«مُدمنُ النّار» للصديق والأديب المرحوم «عبدالرحمن آلوجي»

محمود عبدو عبدو 

    الحياة كالنصِّ الشّعري ثمّة من يغادرها دون أثر وآخر يترك خلفه وعلى اسطرها مآثرا تُستعاد دوما على ألسنة الناس, ومنهم مآثر الصديق والأديب القيادي الكوردي “عبدالرحمن آلوجي”, هم يتركون الحياة جسداً فحسب وتبقى نصوصهم ونضالاتهم وأقوالهم شاهدةً على ما قدّموه وناضلوا من أجله, وتصبح عملية استحضار مقامه واسمه بذات المعنى القيميّ والنضاليّ لأعدائه حتى قبل مناصريه ومحبيه.

ليس حباً بالسياسة مارسها, لكنها وبحسب كلامه ظروف بني جلدته ومظالم قومه, رغم ممارسته للسياسة إلا إن القلم لم يغب عن وجعه ولم تنسى أنامله رائحة اليراع.
   ترتبط اسماء معينة بعينها -بالرؤية سياسية- بخيطٍ واضح يربط بين هذي الاسماء التاريخية وهذي الرؤى والمرحوم بمقامه “السياسي والأدبي” أدلُّ الناس على هذه الرؤية, فليست السياسة لأجل السياسة هدفه وليس كما يردد حداثيي الشعر من تغيير مقولته “الابداع لأجل الابداع” ليكون ممن يضيفون حركية واجتهادات وقراءات تجمع الجانب السّياسي الآني والتاريخي البحثي, لتأسيس بناءٍ جديد ورؤية جديدة يُشرك بها المحيطين دوما.

في الأوقات التي تشاركنا بها, كنّا نرتكبُ غوايات الشّعر وندسُّ المفردات ما أمكن في جمر المعاني, ونشرب معاً إناء ثلج الشِّعر, فهو يتقنُ بناء تركيب اللغة وموسيقاه, فالراهن الكوردي كان حاضراً بتفاصيله في يومياتنا ووقتنا ووجعنا المشترك, كنّا نستجمع في هذا الراهن أوجه الطاقة -راهنٌ رغم ما فيه من نواقص لكنه مثقلٌ ومثمرٌ بطاقات كامنة لا تنضب-
يمدّني بالأمل في حصتي من وقته, مبلوراً رسم شخصيته الشِّعرية والثقافيّة الخاصة ومحيطاً إياها بلغةٍ رصينة لتصبح نصوصه بوصلةً لاكتشاف مكامن هذا الراهن اكثر, تشاركنا بالثقافة وهمّ الكتابة رغم اختلافنا بالسياسة.
“مدمن النار” كان ثورياً حتى في الشِّعر بتسميته باكورته الشّعرية الأولى –وبحسب علمي واليتيمة-“بمدمن النار” دلالته الثورية التي قادته فيما بعد أينما حل وكتب ومارس “الكردايتي”, فحجز لنفسه مكاناً يستحقه في ذاكرة نضال الشّعب الكوردي وتضحياته داخل الوطن وخارجه, ومكاناً يستحقه في ديوان القلوب “بأخلاقه” قبل ديوان الشّعر, فالمرحوم ما فتئ يذّكرنا أولا بأول بذاتنا الثقافية وبضرورة تمايز الأديب والمثقف عن السّياسي, ويوصي أينما كان ألا ينسى المثقف إبداعه في خضم اشتغالاته السّياسية.
من المهم أن نستعيده بيننا قولاً وعملاً, وألا تكون المناسبة “الاربعينية” مناسبة خطابيّة فحسب, وإنما فرصة حقيقية لتصنيف نتاجاته وكتاباته, وتبويب ما صدر عنه تباعاً من رفاقه ومحبيه.
هي دعوةٌ
لجمع نتاج المرحوم
ونشرها ورقياً والكترونياً حتى يتسنى للجميع الاطلاع عليها والاستفادة ما أمكن من فكره وقلمه.
المطلوب الآن أن يكون الكلّ فاعلاً فلا زالت قضايانا ومطالبات شعبنا قيد الانجاز, فمن الجميل أن نستنَّ ككورد سنّة التكريم لمبدعينا وقادتنا ولأن الفسحة لا تتسع إلا للإضاءة فحسبنا قول أحدهم – بلسان الشعر لصاحبه الشاعر المتوفي-:
/أنا هنا لم أزل حياً
 ولي جسدي, ولي المعنى,
ولي كونٌ مضاء/.
فشعرك صديقي لا زال هنا حياً بيننا, يمتلك كما عرفناك تنسجه بأناة العارف, فآثرت أن تحفر الزمن بعمق فني, بعيداً عن ضجيج الشّعراء فاخترت ضجيج السياسة وصخب المطالب وصرخة قومك.
لروحك الطاهرة الرحمة ألف تحية شعر وحب.
·   بمناسبة “اربعينية” القيادي الكوردي والأديب “عبدالرحمن آلوجي”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عن المركز الأكاديمي للأبحاث، في بغداد، صدرت، حديثاً، موسوعة ” من الرائحة إلى الطعام ” وهي عبارة عن سلسلة في عشرة مجلدات ضخمة، حصيلة جهود شاقة وبحث وتدقيق وفرز وتصنيف، ومتابعة لكتب وملفات ومواقع ومقالات متفرقة منشورات حول الموضوع، أعدّها وترجمها عن الفرنسية وقدَّم لها الباحث إبراهيم محمود.

وجاءت طيَّ العناوين التالية:

1-الطعام وأنثروبولوجيا الشعوب: لماذا تصنع…

ماهين شيخاني

في قلب الجزيرة الفراتية، وعلى سفح جبل يطلّ على سهول ما بين النهرين، تتربع مدينة ماردين كأنها كتاب مفتوح على قرون من التفاعل البشري. ليست ماردين مجرد مدينة، بل فسيفساء حيّة من لغات وأديان وأعراق، حيث لا يمكن اختزال هويتها في قومية واحدة أو لغة واحدة، بل في صدى الحجارة التي عاشت أكثر من…

خالد بهلوي

ضمن نشاطات الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا، وبحضور نخبة من الكتّاب والمهتمين بالشأن الثقافي، افتُتحت أول مكتبة كردية في مدينة إيسن الألمانية بتاريخ السابع من أكتوبر عام 2025.

في خطوة طال انتظارها، جاءت المكتبة الكردية في ألمانيا لتكون منارة جديدة للثقافة والمعرفة، وجسرًا يربط بين الماضي العريق للشعب الكردي وحاضره المتجدّد…

تلقى المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، وببالغ الحزن، نبأ وفاة والدة الزميل الكاتب فرمان بونجق، أحد أوائل أعضاء رابطة الكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، إذ توقّف قلبها اليوم، الخميس ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥، بعد عمر حافل بالعطاء والمحبّة.

وإذ يعرب المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، باسم…