ما هذه اللامبالاة القاتلة تجاه تاريخنا الكردي العريق

 برادوست ميتاني

من المؤكد للشعب الكردي تاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين في أرض كردستان التي أنجبت الحضارة الجودية والسوبارية والكاشية و الآراراتية والميتانية والميدية واللورية وإمارات في شهرزور وآمد وميافارقين والحسنوية والبدرخانية وغيرها وبالإضافة إلى الثورات القومية من قبل الشعب الكردي التي كانت تهدف إلى التحرر والإستقلال إلى جانب ذلك دور الشعب الكردي في بناء الدولة الحديثة  في كل من سورية والعراق وإيران وتركية وهو يفتخر بذلك  كونه قدم للبشرية حضارة عريقة لا تقل عراقة حضارات الأمم الأخرى ولكنها تختلف عنها عندما لم تسلم من مواقف عدائية همجية شرسة اتخذتها رماح والسكاكين المستبدين الذين سعوا إلى زوال هذا التاريخ الكردي العريق ولكنه بالرغم من ذلك ظل محافظاً  على نفسه دون أن يندثر حتى لو كانت مسيرته بخطوات متململة تأن تحت الضربات القاسية .
إذا كان ذلك هو موقف المعادين لتاريخنا أليس لنا الكرد واجب قومي تجاهه في الحفظ عليه من الاندثار والضياع بل إلى العودة إلى منابعه لنستلهم منها معطياتنا الإنسانية .
نعم علينا أن نظهر عراقته للآخرين مثلما هو في مستوى حضاري أعماري مدني توصل إلى بنائه آباؤنا وأجدادنا قديماً وحديثاً في منطقة موزوبوتاميا. 
إذا كان ذلك هو واجبنا تجاه تاريخنا هل نحن نقوم به حقاً كما يملي علينا ذلك الواجب , بالطبع الجواب لا يسر النفس البتة لأننا وبغصة ألم في حالة إجحاف مع هذا التاريخ العريق وإذا ترك لنا أسلافانا كتابات مشكورة ولكننا نحن الآن نعيش عليها فقط بإضافات زهيدة دون أن نتماشى مع تطور العصر وتقنياته الحديثة  وبالأخص نحن الذين في غربي كردستان اهتمامنا بتاريخنا الكردي متدني إلى أبعد الحدود حيث نفتقر إلى المؤسسات المعنية به وإلى الكوادر المتخصصة دون أن ننفي في ذلك بعض المحاولات التي غالباً ما تكون على شكل هواية ولا ترقى إلى درجة المهنية في القيام بنشاط يذكر لذلك تأتي دون المستوى المؤمل فالكردي يقول  nan bide nan pêje bila nîvê wî jêre bê
أي أعطي الخبز للخباز وليكن نصفه له .
 بالرغم من وجود مئات من مدرسين أكراد لمادة التاريخ في سورية ومشهود لهم بالكفاءة العالية بتدريس تلك المادة , فهم ضليعون في دراسة التاريخ العربي ولكن معظمهم يعيشون حالة أشبه ما تكون بالأمية بمعرفة التاريخ الكردي , وذلك لغياب دوافع ذاتية لديهم تحفزهم إلى دراسته ,ودون أن يجدوا أنفسهم في موقف يتسم بالمسؤولية إزاءه بل لا يحركهم ساكن في جمود قاتل فيا عجبي من هذا.
أما بعض من زملائنا وإخواننا المهتمين بالتاريخ الكردي من الوسط الثقافي , وبالطبع نستثني منهم الأستاذ الكبير كوني رش (konê reş ) أحب تاريخه القومي كما أحب آباءه وأجداده, وهذه الفئة تعتبر قلة تعد على أصابع اليد مع احترامي الشديد لهم واعترافي بقدراتهم العالية في الخوض بجدارة في دراسة تاريخ المنطقة بشكل عام فالكثير منهم مازال على طبيعته التي تلقى فيها ثقافة تاريخية غريبة بعيدة نسبياً عن جوهر التاريخ الكردي مع تقديري لجهودهم فقد أجد فيها السطحية , حتى لو كانت أبحاثاً طويلة حيث تكاد تختفي فيها الروح الحقيقية اللازمة لدراسة هذه المعطيات كونهم يعتمدون في الغالب على مصادر ومراجع وأقوال شائعة  في ثقافة الأنظمة السائدة في مراكزها التاريخية ,بحيث لم يتحرروا منها علماً أن تلك المصادر كثيراً ما لعبت دوراً معادياً لثقافتنا وهي لا تخلو من أهداف عنصرية أو سياسية ضيقة , وما يحز في النفس من ألم هو إذا ما تم طرح حقائق تمس الروح الكردايتي من التاريخ الكردي , من السهل أن يتم تكذيبه من قبلهم  حتى أنهم يعملون جهاراً  على تصغير الباحثين والمؤرخين الكرد اللذين لهم نشاط ذو فضل علينا بالرغم من ظروفهم الصعبة ووسائلهم البدائية في كتابة التاريخ وربما يكون هذا التصغير من باب الغرور والتماهي في ما هم يسعون إليه , عندما يتهمون بالفكر العنصري وأحياناً بالعاطفي أي عملاً قومياُ وقولاً تاريخياً يمجد دور الأكراد وخاصة إذا خالف رأيهم وما أسهل من ذلك , من حجج جاهزة كعبارة (انطلاقاً من منهج البحث العلمي) علما أن هذا كلمة حق يراد بها باطل .
أما في منطقتنا التي نعيش فيها وهي كركي لكي وما حولها من قرى حتى ديركا حمكو ,كثيراً ما تعتري طريقنا صعوبات في سعينا إلى نشر الوعي التاريخي الكردي ,منها المهتمون به قليلون إن لم يكن معدومون بالرغم من وجود  أكثر من عشر مدرسين لمادة التاريخ , (ناهيك  عن المهتمين بالثقافة أو السياسة في أحزاب الحركة الكردية) فأغلبهم لا يسير اتجاه الاهتمام بتاريخه قيد أنملة , وحتى اليوم محاولاتنا معهم باءت  بالفشل في توجيههم نحو دراسة تاريخهم والاهتمام به والحق يقال إن  تجاوب الغير اختصاصيين كان أكثر إيجاباً من تجاوبهم , لقد دعوناهم إلى سهراتنا التاريخية فلم يستجيبوا وطلبنا منهم إيجاد نوع من تجمع ثقافي يهتم فلم يلبوا, بل مع الأسف ابتعدوا ,لأسباب تتعلق بالأنانية النابعة من المصلحة الشخصية أو مواقف سياسية ,أو قلة الإدراك بقيمة دراسة تاريخهم , وهذا ما لامسناه مع بعض من حضر إلى الندوات , خاصة من غير اختصاصيين في التاريخ عندما كانوا يقولون نريد مواضيع ساخنة ,
(أي مواضيع تتعلق بالسياسة) علماً أنهم عندما يحضرون يخرجون بارتياح شديد مستلذين معنى المواقف الشخصية والإنسانية والقومية  مثل ماهو في شخصيات لها صيت واسع , كالبدرخانيين أو درويشي عفدي أو كيآخسار أو نفرتيتي وغيرها.
 لذلك ركزنا اهتمامنا على معظم أوجه الثقافة عندما عقدنا أمسيات ثقافية مع أخواننا وأبنائنا في ديدار كها كركي لكي الثقافي منذ عام 2005م  , وإن نشاطنا مازال  مستمراً وحققنا نجاح إلى حد معين منطلقين من شعار:
(xewdîyê elebê li elebê di gerê) أي أن مالك الصاع يبحث عنه .
ولكن يا اخوتي الأعزاء مهما كان سعينا ومهما حاولنا فأننا بحاجة لتضافر الجهود ويجب أن نكون متعاونين معاً , مستفدين من خبراتنا الفكرية في نشر الثقافة التاريخة من جهة والثقافة القومية بمختلف ألوانها من جهة أخرى فالكردي يقول (destekî bi tenê liçepke naxê) أي اليد الواحدة لا تصفق بمفردها .
 وبالختام نجعل من هذا المقال أو العتاب دعوة للأخوة المثقفين المستقلين أوفي أحزاب الحركة الوطنية الكردية إلى مد الأيدي إلينا والاستجابة لصرخاتنا بتفعيل الدور الثقافي بغض النظر عن شكله النشاطي من أمسيات ومحاضرات وبالأخص إيجاد لحمة بين المهتمين في مادة التاريخ في أطار أي تجمع يمثله في منطقة كركي لكي يعني بدراسة التاريخ, لنحاول أن نعيد له رونقه وجزءاً من معالمه الرائعة لنخدم جيلنا الشاب, عندما نضعه أما عراقة هذا التاريخ الذي هو متعطش إليه كما أراه في عينيه وأقرأه على لسانه ليرى أجداده ويتحدث عن دورهم المعطاء مستلهماً منهم العبر والدروس ملتصقاً بأرضهم مدركاً أهمية هذه الأرض وملماً بواجبه اتجاهها .
 
كركي  لكي  1 – 6 – 2012 م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…