بين القلم والكيبورد

إبراهيم اليوسف 

 أمام غزو الحواسيب حياتنا اليومية، ثمة سؤال بات يطرح،  على المبدع، شاعراً كان أم قاصاً أم روائياً، أم مسرحياً، هو: هل لاتزال تكتب بالقلم؟، أم أنك تستخدم الحاسوب في كتابتك؟،. حقاً إنه سؤال يبدو بسيطاً لأول وهلة، بيد أنه-وللحقيقة-يعد منبع أسئلة هائلة، تتفرَّع عنه، ومن بينها: كيف كان انتقالك من الكتابة اليدوية إلى استخدام الكيبورد؟، وهل لاقيت أولا تزال تلاقي الصعوبات  وأنت تنتقل من طريقة كتابية إلى أخرى، وما الفرق بين علاقتك بالكتابة بوساطة القلم والكمبيوتر؟.
هذه الأسئلة، برمتها، أثيرت، مع بداية دخول الحواسيب في حياتنا اليومية، لتشكل تحدياً ليس مع القلم وحده، بل مع المبدع نفسه الذي اعتاد على طريقة تعامله مع أدواته الكتابية، وفي طليعتها القلم، حيث هناك من أصبح القلم جزءاً من حالته الإبداعية، وطقسه الكتابي، ولايستطيع الكتابة إلا بنوع محدد من الأقلام، وزد على ذلك، أن في افتقاده قلماً ألفه لمدة زمانية محددة، ما يجعله يحسُّ بمشاعر معينة، ويكاد يعاني الكثير، قبل استخدام سواه، حتى وإن كان من النوع الذي كان يكتب به نفسه..!

حقيقة، إن في الكتابة بالقلم غوايتها، حيث المبدع يستطيع أن يتكيف بحركة قلمه بأكثر، وإن الكلمات التي يتركها على كراريسه بوساطة قلمه، لها رونقها، وألقها، وكاريزماها، وهي بذلك تكاد تكون جزءاً من نصه الإبداعي،  وتعطي بعداً آخر لحالته النفسية، ولهذا فإن متاحف المبدعين في العالم، تحتوي-عادة-نماذج من مسوَّداتهم ومخطوطاتهم الكتابية، لتشكل نوافذ إضافية إلى عوالم هؤلاء المبدعين. ولعلنا نتذكر أن نزار قباني كان أحد الشعراء الذين  تسبغ خطوطهم جمالية واضحة على نصوصهم، ولقد أصر على أن يستغني عن حروف المطبعة، في بعض دواوينه المطبوعة، من خلال طباعة النسخة المدوَّنة بخط يده، هكذا دون وسيط، وهو مافعله سليم بركات، في بعض أعماله الإبداعية، بالإضافة إلى آخرين، يرون أن  خطوط أقلامهم خير من تنقل توترات دواخلهم إلى قرائهم.

وإذا كنا جميعاً، نعترف أن الحواسيب التي دخلت منازلنا جميعاً،  ولها استخداماتها الهائلة، بحيث صارت جزءاً من حياة أي أسرة، وإن الكتابة أحد جوانب الإفادة منها، فإنه لابدَّ من الاعتراف، أيضاً، أن مايتركه الحاسوب من كتابات يظل جافاً، بارداً، مهما كانت حروفه جميلة، أنيقة، ومهما وفر، من حرية لتخير الحرف أو الخط المطلوبين،بالإضافة إلى الوقت، بيد أن في الكتابة اليدوية سراً وسحراً غريبين، فالقارىء يتفاعل مع ماهو مكتوب بخطِّ اليد على أنه مكهرب بشحنة عالية من الأحاسيس، إلى الدرجة التي يمكن أن نرى فيها الكتابة النابضة بالحياة، أو الكتابة الحيَّة، في الوقت الذي يمكن أن نعد الكتابة عبر الحاسوب باهتة،بل ميتة،وإن أقرب مثال عن الفرق بين هاتين الكتابتين، هو الفرق الكامن بين الوردتين الطبيعية والاصطناعية..!.

ومادمنا نعترف أن هناك مبدعين، سرعان ما تنقلوا إلى الكتابة، عبر الحاسوب، فإن هناك آخرين، لايزالون يؤثرون الكتابة بالقلم، بل إن هناك من الشعراء من يقول: أكتب نثري بوساطة الحاسوب، بيد أني لا أستطيع كتابة قصيدتي إلا بالقلم، وهوما يكاد ينطبق على غير الشاعر أيضاً.

وأخيراً، فإن السؤال الرئيس، حول العلاقة مع القلم، بعد مرور حوالي عقد ونيِّف من ثورة الكمبيوتر العظمى التي اجتاحت العالم، يظلُّ محافظاً على مسوِّغه، لأن هناك من الأجيال السابقة من المبدعين من يكتب به، كلياً أو جزئياً، وهو لما يحول إلى متاحف التاريخ، وإن كنا نجد حقاً أن هناك من كتابنا الجدد من مرت سنوات طويلة لم يحمل خلالها القلم، وهو من عداد المبدعين الأغزر إنتاجاً..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…