كثيراً، ما حاولت أن أتجنَّب الإشارة إلى رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، في ما أكتب، على اعتبار أني واحدٌ ممن لهم شرف بناء هذه الهيئة الثقافية الكردية، بعد جملة محاولات سابقة، كان نواتها عدد من الكتاب والصحفيين الكرد، من داخل الوطن، وإن كان بعض هؤلاء المؤسسين، سيضطر-لاحقاً- لمغادرة مسقط رأسه، مكرهاً، بسبب موقفه من سياسات النظام الاستبدادي، وتعرضه للتضييق، والخطورة على حياته، ومن بينهم أنا. ولعل سرَّ هذا الإحجام، عن تناول تاريخ الرابطة، من قبلي هو أنني أريد لهذه التجربة المهمّة أن يُسلَّط عليها الضوء من قبل المنصفين، مادامت قد استطاعت أن تحافظ على نفسها، وسط ظروف، صعبة، وشكلت، ولاتزال، وشائج بين أعضائها، لتكون صوت هذا الكاتب الكردي، وضميره،
ولعلَّ وضوح رؤية الرابطة، منذ اللحظة الأولى، باعتبارها كانت خطوة شجاعة، من قبل مؤسسيها، جعلتها تشقُّ طريقها على هذا النحو، مصرَّة على أن تحافظ على جملة أسسها، و أخلاقياتها، ومبادئها، والسعي الدؤوب إلى عدم الارتماء في المهاترات التي قد تدور هنا وهناك، والتي ستكشف الثورة السورية، عن جوانب منها، بعيد سقوط آلة الخوف، لاسيما وأن الرابطة وضعت أمام عينيها هدفين رئيسيين: الإصرار على برنامجها الذي سرعان، ما صار في مستوى اللحظة، كما خطط لها من قبل، بالإضافة إلى اتِّخاذ الموقف المبدئي من النظام الدموي، واعتبار أن أية بعثرة للأقلام، إنما تلحق الضرر بقضيتها، وبالثورة، مركِّزة على أن الجهود لابدّ وأن تنصبَّ على هذين الهدفين، في آن واحد، معزّزين بمسألة أكثر أهمية، وهي الحرص على عدم تشتيت أصحاب القلم الوطني، الذين عرفوا بالدفاع عن إنسانهم، وقضيتهم، مبدئياً، وميدانياً، لا من خلال روح بطل طواحين الهواء، الذي قد ينطلق من أوهام، وتهيؤات، وهلوسات، ويبنى مواقفه على التزوير، والتوليف، والتدليس على من يفترض أنه رفيق الكلمة، لإشباع عقدة النقص فيه، وبأساليب بالية متخلفة، تذكر بالتضليل الذي تقوم به فضائية الدنيا، وبشكل رخيص، يدعو إلى الرثاء له..!
ولعل حجر الركيزة لدى بناة رابطة الكتاب أنهم سموا أنفسهم مجرد رابطة، على أن تنقسم، حينما يقوى عودها، إلى اتحادين، كما قال ذلك عدد من الزملاء، في مناسبات مختلفة، أحدهما اتحاد الكتاب، والآخر اتحاد الصحفيين، لأن أعدادنا آنذاك، والآن، بالنسبة إلينا داخل هذا الاتحاد، أو خارجه، لا تسمح لنا بأن نكون اتحادين للكتاب، أو اتحادين للصحفيين، لأن الاتحاد يعني أن يكون ممثلاً، في أقل تقدير لتسعين بالمئة، إن لم أقل لمئة بالمئة، من كتابنا وإعلاميينا، وإن أي وهم من قبل أحد، ببناء هذا الاتحاد، أو ذاك، منفرداً، إنما هو تجن على حق سواه، وهو ما لم نفعله، ولن نفعله، إلا بالتعاضد مع كل أخوتنا الكتاب، والصحافيين الذين نعتز بهم، والذين نلمس لهم جهوداً حقيقية، في الدفاع، عن إنسانهم، وثقافته، وعدم السقوط في فخاخ تخالف ذلك، جبناً، أو تواطؤاً، ولا نريد أن يكون أحد من كتابنا على هذا النحو.
إن وحدة الكتاب الكرد، في اتحاد واحد، وهكذا وحدة الصحفيين الكرد في اتحاد خاص ، هوما ما نركز عليه، جاهدين، ولا نفرِّط به البتة، ولن نختلف -في المقابل- مع من يحرص على هذه الوحدة، ولا يدوس جهود من شكلوا أول نواة من نوعها، في تاريخ شعبنا الكردي، في هذا الجزء الكردستاني، وهو ما تتفق عليه الهيئة المؤقتة للكتاب والصحفيين الكرد، هذه الهيئة التي هي مستعدة، أن تعلن استقالتها، فوراً، عن مهمتها، في أي مؤتمر، لكتابنا، وصحفيينا، كل في هيئته الخاصة، أو ضمن إطار هيئة واحدة، إلى أن يتم تفكيك هاتين الهيئتين، حسب مجالي الكتابة والإعلام، كما هو معروف لدى شعوب العالم كلها. ولقد وجهت نداء، منذ أيام، عبر إحدى القنوات الفضائية إلى كتابنا، ركزت فيه، على هذه المسألة، بروح الغيرة، والحب، وكترجمة لهاجس الحرص لدي، على وجود مؤسسة للكتاب، منذ وقت مبكر، حيث وضع الكثيرون العراقيل، في طريقنا، وهو موثق، في بعض المراجع، منها ما يكاد يصل عمره ربع القرن، ويمكن الاحتكام إليها، عند اللزوم. ولعلنا في رابطة الكتاب والصحفيين، حريصون، على عدم الانجرار إلى الإلتهاء، والانهماك في قضايا جانبية، يرى بعضهم أنها ذروة البطولة لديه، في الوقت الذي يسيل فيه دم أهلنا السوريين، في عدد من المدن السورية، وفي الوقت الذي تحرض فيه أجهزة الأمن شبيحتها، للاعتداء على أهلنا، في حي الشيخ مقصود في حلب، أو تحاصر أهلنا في بعض أحياء دمشق، وتحاول أن تدخل أقلامنا الكردية في مواجهة بعضها بعضاً، وهو ما لسنا مستعدين له، وإن كان في بال كل منا، أن يقول الكثير، وما أسهل الأمثلة الجارحة التي يتركها وراءه، وعلى البعد المنظور، من يعترف بنفسه، أنه قصر في أداء مهمته، تجاه أهله، وهو كلام يدخل باب الحصر، لا التعميم، ولعلَّ هذا الإحساس، يدفع هذا الأنموذج إلى خلق البلبة بين كتابنا، لصنع مجد بائس له، في وقت فاته فعل أي شيء يعتد به، في ميدان الموقف الصلب والمبدئي.
ولعلّ رابطة الكتاب والصحفيين الكرد، وهي تضع الاهتمام باللغة الكردية الأم، في رأس أولوياتها، فإنها لا تشطب على كاتب، يكتب بغير لغته الأم، وآخر يكتب بها، مادام الكاتبان يخدمان جوهر قضية واحدة-ضمن مدى زماني محدد في أقل تقدير- وإن الكتابة باللغة الأم، لا تشكل عامل شفاعة لمن لا يصون حرمتها، من خلال مواقفه ، عبر شريط حياته، لاسيما أن الوطنية، ليست وهماً، أو زعماً، أو إدعاءاً، أو جلباباً، أو رتبة مكتسبة، غير مدفوعة الثمن، لدى هذا الشخص أو ذاك، لأن الوطنية، وفي مفهومها هنا، فقط، كل لا ينفصل، عن بعضه بعضاً، فالكتابة، والإبداع، بالنسبة للكاتب-أياً كان- لا ينفصلان، بدورهما، عن مواقفه المعلنة، وترجمته لحبه لإنسانه، ولقضيته، في وجه المظالم التي يتعرضان لها، دون الخوف من الضريبة المترتبة على ذلك، أجل، فهي ليست مجرد محاولة تعلم لغة ما، أو التباهي بمعجمها، دون أن يكون للمرء، طوال تاريخه-حتى اللحظة- ما يشفع له، نضالياً، بالإضافة إلى مهمة مواجهة من يحاول امحائها، وتذويبها.
وهنا، فإنني لأحتكم إلى الشهود الذين خولناهم أمرالرابطة قائلين: إن كان بعضهم يغير من أنه ليس من مؤسسيها، فإن باب التأسيس لمفتوح حتى الآن لمن يدخل فيها، وهو ليس بقرار فردي مني، أو من أحد منا، بل هو قرار الهيئة كاملة، وإن كان هناك من في داخله رغبة جامحة في إدارتها، فإننا سنبصم له ب” العشرة” كي يديرها، إن أتيح له ذلك، أو ليفعل ذلك في هذه المرحلة الانتقالية، وهو ما قلناه، لرسل الوئام، حتى من لمسنا لديه خصيصةً، ذاتية، في ذلك، وإن كنا سنتفاجأ بعدم تورّع بعضهم، حتى عن نسبة خطاب، ذي مواصفات خاصة، إلى من لا يجيد الكتابة، أملاً في كسبه الرِّهان، و”صراع أخيه الكاتب”..؟، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الوحدة التي لن نفرِّط بها، وسنظل حريصين عليها، من جهتنا، مهما دفعنا من ثمن غال لها..!.