاية” ص 10″. شهناز: عالم آخر، وربما لها نفَس قصصي واقعي كلاسي، إذ نتعرف إلى فتاة مجدَّة، تموت أمها، وتبقى هي المسئولة عن تربية أسرة هي أخواتها وإخوتها وبتفان ٍ، سوى أنها تتعذب وتعاني وتحلم بالأجمل وتبكي، لتضفي بهذه المسحة طابعاً آخر من المعنى على عموم القصة في النهاية عبر بكائها الصامت” ص 16″. هل يتحدثن عني؟: في الجوار الحدودي لنصيبين، مغامرات صبية مراهقين، وتوق إلى عالم أجمل، ومغامرة العاشق المدنف غير المقتدر” جابركي”، الذي يعترف بجرم لم يرتكبه لتتحدث عنه بنات حارته ” ص 22″. أول نيسان: كما هو معروف عن كذبة أول نيسان، ثمة فبركة لحكاية، لواقعة، والإيقاع بمن يتهيأ لفخ أو شرك صبية من جيله، حول توق من تماثله عمراً إلى لقائه وهو يحبها، وكل ذلك زعم وتلفيق، وصدمة النهاية” ص 32″. إجرة سرفيس: مفارقة من يغتني ويبتعد عن أنداده، ولكنه لا يتدخر جهداً في التوادد بغية التطفل عليه، وما في ذلك من غمز ولمز مما يحدث على صعيد التحولات الاجتماعية وخاصية المال لمن يتخذه غاية في حياته لا وسيلة. الشوق: عن عشق قنجو الصبي رغم شبوبيته، ولكنه صبي لضآلة حجمه، واشتياقه إلى رؤية من يحب، وهو يعمل مع بعثة أثرية، كما لو أن تقابلاً بين متحري الأثر، والباحث عن وجه من يحب. ليلة طويلة: وهي قصة مخبر مسيء إلى أهل منطقته، وتحمل من الدلالات الكثير الكثير، وثمة رغبة لدى السارد في الانتقام منه لوضع حد لإساءته، سوى أن حادث سير يضع نهاية وخيمة له، وتكون النهاية لافتة، لحظة سؤال السارد أباه فيما إذا كان موته تم وهو متوجه إلى الجهة المعنية أم خارج منها” ص 52″. بنطال ذو جيوب: حيث التشديد على البنطال ودلالته على الخيلاء ولفت الأنظار، لمن في عمر صاحبه، وهو مهمل واجباته البيتية، حيث النهاية المزعجة له، عندما يمزقه أحد أقرانه صادماً إياه فيما لم يتوقعه، وهو الأعرج. مساومة: عبر جَد يشدد على أفكاره وصوابها، وبالمقابل تتم محاولة إقناعه ببيع بيته الخرب، وهو يرفض ذلك، راسماً خططاً لا تخطر على باب الآخرين، وما فيها من صراع الأجيال وغواية الجد بما يحبكه من أفكار ودلالتها. استفزاز: إنها تعرُّفٌ إلى مأساة مجتمع قائمة والمناخ الكابوسي للمجتمع. الثلج: وهي نصف رمزية، في تداخل الواقعي بالرمزي، وتوق السجين لقمان إلى الحرية وخوفه من عدم تحقيق ذلك. درب بزدو الوردي: وهي تمثّل عالم الملقَّب من قبل المحيطين به ، أي الخائف، كما أسلفت، وارتباطه بعالم المغامرات والأحلام الوردية عبر متابعة أفلام سينمائية، والصدام مع الواقع ومعايشة مغامرات تنمّي شخصيته من الداخل. ابتسامات وقُبَل: من خلال سيرة مقتضبة لمغترب، يعود إلى بيته، أو منطقته بعد غياب، وكل شيء يكون مختلفاً من خلال اختلاف المعالم التي شاهدها سابقاً وقد زالت كلياً، وظهور ما هو صادم له في التذوق، كما في حال من التقاه واصطحابه إلى عرس قريب، وسماعه لصوت نشاز، والسؤال عنه، ليضطر إلى المجاملة وهو قرِف من كل ذلك” ص 108″. هذه القصص في مجموعها، لا يمكن التعريف بها بهذه السهولة، إن قراءتها تقرّب القارىء أكثر من سياقاتها الاجتماعية والنفسية، بقدر ما تكاشف عما هو رمزي أكثر، إذ وراء تشكيلها عالم من القهر والمكابدات ونشدان الحرية. تقابلات ثمة العديد من الصور التي أفلح الكاتب في سبكها، ومن ذلك: حيث كان الصمت يرين فوق أشجار الدغل المتشحة بالضباب.. ص 10. وما يفصح عن كراهية السارد للحدود الملغومة: حتى بدأ الدغل يقزّز كفروج أمهات كل من تجرأ على تنفيذ هذا القرار الجائر في تسوية الحدود. ص 20. زحف ظل الهضبة التي تسيّج الدغل من الغرب، وكحَّله معلناً الغروب..ص22. يصطاد من النهار المنساب في أعماقه قطوف الكلمات..ص 32. زجره جدار الغرفة..ص 50. في الأفق البعيد اضطجعت الشمس.ص 55. قهقه العصفور ملء منقاره. ص 82. الجليد…!؟ أليحد من أوار أفئدتنا وغلوائها!؟ .ص 101. الشارع الطويل بنبله..ص 102. حتى عاد النهر معافى يتواثب جذلاً، ويغني ويصدح مع النوافير.. ص104…الخ. وثمة ما يحتاج إلى ضبط وتنقيح: إلى أن ينتهوا من أكل تفاحتهم” ص16″: إلى أن ينتهوا من أكل تفاحهم. هُشّم ما تكللنا به” ص 22″: نزع ما تكللنا به. وابتعلهم أشجار الدغل” ص 22″: وابتلعتهم أشجار الدغل. تيممنا صوب البلدة” ص22″: يممنا صوب البلدة. ما كانت تختلج” ص 44″: ما كان يختلج. يسكنه عائلة” ص 44″: تسكنه عائلة. إضافة إلى كلمات أخرى تتطلب تصويباً، مثل: أتعيدينني”ص15″: أتعدينني- أوجها” ص 21″: أوجه- لا تنس” ص 25″: لا تنسى…الخ. ثمة محذور على الصعيد الاجتماعي لحظة الإشارة إلى ” أولاد عرنو، ص90″، جهة المساس بالسمعة، وهذا ما يجب التنبه له. ثمة ضرورة للتدقيق في عبارة لها تاريخها، حيث الإشارة إلى ” الجامع الكبير،ص102″، إذ الوصف يشير إلى جامع ” زين العابدين، بينما الجامع الكبير، فهو في الأصل يقع بجوار سوق الخضرة، أو سوق اللحم. من ناحية الإخراج، كان لا بد من الاعتناء بضبط الأسطر، إذ نجد أمثلة موزعة في الكتابة، تظهر تقطعاً في الأسطر، بينما السياق يتطلب استمراريتها. فيما يخص عناوين القصص: كان لا بد من ضبطها إذ إن كل عنوان احتل صفحة كاملة، ليتكرر في الصفحة التالية، وكان من المفترض الاكتفاء إما بالحالة الأولى أو الثانية، وثمة خلل فني حيث إن” إجرة السرفيس” جاءت بأل التعريف أولاً، ولاحقاً دونه، وفي سواها لا يحدث ذلك.. وقد يصطدم قارىء ما ببعض من العجمة في قراءة مشاهد قصصية في (يتحدثن عني)، إنها التجربة الأولى للكاتب، ولا بد أنه سيذلل هذه العقبة مع الممارسة في الكتابة لاحقاً! إنها ملاحظات بغية الأفضل، لا تقلل إطلاقاً من مستهل المقال وهو أننا في انتظار كاتب قصصي واعد، والأيام القادمة هي التي ستمثل المحك والرهان فيما تقدَّم، وإرادة الكتابة الإبداعية لدى: محمد خير عمر. تهانينا إذاً على (يتحدثن عني)!