التلازم بين الهم القومي والمصداقية (الكاتب الكوردي نموذجا)

  بقلم: طه الحامد

لا نأتي بجديد عندما نقول، إن العلوم  الانسانية، وفي  مقدمتها الابداع في مجال الأجناس الأدبية، هي انعكاس للواقع الاجتماعي،والسياسي ،والاقتصادي ،وهي نتاج البيئة المحيطة وتجلياتها .
وكانلإختراع ادوات الأتصال، و وسائلها المتنوعة في إيصال المعلومة، سواء كانت على شكل فكرة او خبر او صورة ، دورا محوريا في صناعة الرأي العام ، وتوجيهه بما ويتوافق مع مصالح، و معتقدات الفئة الاجتماعية للعاملين في هذا المجال الحيوي، أي ليس هناك إبداع محايد، لمجرد الإبداع كترف فني او فكري، بل يستبطن في كينونته، موقفا سياسيا بلبوس فني، يهدف إلى تغيير مفاهيم وبنى قائمة ، أو تثبيتها ، فهي بكلتا الحالتين انحياز الى جهة مجتمعية دون غيرها.
وعندما تخوض الوسيلة الاعلامية ، أو ما يبدعه العاملون في هذا المجال، ليس بالضرورة انهم يحملون رسالة تتسم بالسمو والقيمة الاخلاقية ، بل فئة كبيرة منهم يعملون على لوي عنق الحقيقة، عبر تقديم مزيف لواقع مهترئ ،طمعا في مصالح ذاتية ،او إرضاءً لحاكم يغدق عليهم بالنعم وهنا تصبح أقلامهم مأجورة، لاتمت إلى حقل الإبداع وقيمه الإنسانية بصلة وهذا النعت يسري على الكاتب، او الصحفي الكوردي لأنه جزء من هذا العالم ، ويتشابه مع اقرانه في المجموعات البشرية الأخرى، بما يحمل من عيوب، وآفات ذاتية ، وربما يتميز الكاتب الكوردي بسماتٍ، وموروث ثقافي واجتماعي، مثقل بعهود طويلة من القهر والاحباط والانكسارات والهزائم المتتالية، ومازالت رائحة الدماء والحرائق والغازات السامة ، تجوب في فضاءات جغرافيته الأسيرة لأعتى الانظمة فاشيةً وظلماً، ويعيش في بيئة يغلب عليها طابع العدائية والكراهية ،هذا يدعونا إلى ان نحمّله مسؤولية مضاعفة، فهو يتحمل عبئ معركتين ثقافيتين ، تتقاطعان عند قمة الهرم القومي كواجب مطلق لا تسامح فيه ،وتتناقضان في قاع الهرم ذاته عندما نؤوسس لبنى اجتماعية وسياسية ، تنسجم مع مفاهيم الحداثة، والضوابط المدنية الديمقراطية كقاعدة تأسيسية لبناء قويم ، قابلة للحياة ،وهما جبهتان متلازمتان لا غنى عن احداهما لصالح الأخرى .هنا تكمن فحوى الرسالة الاعلامية، ودورها كرافعة، وحامل لمنظومة متكاملة من القيم الاجتماعية والسياسية، تؤثر في المتلقي وتثبت الافكار والمعلومات والآراء في أذهانه عبر الاقناع والتأثير وجعله يتخذ القرار،وابرز المشكلات التي تعيق ذلك، هي غياب المصداقية، لايستطيع الكاتب إقناع جمهوره، بأن التأليه وحكم الفرد والاستحواذ على الخيرات والسلطات ،من قبل فئة او حزب، هي شكل مدمر وظالم، وإسلوب حكم إستبدادي يجب القضاء عليه وبناء حكم عادل وديمقراطي على أنقاضه، عندما يكون ذلك الكاتب بمثابة بوق او مداح لجماعة تمارس تلك السلوكيات في مكان آخر، ولو كانت تحت مسميات الضرورة والخطر المحدق ،وغيره من الحجج التي يتستر بها للدفاع عن إثمه،لأن الظلم والاستبداد لا هوية قومية او ثقافية لهما، لا مصداقية لكاتب مدافعا عن الحقيقة في مكان ما، وقلما ضالاً وأداة للظلم في مكان آخر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…