كردستان تاكسي

موسى زاخوراني

توجهت في سيارة تاكسي من أربيل إلى زاخو علني أشم من هناك –كونها الأقرب –عطر قامشلو الزكي والأفيني وأسئل
ومن هناك النجوم والنسيم وأمواج الرياح والأصوات عن داري وسماري وخلاني بل وأقداري وقبل كل هذا وذاك أكبادي وعناوين قبلاتي وعذاباتي الى جانب طوابير الجنازات وهديرالحناجر والسواعد والهتافات عند الظهيرة والمساءات  و…….وفي الطريق تعرفنا نحن الركاب على بعضنا البعض وكانت الصدفة التي هي خير من ألف ميعاد حيث كان كل راكب ينتمي لجزٍء من أجزاء كوردستان فالذي بجانبي من كورد سوريا والجالس في المقدمة من كورد تركيا والسائق كوردي عراقي مما أضفى على الرحلة طعماً خاصاً ورومانسياً بإمتياز
 ورويداً رويداً تحررنا من الحذر االذي إستملكونا إياه الأخرون وتداولنا أطراف الأحاديث وأعماقها وباصوات خافتة بعض الشيء محافظة منا على الهدوء….تاركين الأعنة لأفكارنا حيث رفرفت أفكاري وهاجرت إلى التاريخ والجغرافيا واللغة والشخصيات والرموز المتنوعة والأمنيات والتأوهات والتكهنات بما هو آت وكذلك الحروب والثورات والسجن والترحيل والقتل والتنكيل ولاحظت الأمر ذاته في ملامح ووجوه وعيون من كانوا معي حيث كانت عيونهم تسافر وتنتقل من مكانٍ لآخر حسب مقتضيات تضاريس وطبقات ومجريات الحديث وتوسعت معرفتنا ببعضنا البعض بفعل تناسل الأسئلة والإستفسارات حتى انني لم أستغرب أن يكون أحدهم إبن عمٍ لي لم يسبق لي مشاهدته أو معرفته فقد عرفت العديد من أهاليهما بسوريا مثلما عرف الكردي الشمالي الكثير من أقربائى بتركيا……….. حقيقة كانت الرحلة أقرب لمشهد سينمائى من فيلم وثائقي يتناول الكورد ماضياً وحاضراً ودون تدخلٍ من أحد ما عدا الصدفة التي تتسم عادةً بعدم تكرارها اللهم إلا مع الكورد؟!
ربما لتداخل وتفاقم الجراحات والنكبات في حياتهم التي ليس فيها من الحياة إلا الإسم.
ولدى وصولنا لآخر حاجز لمحافظة أربيل أوقفنا الشرطي ولأننا كنا الوحيدين عند الحاجز في تلك اللحظة إقترب منا على مهل وقد أضناه الحر والملل والرتابة وأطل علينا من خلال نافذة السيارة وسألنا من دون إيعاز لأي كاتب لسيناريو هذه الرحلة التصادفية : أكراد أي جزء أنتم ؟!!! ولأني كنت منتشياً بالوضع بادرت بالجواب قائلاً :وبالكوردية طبعاً. وطبعاً مرة ثانية وثالثة, أحدنا من كورد سوريا والثاني من كوردتركيا والسائق كما تعرف من كورد العراق وهو السائق فله برلمان وحكومة و…..ونحن بحاجة لكرديٍ من ايران لكي نوحد كوردستاننا في هذه السيارة,حيث سمحت بذلك ظروفنا الآن,
أجاب الشرطي: والله إن والدي قدِم في شبابه من مهاباد بإيران فنحن كورد ايران, فأردفت وعلى الفور: وماذا تنتظر يا عزيزي تفضل تفضل إركب معنا لنحقق حلمنا الكوردي الجميل الآن هيا تفضل يا رجل فضحك وضحكنا ضحكة حبلى
بالإعجاب والدلالات وإنطلقنا بإتجاه زاخو مسرورين ومهمومين بل ومبهورين في آنٍ واحد وعلى نفس الطريق الذي سلكه كزينفون وإسكندر المكدوني عام أربع مائة و واحد قبل الميلاد ونفوسنا تسرح فيما طاب لها من ذكريات وتاركين له ولنا أيضاً بصمات الظروف على الحروف وكذلك الأحلام المقدسة وإعلان شاعرنا الكبير خاني ومشروعه القومي وصولاً لطاقية الشاعر العربي العراقي محمد مهدي الجواهري . فهل لنا أن نجتمع ثانية ولكن في سيارة ثانية ومن مدينة ثانية لاُخرى أعتقد أن ذلك ليس ببعيد .

 مهداة للأخ الأستاذ عيسى و والدته الشيخة وكريمته و قبلهم جميعا النشيط و الناشط سفين.

 كردستان الجنوبية
هه ولير

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…