صاحب قلم

غسان جان كير

حدّثنا العطّال البطال قال: كُنّا في عام الثورة، والجماهير في حالة فورة، لا يأبهون بالمَثَل “بيضة النهار ده أحسن من فرخة بكرى”، الصغير مُشاركٌ فيها إلى جانب الكبير، والكل مُطالبٌ بالحرية والتغيير، يستنكرون قتل البشر والحمير، بمُظاهرات واعتصامات سلميّة، وعلى مدار الأسبوع يومية، بلافتات مُنمّقة، والناس عليها مُتّفقة، تساير المرحلة، وغير مُستبقة، وكان الإجماع عليها أنها لبقة، يُلاحظ قارئها تفتّق الإبداع، كأنها بلسم يُداوي الأوجاع، رسومات كاريكاتيرية تكشف ما وراء القناع، وأناشيد ثورية تستكين لها الأسماع،
وكتابات بظرفها وفكاهتها قد ملأت الأصقاع ، أبهرت المُبدعين في الفن والأدب، فتداعينا إلى النقاش ومعرفة السبب، وكان نقاشاً بيزنطياً لم يخل من الغضب، وتشعّب الحديث ووصلنا إلى ماهية القلم، وهل هو نكرة أم اسم علم، وأخذت التنظيرات من وقتنا (الثمين) ساعات، وكيف اختفت الأقلام (الثورجية) في زمن الثورات، وغطت جبنها مُتحججة بالمؤامرات، فحكمت على نفسها بالريبة والخيانات، وحلّت محلها أقلام جديدة، لصيقة بالواقع أخلاقها المهنية حميدة، واستقطبت قراءً بهمة شديدة، وبينّا نحن في هرج و مرج، نفك لجاماً ونسرج سرج، دخل علينا صاحب قلم، فانفرجت أساريرنا، وفغُرت أفواهنا بانتظار درره الثمينة، المكنونة في دواخله الكمينة، فسألناه عن الفرق بين قلم اليوم وقلم الأمس، فحدّثنا بصوت هو أقرب إلى الهمسِ، فأصخنا السمع بشكل ملهوف، لأنه (مثقف) معروف، ماهر بتطويع الظروف، وباله عن (الترّهات) مصروف.
قال صاحب قلم: إيهٍ على أقلام أيام زمان، كُنتَ تشعر- وهي في جيبك – بالأمان، لا ينجلط ولا ينبعج، يجود بحبره واقفاً غير مَُضعج، أمّا قلم الرصاص فحدّث ولا حرج، أسعفنا الله وإياكم بالفرج، كانت بَرَكته فُضلى، ومحاسنه تُتلى، ورصاصه في البراية لا ينكسر أو يُبلى.
قلنا: الويل لك، ما عن هذا سألناك، لا أبا لك، وإنما سألناك عن مواقف الأقلام، في رصدها لوقائع الأيام.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…

عِصْمَتْ شَاهِينَ الدُّوسَكِي

أعْتَذِرُ

لِمَنْ وَضَعَ الطَّعَامَ أَمَامَ أَبِي

أَكَلَ وَابْتَسَمَ وَشَكَرَ رَبِّي

أَعْتَذِرُ

لِمَنْ قَدَّمَ الْخُبْزَ

لِأُمِّي وَطَرَقَ بَابِي

لِمَنْ سَأَلَ عَنِّي

كَيْفَ كَانَ يَوْمِي وَمَا…

ماهين شيخاني

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها وكأنّه يسير على خيط رفيع مشدود بين الحياة واللاجدوى. في مثل هذه اللحظات، لا نبحث عن إجابات نهائية بقدر ما نبحث عن انعكاس صادق يعيد إلينا شيئاً من ملامحنا الداخلية. بالنسبة لي، وجدتُ ذلك الانعكاس في كتابات الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913-1960).

ليس كامو مجرد فيلسوف عبثي…