من هو المثقف الذي نحتاجهُ ..!!؟

أحمد حيدر

بصرف النظر عنْ الآراء المتباينة حَولَ تعريف (المثقف) أو نظريات المفكّرين والفلاسفة التي تناولتْ دور المثقف وعلاقته بالمجتمع والسلطة حسبَ توجهّاتهم الفكرية أو السّياسية أو الحزبية ثمّة تساؤلات كثيرة تَطرحُ نفسها عن المثقف الذي نحتاجه ُوعن دوره ِالمعّرفي والاجتماعي الذي يساهمُ في إعادة ِتشكيل الوعي الجمّعي كونهُ نتاج الواقع يعكس آلام وآمال مجتمعه
كان لينين يصنف المثقفين ضمن قوى التغيير الثوري إلى جانب البروليتاريا والفلاحين الفقراء ومن يخون هذا الدور-  حسب رأيه – فهو معاد للثورة حتى إن لم يقصد العداء أو يخوض فيه 

أما غرامشي صاحب مقولة : “إن كل إنسان هو إنسان مثقف ولكن ليس لكل إنسان في المجتمع وظيفة المثقف”
فقد ميز بين نوعين من المثقفين” المثقف العضوي والمثقف التقليدي المثقف العضوي هو المثقف التقدمي الذي يدافع عن الطبقات الاجتماعية المتنورة التي تدعو إلى التقدم والسير نحو الأمام وتعبر عن الكتلة التاريخية المادية الجديدة، بينما المثقف التقليدي هو الذي ما يزال يدافع عن الطبقات الاجتماعية المحافظة المنقرضة أو أوشكت على الإفلاس والانقراض”
و- من منظور الجدلية المادية – صنف جورج لوكاش المثقفين المبدعين إلى المثقف المثالي كما في رواية “دونكيشوت” لسرفانتس والمثقف الرومانسي كما في رواية “التربية العاطفية” لفلوبير، والمثقف المتصالح كما في رواية ” سنوات تعلم فلهلم مايستر” ودافع عن المثقف الإيجابي الاشتراكي الذي يتمثل في روايات تولستوي
وراح ليكلرك يحذّر المثقفين في كتابه (سوسيولوجيا المثقفين 2008) من أنّ المبالغة في الاعتقاد الراسخ قد تتحوّل إلى تعصّب و جاء رد فعل فوكو (المابعد حداثية) بأنّ على المثقف أن لا يصّدر أحكاماً قطعية أو يدّعي بأنهُ يمثلُ ضَمير الأمة أو لسان الجماهير أو العرّاف الكبير وانخرّط في الفعل الثقافي (ميدانياً) وشاركَ في المظاهرات وإصدار بيانات احتجاج في الستينات والثمانينات من القرن الماضي وانحاز للطبقات الاجتماعية الكادحة أو المهمّشة في محاولة ٍمنهُ تحويل خطاب المثقف إلى خطاب ِالحياة بدلاً من خطاب الحق
ويَستعرض المفكّر الفلسطيني ادوارد سعيد في كتابه ِ(صورة المثقف) أهم النظريات التي تناولت دور المثقف خلال فترات زمنية متباعدة  فيتوقف عند فلوبير وروايته (التربية العاطفية) وعلاقتها بثورة 1848 في فرنسا التي وصفّها المؤرخ البريطاني الشهير لويس نامير بثورة المثقفين ويدخل في نقاش معمّق لكتاب جوليان بندا (خيانة المثقفين) وعن مفهوم غرامشي للمثقف العضوي ومصطلح ميشال فوكو عن (المثقف الاختصاصي) ويعرض لآراء برتراند راسل وجورج أوريل ونعوم تشومسكي عن اللغة وسطوة بعض أحكامها المّسبقة على فكر المثقف
من هنا فان المرحلة -الانتقالية – الحرجة التي تمر بها البلاد تفرضُ صياغة جديدة لمفهوم المثقف تستجيبُ للتحولات التي طرأت على الواقع فيتصاعد دورهُ أكثر من أي وقت مضى ليس في تفسير ما يحدث وإنمّا في تغييره أي أن لا تكون وظيفته فكرية أو معرفية فحسب وإنمّا اجتماعية والمشاركة فيها بالرأي والموقف كحيز من حيزات الثقافة للارتقاء بالخطاب الثقافي السائد (الثابت) الذي يعكس الأيديولوجية الحاكمة في التسّلط والانفراد بالرأي والتهميش والإقصاء إلى خطاب ِالواقع (المتحول) الذي يكرّسُ القيم الديمقراطية ومفاهيم التعدّدية والهوية والانتماء تتبلور من خلالها سلطة المؤسّسات ودولة الحق والقانون
فهل يكون أهلا لحمل صفة المثقف من يتردّد في ترجمة نتاجه الفكري – التغييري – على أرض الواقع ؟ من يروج  لنسف ِكل منجز – سياسي ثقافي – بلغة التخوين  تحت ذرائع واهية – يظن انه هو ومن بعده الطوفان .. أم من يحاول تقريب الخطاب بين القوى الفكرية الفعالة واعتماد لغة الحوار والعقل والمنطق ؟ من يسعى إلى افتعال الصراعات الجانبية -على الكرسي والمصالح الشخصية – أم من يسعى إلى الانشغال بالمصالح العامة والقضايا المصيرية  ؟ 
هل تكتمل رسالة المثقف الذي لا يتخلى عن فرديته ِو(فوقيته) ويسّخر(الأنا) في خدمة
(الجماعة ) كي يضمنَ حضورهُ واستمراريته ولا يتجاوزه الزمن ؟ المثقف الذي يمارس دوره النقدي انطلاقاً من قناعاته المستقلة أم لفرض أجندات خاصة ؟ النقد من أجل النقد أم من أجل الإصلاح ؟ ماهي وسائل إيصال رسالته : الميكرفون ومهارات الصراخ كظاهرة صوتية وشعاراتية أم استعراض بهلوانياته عبر الفضاء الافتراضي من خلال نشر مقالات عابرة لا ترتكز على أية  معايير معرفية ؟
جوزيف جوبلز كاتب خطابات هتلر وصاحب مقولة: اكذب ثم اكذب حتى تصدقك الجماهير عندما أصبح وزير إعلام هتلركلن يردد : كلما سمعتُ كلمة مثقف تحسست مسدسي !؟
هل يمتلك المثقف هذه السلطة ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…

عِصْمَتْ شَاهِينَ الدُّوسَكِي

أعْتَذِرُ

لِمَنْ وَضَعَ الطَّعَامَ أَمَامَ أَبِي

أَكَلَ وَابْتَسَمَ وَشَكَرَ رَبِّي

أَعْتَذِرُ

لِمَنْ قَدَّمَ الْخُبْزَ

لِأُمِّي وَطَرَقَ بَابِي

لِمَنْ سَأَلَ عَنِّي

كَيْفَ كَانَ يَوْمِي وَمَا…

ماهين شيخاني

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها وكأنّه يسير على خيط رفيع مشدود بين الحياة واللاجدوى. في مثل هذه اللحظات، لا نبحث عن إجابات نهائية بقدر ما نبحث عن انعكاس صادق يعيد إلينا شيئاً من ملامحنا الداخلية. بالنسبة لي، وجدتُ ذلك الانعكاس في كتابات الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913-1960).

ليس كامو مجرد فيلسوف عبثي…