جمعية سوبارتو واستلهام التاريخ والتراث مسرحياً (جمهورية مهاباد انموذجاً)

بدعوة من جمعية سوبارتو التي تُعنى بالتاريخ والتراث الكردي قام الكاتب المسرحي أحمد اسماعيل اسماعيل بإلقاء محاضرة بعنوان استلهام التاريخ والتراث مسرحياً (جمهورية مهاباد انموذجاً) في مقر المجلس الوطني الكردي – قامشلو –  وذلك في يوم الأربعاء 18 / تموز / 2012م حضرها مجموعة من الكتاب والأدباء والمتخصصين بالتاريخ، والمهتمين بالمسرح والتراث الكردي.

تضمنت المحاضرة مدخلاً أولياً عن التاريخ ودور الفن في الحفاظ على تماسك علم التاريخ، ثم تناولت العلاقة بين التاريخ ووعي المؤرخ، والتاريخ ووعي الفنان، وأهمية صياغة التاريخ مسرحياً، وموجبات استلهام التاريخ الكردي مسرحياً، والشروط الواجبة توافرها عند صياغة التاريخ مسرحياً.
جاءت في المحاضرة أيضاً:
–   ” في تجربة جمهورية كردستان التي قامت في مهاباد عام 1946 وانهارت وهي لما تزل في المهد؛ الكثير مما يمكن أن يتم مسرحته. وذلك رغم غياب المنهجية عن المصادر التاريخية القليلة التي تناولتها بسرد اخباري وصفي……….. يمكن أن يقال الكثير عن أسلوب تناول المؤرخ لهذه التجربة، ولكن ما يهمنا هنا هو كيف يمكن للمبدع أن يتناولها مسرحياً”.
–  ” ليست مسرحة التاريخ نشراً للغسيل الوسخ، أو نبش المقابر، بل كشفاً وتعلماً، وملامسة للجوهري في حياتنا غير المنفصلة عن ماضينا، فثمة ما هو أبيض وأسود، مشرف ومخزي، بطولي وجبان في تاريخ وماضي شعبنا وشعوب الأرض قاطبة. وقد تمدنا مسرحة التاريخ بمعرفة وملكة تساهم في مشاركتنا بالتصدي لتاريخ لا يكف عن إعادة نفسه، مرة مهزلة، ومرة مأساة”.
ثم انتقلت المحاضرة لتتناول التراث بوصفه تاريخاً غير رسمياً، والتراث ووعي الفنان، وأهمية استلهام التراث الكردي مسرحياً، واستعرضت ملحمة سيامند وخجي والأفكار والقيم الرئيسية في هذه الملحمة.
وقد تم عرض مقاطع لمسرحيتين (جمهورية مهاباد) و(سيامند وخجي) التي قدمتهما فرقة خلات للفلكلور الكردي قبل سنوات عديدة.
تم إغناء المحاضرة بالعديد من المداخلات القيمة والمناقشات الجادة والهادفة.
لمعرفة المزيد عن المحاضرة والمحاضر
يكنكم مراسلة جمعية سوبارتو على العنوان: subartukomele@hotmail.com
والتواصل معها على صفحتها على الفيسبوك www.facebook.com/subartukomele


————————–

النص الكامل للمحاضرة:

استلهام التاريخ والتراث مسرحياً 
جمهورية مهاباد نموذجاً

أحمد اسماعيل اسماعيل

مدخل أولي:
قبل أن يصبح التاريخ علماً له قواعده وأصوله في تعليل الحوادث وتحليل الظواهر التاريخية، بل وقبل كتابته في سرد إخباري لماضٍ ممتلئ بأحداث متفرقة، مجتزأة، لا يربط بينها رابط ولا يجمع بين أسباب وقوعها سبب، دون الإنسان تاريخه بالرسم على جدران الكهوف والمعابد، وغناه في حكايات وأساطير، وذلك بأسلوب فني اختلط الحقيقي منه بالوهمي، والواقعي بالخيالي. 
وحين جاء المؤرخ وكتب التاريخ واقعة واقعة، وحدثاً حدثاً، وربط بين الوقائع والأحداث والزمن ثم أسمى ما أنتجه بعلم التاريخ، كان للفن دوره في حفاظ هذا العلم على تماسكه وخلوه من الجفاف.  

 التاريخ ووعي المؤرخ :
    ليس التاريخ مجرد سرد إخباري لماضٍ بعيد أو قريب، والأحداث التي وقعت فيه لم تحصل أو تقع نتيجة قوى غيبية أو طبيعية أو شخصية بحتة، كتبها المؤرخ منفردة، منعزلة دون ذكر لسبب موضوعي أو تعليل منطقي منسجم؛ بل هو علم (يشتمل على نظام يتعدى مجرد التتالي في الزمان)(1) له قوانينه الموضوعية التي تنبع من أحوال وظروف حياة المجتمع في حركتُه الدائمة وعلاقات حياته المادية أساساً، وإذا كان من البديهي أن يتوفر لدى من يتصدى لسبر غور وقائع وأحداث الماضي، وتحليلها وتنسيقها، والتوصل إلى جوهرها، وعي علمي، ومنهج خاص، وأدوات علمية.(2) فإن من الضرورة أيضاً أن تتوفر لديه ملكة الخيال أو الفراسة التخيلية، ليتمكن بواسطتها من إعادة الحكاية أو خلق الواقعة أو الحادثة المبتورة أو الغامضة وإيصالها إلى قارئ التاريخ بشكل بعيد عن الجمود وعدم الترابط، وقد دفعت هذه الحقيقة العلمية مؤرخين كثر منذ “هيرودوت، أبي التاريخ” إلى امتلاك ملكة الخيال الإبداعية.

· التاريخ ووعي الفنان:
إذا كان التاريخ قد بدأ فناً، أو متضمناً في الفن، مثله مثل غالبية ضروب النشاطات الإنسانية، فلأن الفن بدأ مع الإنسان، مع الاحساسات الأولى له، والوعي الأولي له، فلا عجب أن يشكل (عنصر وعي الذات للشعوب) لأن الشعوب، حسب هيجل ( وضعت في النتاجات الفنية أعمق التصورات والتأملات، فالفن يعمل غالباً كالمفتاح، وهو عند بعض الشعوب المفتاح الوحيد لفهم أخلاقهم وديانتهم )”3 “
وفنان اليوم حين يتناول مادة واقعية لا يستنسخها، وعندما يرجع إلى حدث تاريخي لا يكرره، بل يتغلغل داخل المادة أو الحدث، يحلله، يكبره، يسلط عليه الأضواء الكاشفة، ثم يقدمه للناس من زاوية رؤية معينة، ممتلئة وعياً وحساً وعاطفةً، وبخلاف المؤرخ، لا يلتزم الفنان بتفاصيل الماضي عندما يتناوله، ولا يتقيد بأحداثه تماماً، وإنما يستوحي منه وينتقي ما يخدم حاضر شعبه ومستقبل بلاده.

·  أهمية صياغة التاريخ مسرحياً :
من المعلوم أن للتاريخ جاذبيته الخاصة التي تشد الناس إليه في مختلف الظروف، وخاصةً العصبية منها، تماماً كما لماضي كل فرد منا نكهته الخاصة، لما للماضي وذكرياته، الحلوة و المرة، من وقع خاص في وجدان وعقل الإنسان. ويُعد الرجوع إلى التاريخ دائماً، للاطلاع عليه، ودراسته والتعلم منه وفهم الحاضر على أساس المتماثل مع أحداثه، ضرورة واجبة في كل زمان .
وتحقيق هذا الأمر مرهون بإمكانية إيصال التاريخ، بأحداثه وشخصياته، إلى الناس عامة، بطريقة يسيرة بعيدة عن جمود الدرس ورصانة البحث العلمي.
ويعتبر الفن عامة، والمسرح خاصة ً، ذو قدرة جاذبة وفعالة على إيصال أحداث التاريخ إلى أفئدة وعقول الناس عامةً، وذلك لما يمتاز به من جماهيرية في الاتصال, وتشويق في معالجة مواضيعه، وقدرة على جعل المشاهد يعايش التاريخ في شخصياته المتحركة والحية، وأحداثه الجارية أمامه، حتى يكاد يصبح ما شاهده جزءاً من تجربته الشخصية، بل ملتصقاً في روحه ووعيه، ولقد عبر الكاتب الفرنسي ستاندال بعد مشاهدته تمثيلية تاريخية عن أهمية ذلك بالقول 🙁 لو أتيح لنا أن نشاهد الحوادث الكبرى للتاريخ الفرنسي على هذا الوجه لخطت كوارثنا القومية بمداد من الدم في ذاكرتنا)”4″ ولقد بلغ به الحماس لهذا الامر أن أسس مسرحا ًخاصاً به أسماه، المسرح التاريخي، سعياً منه لوضع تاريخ فرنسا بكامله في القالب المسرحي، ولقد كان لمواطنه الكاتب “رومان رولان” تجربة في إعادة الشعب الفرنسي إلى تاريخه القومي عن طريق المسرح .

 موجبات استلهام التاريخ الكردي مسرحياً:
لم يشهد مسرح الحياة تاريخاً مشبعاً بالدراما المأساوية والعبثية مثل التاريخ الكردي. بمجريات أحداثه ومصائر شخصياته، فالخلاص الكردي الذي يشبه غودو لما يأت بعد رغم سلسلة النضالات والحروب والتضحيات وخيبات الانتظار المستمرة منذ زمن موغل في القدم وحتى يومنا هذا. 
وإذا كان الآخر قد غيب التاريخ الكردي عن عروض مسرح الحياة، الحضارية والسياسية والتاريخية والابداعية، فإن وجود المبدع الكردي متفرجاً سلبياً في صالة هذا المسرح قد سلب وعيه وهويته وساهم في استمرار تغييب تاريخه داخل الكواليس المعتمة.
ما حدث لتاريخ الكرد من تهميش وتشويه كبير وبالغ التأثير، ولكنه لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ، وذلك حين يجد من يخرجه من الكواليس ويمنحه فرصة الظهور على مسرح الحياة في كافة المجالات الفنية وغير الفنية. ولقد أثبت المسرح عبر تاريخه الطويل قدرته على المساهمة في إحياء التاريخ وإزالة ما علق به من تشويه.
وإذا كانت العناصر الدرامية التي يبحث عنها المسرحي الكردي من صراع وشخصيات درامية وأحداث ووقائع وزمان ومكان ومواضيع؛ ملقاة على قارعة طريق تاريخه بوفرة مدهشة، بدءاً بحدود دولة كردستان في مهاباد وبعدها بقليل أو كثير، وانتهاء بتراجيديا الامبراطورية الميدية وما قبلها من ممالك حورية، وما بينهما من أحداث ووقائع وسير شخصيات،
فإن رحلته هذه لن تكون ميسرة في طريق لم تعبد بعد بالأرشفة والتدوين والدرس، حيث تكثر فيها الشذرات المتفرقة والمواد الخام التي أسيء استعمال الكثير منها عن قصد أو جهل. إلى درجة يختلط فيها الواقعي بالخيالي والحقيقي بالوهمي. وهو واقع حال قد يفيد المبدع الذي يحسن استثماره في استلهام المادة التاريخية المتماثلة مع الحاضر في صياغة فنية عالية، وذلك بخلاف المؤرخ الدارس الذي سيضاعف هذا الأمر من جهوده.
ففي التاريخ الكردي الحديث والمدون ما يفي حاضراً بغرض المبدع، رغم عدم خلوه هو الآخر من شوائب الجهل والتجهيل. حيث نجد ذلك بقوة في تاريخ الامارات التي قامت في النصف الأول من القرن التاسع عشر وحياة الثورات التي عاصرتها أو تلتها، والتي أفرزت الكثير من الدلالات والعبر والدروس، يمكن للدارس والمبدع خاصة الاستفادة منها في بحثه عما يحقق الهدف الذي حدده من استلهام المادة التاريخية التي تناولها كالدور السلبي لبعض رجالات الدين والوعي الديني القاصر لدى أبناء الشعب الذي تجلى في ثورة المير محمد في رواندوز في بدايات القرن التسع عشر، من خلال ابراز الصراع العنيف الذي نشب في معسكر الثورة بين المير محمد الرافض للمفاوضات مع رشيد باشا قائد الحملة العسكرية التركية، والملا خاطي الذي كان لقوله ( كل من يقاتل ضد قوات السلطان كافر وزوجته بلا شرف) وتصريح رشيد باشا( كل من يقاتل جنود السلطان إنما يثير غضب الله) أثرهما في تجريد الثوار من سلاحهم وإفشال الثورة. وكذلك يمكن أن يجد المبدع الباحث عما يجسد مقولته عن دور المثقف الكردي المتخاذل في شخصية حسن خيري النائب في البرلمان التركي أبان ثورة الشيخ سعيد، الذي كافئه نظام أتاتورك بعد انكسار الثورة على ما قدمه من مساعدات في تهدئة أهالي ديرسم بالإعدام بحجة ارتدائه الزي الكردي أثناء جلسات البرلمان. وتم تنفيذ أمر الإعدام به وبابن أخيه رغم تأكيده لرئيس المحكمة إنما كان يفعل ذلك بطلب من أتاتورك نفسه. لا شك أن هذه الشخصية وما تمثله في الظروف المشابهة التي تتكرر في حياة الكرد وغير الكرد تحتاج من المبدع الحرص على تناميها وعدم قولبتها في إطار أحادي.
وفي تجربة جمهورية كردستان التي قامت في مهاباد عام 1946 وانهارت وهي لما تزل في المهد؛ الكثير مما يمكن أن يتم مسرحته. وذلك رغم غياب المنهجية عن المصادر التاريخية القليلة التي تناولتها بسرد اخباري وصفي. بسط الحدث وركز على نوع واحد من الصراع على حساب صراعات أخرى، مقتصراً من جبهتين اثنتين واحدة خيرة جداً والأخرى شريرة جداً، فجاءت شخصياته نمطية أحادية الجانب، تكاد كل واحدة منها أن تكون دمية تنطق بلسان كاتبها لا بلسان حالها. ناهيك عن القراءة المتحيزة والمؤدلجة لحدث الجمهورية أو أحداثها الفاعلة من قبل مؤرخين أو دارسين لها. فمسؤولية السوفييت مثلاً في انهيار الجمهورية لدى الأمريكي إيغلتن الابن كبيرة وأساسية، فيما هي غير ذلك لدى عبد الرحمن قاسملو رغم إقراره بالأخطاء الجسيمة التي أرتكبها ممثلو السوفييت في جمهوريتي كردستان وأذربيجان.         
يمكن أن يقال الكثير عن أسلوب تناول المؤرخ لهذه التجربة، ولكن ما يهمنا هنا هو كيف يمكن للمبدع أن يتناولها مسرحياً؟
لا شك أن تحديد الهدف العام لأي عمل أدبي أو مسرحي هو بمثابة خارطة الطريق للكاتب، فلو حدد المبدع هدفه بموقف السوفييت مثلاً، فإن ذلك سيتطلب منه التركيز على صراع يختلف عن صراع في مسرحية يكون هدفها دور العشائر الكردية في انهيار الجمهورية والتي منحها الشهيد قاسملو دوراً مركزياً، ففي المسرحية الأولى سيتم منح شخصيات مثل سكرتير الحزب الشيوعي الأذربيجاني والمتنفذ لدى السلطة السوفييتية جعفر باقروف والمستشار السياسي الروسي أسدوف مثلاً دوراً مركزياً على حساب تراجع أداور شخصيات أخرى مثل علي بك رئيس العشائر في ذلك الوقت ورجل العشيرة المناهض زيرو بك. فيما سيكون الأمر بخلاف ذلك حين تدور المقولة حول شخصية قاضي محمد. أحداثاً وشخصيات وحوارات وصراعات. وفي هذا الاتجاه يمكننا أن نقتطع هذا المشهد من مسرحية قاضي محمد التي كتبتها لهذه الغاية فقط. والمنشورة في مجلة شانو ( العدد 22 سنة 2011.
( المكان: قاعة محكمة عسكرية، يقف أمام منصة القاضي والمدعي العسكري كل من قاضي محمد وشقيقه أبو القاسم قاضي وابن عمه سيفي قاضي.) بعد حوار طويل نسبياً. يسخر المدعي العام من صدري قاضي ويعتبر كلامه استرحاما. ويصف الشعب الكردي بالهمج والغوغاء. فتحدث ضجة في المحكمة.
-سيفي قاضي: احتج.
-القاضي العسكري : صمتاً، صمتاً.
-قاضي محمد: ( يغضب، يرفع كرسيه ويضرب به المدعي الغام) الكرد ليسوا غوغاء أيها الأزعر، أحفاد صلاح الدين الأيوبي ومحمود الحفيد وأحمدي خاني وملا أحمد الجزري ليسوا غوغاء. إنهم شعب عريق.
( تغلو الضجة.. لغط)
-القاضي العسكري: صمتاً صمتاً
– المدعي العسكري: مجرم عميل.
– سيفي قاضي: مجرم من يوجه إهانة لشعب مسالم.
-القاضي العسكري: حكمت المحكمة.. صمتاً.
-عسكري : ( لقاضي محمد) اصمت يا رجل وإلا ضربتك.
– قاضي محمد : لن أصمت عن إهانة توجه لشعبي.
ثم ينطق القاضي العسكري وسط هذا الهرج والمرج بقرار إعدام قاضي محمد ورفيقيه سيفي وصدري.
لقد ركزت هذه المسرحية الموجهة للعائلة والمنعونة باسم قاضي محمد على مشاهد تبرز سماحة هذا الرجل وحبه لشعبه وسعة ثقافته وهو ما لم أفعله في مسرحيتي المسرحية مستمرة أو لنمثل مهاباد الموجهة للكبار. بدءاً بالعنوان ومروراً بالصراعات واختيار الأحداث ومنطق الشخصيات. 

·  شروط صياغة التاريخ مسرحياً :
ليست صياغة مادة تاريخية مسرحياً، كما يعتقد البعض ، بالأمر الهين، وإن كانت مغرية لما تحتويه من تسهيلات درامية كثيرة. فالظروف جاهزة والأحداث مكتملة، والشخوص حية ومعروفة .. ولكن العمل، ورغم ذلك، يحتاج إلى عناء الخلق والإبداع.
لا شك في أن استسهال الأمر من قبل الكاتب سينعكس لا محالة على نتاجه الفني الذي سيخرج عملاً مبسطاً جداً، بعيداً عن الصدق رغم مطابقته للمادة التاريخية، وسيسيئ أيضاً للتاريخ وللمتفرج أيضاً الذي ينفر من كل عمل فارغ من العمق الفكري أو الإسقاط الواقعي .
ومن أولى شروط استخدام المادة التاريخية في المسرح: التركيز على الخطوط الكبرى والشخصيات الأساسية، ومن ثم منحها مفاهيماً ومعاني جديدة ومعاصرة، إذ لا معنى من كتابة نص أو عرض مسرحية تاريخية كما وقعت أحداثها بالفعل في زمنها الماضي، بل كما يمكن أن تقع في زمننا الحاضر، أو في المستقبل، وذلك من خلال شحن الأحداث التاريخية بمعان معاصرة، أو ابراز ما تحتويه من إيحاءات لها علاقة ما بأحداث واقعية، أو ما له صدى في زمننا من أفكار ومبادئ، دون تزييف أو تزيين للتاريخ، بل كشفاً لحقائقه بوعي الفنان القارئ لأحداث الماضي بعين المعاصر. ومن أجل خلق عمل فني يعالج الحاضر ولا يسيء إلى الماضي .
فالعمل على صياغة مادة تاريخية مسرحيا هو أولاً ( دراسة متأنية للمادة وجميع مصادر وينابيع الأفكار السياسية والاتجاهات الفلسفية وظروف وحياة العصر وأعرافه) وثانياً (اختلاف جريء على أساس معرفة الحقائق، وهذا تصور فني خاص، وتدخل فاعل للفنان في التاريخ )”6″ .
وتعتبر تجربة وليم شكسبير ( 1564-1616) الذي اعتمد في استلهام مواضيع مسرحياته التاريخية على مجموعة من المؤرخين من أمثال:  ( بلوتارك، هولتشيد، وهول ) من أكثر التجارب نضوجاً  فقد  جاءت هذه المسرحيات التي وضعت اليد على الجوهري في حركة التاريخ: عميقة، نافذة، خالدة، انتصر فيها كاتبها للدراما على حساب التاريخ بأحداثه وشخصياته، تجاهلاً، أو صياغة جديدة، تلخيصاً أو تكثيفاً، وذلك من خلال عدة تقنيات تجلت في ضغط الزمن من سنوات إلى أيام، والأحداث العديدة إلى حدث واحد، وربما إلى خطبة، وإضافة مشاهد درامية متخيلة، وتغيير مصائر بعض الشخصيات التاريخية حسب مقتضيات الدراما، كما فعل في مسرحية يوليوس قيصر مثلاً التي دمج فيها معركتين في معركة واحدة، وأوقع اغتيال قيصر وتأبين أنتوني له وتلاوة الوصية ووصول “أوكتافيوس” إلى روما في يوم واحد، وهي في الحقيقة وقعت في أكثر من يوم من الشهر نفسه الذي جرت فيه هذه الأحداث، وبدل مكان مصرع يوليوس قيصر الذي قُتِلَ  حقيقة قرب مسرح بومبي  بمكان آخر هو أمام الكابيتول.

خاتمة كلام :
ليست مسرحة التاريخ نشراً للغسيل الوسخ، أو نبش المقابر، بل كشفاً وتعلماً، وملامسة للجوهري في حياتنا غير المنفصلة عن ماضينا، فثمة ما هو أبيض وأسود، مشرف ومخزي، بطولي وجبان في تاريخ وماضي شعبنا وشعوب الأرض قاطبة. وقد تمدنا مسرحة التاريخ بمعرفة وملكة تساهم في مشاركتنا بالتصدي لتاريخ لا يكف عن إعادة نفسه، مرة مهزلة، ومرة مأساة.

التراث بوصفه تاريخاً غير رسمي.
مدخل:
قد يكون التراث ذاكرة جمعية، أو تاريخاً حقيقياً، أو وهمياً، أو الخزان الذي يحوي في داخله سير وحكايات الإنس والجان، السادة والعبيد، الأبطال والأنذال، الخالدين من الآلهة والفانين من البشر، قد يكون ذلك كله، وهو في ما قد يكونه، يعتبر ماضي الشعب، جزءاً من ذاته، هويته، حلقة من سلسلة حلقات تاريخه، التاريخ غير المدون بأقلام الرسميين وكتبة السلاطين. هذا التاريخ الذي تتطلب إعادة كتابته، العودة إلى التراث، بصفته التاريخ غير الرسمي، الجامع لما هو واقعي وخيالي، وما هو حقيقي ووهمي، ليس بقصد إحياء ما حدث، بل بقصد تصحيح ما يحدث، أو ما قد يحدث، إضافة إلى مقاصد وغايات أخرى تتجاوز ما يتعلق بما هو تاريخي صرف.()

التراث ووعي الفنان:
لم يقطع المسرح طوال تاريخه الطويل الذي يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد حبل السرة مع التراث الذي ولد من رحمه، ليس وفاءً وطاعة، فلا شيء يفقد المسرح كينونته بقدر اتصافه بهاتين الصفتين أو الخصلتين، بل حاجةً إلى الأصالة والتغذية المستمرة رغم تعدد المصادر الذي ينهل منها مواضيعه وصيغه الفنية، وهو ما أدركه المسرح منذ البدايات الأولى له، وعبر عنها أسخيلوس أبو الدراما بقوله (إني أقنع بما يتساقط عن مائدة هوميروس من فتات) ومنذ ذلك التاريخ، ورغم ازدياد الموائد الحافلة بالمواد المختلفة، حرص المسرح على عدم الابتعاد عن مائدة التراث العامرة بما هو أسطوري وشعبي وديني وتاريخي، يأخذ منه ما يفيد حاضره وقضيته، ويضيف إليه أبعاداً جديدة من خلال رؤية معاصرة، تتجاوز التصور السكوني للتراث، المتحفي والمقدس، ولا تقتصر على نقل المعارف ومضامين المادة التراثية، بل تتجاوزها إلى تحقيق ما يخدم الحاضر والمستقبل في صيغة جمالية نابعة من ذاكرة الناس الجمعية. ومعبرة عن وجدانهم.  

-أهمية استلهام التراث الكردي مسرحياً:
قد لا يملك الكُرد شيئاً مميزاً وثرياً يؤكد أصالتهم كأمة وهويتهم كشعب قدر امتلاكهم للتراث، فقد وضع هذا الشعب كل مدّخراته الروحية من حكايات وأمثال وملاحم وغناء وأشكال فرجة في وعاء التراث وخابيته، ولايزال الكرد يثرون تراثهم غناءً ورقصاً وحكايات في زمن كفت فيه غالبية شعوب المعمورة التي غادرت الماضي عن فعل ذلك، في تفرد ناتج عن ما يشبه التعويض عن النقص الحاصل بفعل فاعل في حياة هذا الشعب، فبغياب أو تغييب الكلمة المكتوبة ومؤسساتها لم يجد الكُرد وسيلة أفضل من التراث بكل مفرداته وحقوله للتعبير عن أفراحهم وأحزانهم وأحلامهم.   
غير أن هذا الغنى، كماً وكيفاً، لم يجد من يحفظه كتابة وأرشفة ودراسة أو يستثمره في حقول ابداعية مثل الشعر والقصة والرواية أو يحسن صياغته في مجالات فنية مثل الرسم والنحت والمسرح والسينما،  
وإذا اتفقنا على أن المسرح وبما يملكه من صفات مشتركة مع التراث من حيوية وشعبية، من أكثر الفنون قدرة على تطويع المادة التراثية واستثمارها،  فإن العودة الواعية للمسرحي الكردي إلى ماضي شعبه، العودة الواعية والمحددة، زمناً وهدفاً، ستوفر له امكانية استبعاد ما هو جامد وسكوني، والتقاط كل ما له علاقة بمعاناته وقضيته وكشف (ما فيه من طاقات متفجرة قادرة على التجدد والاستمرار، ويفجر ما فيه من دلالات إيحائية)(رمضاني، مصطفى. توظيف التراث وإشكالية التأصيل في المسرح العربي. مجلة عالم الفكر الكويتية. المجلد السابع عشر. العدد الرابع.1987) وبغير ذلك لن يجني المسرحي سوى فشل مشروعه في الحاضر، وأسر عقله في مغارة الماضي.  
لا يتسع المجال هنا لذكر المواد التراثية القابلة للاستلهام، من حكايات وملاحم وأساطير وأعان، مثل حكاية درويشي عفدي، ومم ألان، وسيامند وخجي، وأسطورة كوماربي، ورشو داري. وقلعة دمدم. أو بعض أشكال الفرجة الجنينية التي يمكن الاستفادة منها في الصيغة الجمالية للعرض المسرحي. كأسلوب أداء بعض المهرجين من أمثال نادو ولطو وحليمو القريبة الشبة من فن المونودراما. ولعبة العريس الذي يصبح حاكماً مطلق الصلاحية حتى يدخل على عروسه، وبعض مسامرات القرويين مثل لعبة التاجر أو لعبة السرقة.

-سيامند وخجي:
تدور أحداث هذه الملحمة حول حياة فتى يتيم وفقير وما يلاقيه من ضروب الظلم في مجتمعه حيث تكون البداية في بيت عمه الذي يلقى فيه قسوة امرأة العم خاصة حتى يأتي اليوم الذي يقرر فيه الانتقام منها ومن عمه ومن كل مجتمع قريته. وتكون البداية بخدعة تجعل امرأة عمه تنحر الجاموسة الوحيدة التي يملكها العم وطبخ لحمها نار وقودها من خشب سقف بيتها الذي هدمته. ويُطرد سيامند من البيت عندما يعود العم من الحقل وتنكشف له خدعة سيامند. وفي البرية التي يتخذها مسكناً له يستمر في ممارسة الشقاوة فيقطع آذان الحمير ويجدع أنوف البقر ويكسر قرون الماعز، ويضيق أهل القرية ذرعاً به وبأفعاله، وحين يشتد حصارهم له، ويزوره سيدنا خضر في المنام ويطلب منه مغادرة القرية ويطمئنه أنه لن يموت على يد مخلوق بشري، فيغادر هذا الشقي القرية وقد أزداد شقاوة وثقة بالنفس، بقتل الغلمان أول قرية يحل بها لأتفه سبب ثم يتطور الأمر معه ليقاتل محمد أغا جابي ضرائب السلطان ويستولي على قافلته، فيدين له الجميع بالولاء، وتتحول الشقاوة والثقة إلى بطش وغرور، يتعرف بعدها على صياد عصافير ويعقد معه علاقة صداقة متينة أساسها الاستمرار في ممارسة الشقاوة وإيقاع الأذى بالآخرين، يقاتل القدر ( المؤنث كردياً) وينتصر عليها ثم يقتل أخوة  خجي التي شاهدها في المنام وفي جبال سيبان خلاتي الذي يفر إليه مع محبوبته وعندما يخلد إلى النوم متوسداً فخذ خجي تشاهد خجي وعل يهاجم سبع أيائل وينتزع منهم واحدة من الأيائل، الأمر الذي يجعلها تتذكر ما حدث لها فتسقط دمعة من عينيها على وجه سيامند الذي يقرر بعد أن ينهض من نومه ويقرر بعد أن يسمع رواية خجي عما حدث، ملاحقة الوعل واثناء صراعه مع الوعل وقتله يركل الحيوان الجريح فيسقط من أعلى قمة الجبل إلى أسفله ليستقر جسده على شجرة وقد ممزق الجسد .
 
التحليل:
إن قراءة متأنية لهذه الملحمة التي أولى المتلقي جانب الحب بين سيامند وخجي تسمية وقيمة، الاهتمام الأكبر على حساب باقي الجوانب التي كانت، وحسب أحداثها، أكثر أهمية وتأثيراً وفاعلية، ورغم ذلك يمكن استخلاص الكثير من الأفكار والقيم من تضاعيف هذه الملحمة الشعبية. والتي توفر  للمسرحي وكل مبدع حرية التصرف. الشخصية الرئيسية فيه ليست نمطية، بل شخصية نامية وحية بكل ما فيها من تناقضات، طيبة وعنف، إخلاص للصديق وشك فيه، وشرف وفسوق،  وعشق كبير لخجي وقتل لأخوتها. ولعل ذلك يعكس بعض التناقض الكائن في مجتمعه، والذي يتجلى في التعامل مع الدين مثلاً، والمتمثل هتا برمزين دينين معروفين هما القدر وسيدنا خضر، يحارب الأولى أو القدر المؤنث كردياً، ويطيع الثاني الذي تنبأ له بعدم الموت على يد مخلوق بشري. بمغادرة وطنه القرية.   إنها ملحمة تدور حول شقاوة رجل دفعه الظلم إلى الشقاوة و دفعته الشقاوة إلى ظلم الآخرين ودفعه جبروته إلى الغرور وأوصله الغرور إلى السقوط من أعلى وتمزيق جسده بفعل ركلة حيوان وهو البطل الذي لا مثيل له. في التفاتة ذكية من الراوي الشعبي لتحديد مصير من يتجاوز شرطه الإنساني، ويتشبه بالإلهة تماماً كما فعلت الميثولوجيا الإغريقية التي منحت مورس أو القدر سلطة عليا تفوق سلطة زوس رب الأرباب نفسه. ليتدخل في النهاية ويعاقب كل من يصاب بعلة الغرور.

-الأفكار والقيم الرئيسية:
 إذا كان من الخطأ تقديم أي حكاية أو مادة فولكلورية في شكلها الخام، دون تدخل من قبل المبدع فإن ملحمة سيامند( وأنا أقول سيامند  دون ذكر اسم خجي كما هو متعارف عليه ، لغياب حضور خجي في الملحمة كما غابت أي أنثى عدا القدر الكائن غير البشري، وقد تغلب عليه
أو عليها سيامند الرجل الذكر.) تحوي كماً كبيراً من الأفكار والأحداث والقيم غير المنسجمة منطقاً وغير الصالحة واقعاً ومن أبرز هذه الأفكار:
–  التربية القاسية تنج طفلاً شقياً والطفل الشقي مشروع رجل متطرف أو قائد ظالم وفي الواقع والميثولوجيا أمثلة الكثيرة( صدام حسين، ستالين. هتلر.. أوديب، أخيل)
–  الغرور علة لا تسيء إلى المجتمع فقط بل تقتل صاحبها
–  الانتقام ليس الخيار الوحيد والناجح في رد المظالم
– مساهمة المجتمع في إفساد الفرد.
وأهداف ومقولات أخرى كثيرة ستحدد للمبدع الحدث أو الأحداث المناسبة لها، كما ستحدد طرفي الصراع أو التركيز عليهما على حساب صراعات أخرى يمكن إلغاءها أو التقليل من دورها. رغم توفر أنواع كثيرة من الصراعات: عامودية وأفقية وداخلية وعفوية التي تتمثل في مواجهة العفوية البشرية للقدر، وإبراز ذلك كله من خلال حوارات لا تلتزم بالضرورة بما هو وارد في النص الأصلي لمناسبته لزمن الحكاية وليس الزمن الحالي الذي يكتب المبدع له ومن أجله.
إن تعدد القراءات لهذا المنتوج التراثي سيغني المادة نفسها ويجعل منها منطلقاً وحلقة في سلسلة حلقات مترابطة تربط الماضي بالحاضر ومن ثم المستقبل، وتستلهم رؤاه وتستفيد من حقائقه بما يفيد الحاضر أولاً معاناة وقضية. وذلك كسر كل ما يحيط به من هالات القداسة والصنمية.
بعض أشكال الفرجة:

هوامش ومراجع :
1-  شايلد، جوردن : التاريخ، ترجمة : عدلي برسوم عبد الملك، الدار المصرية، ص66
2-  يؤكد شايلد بأن التاريخ لا يجري في طريق مرسوم بل يحدد مجراه أثناء سيره .المرجع السابق. ص 117
3-  اليكست ، آ : الدراما عند هيجل. ترجمة : ضيف الله مراد، علا للصحافة والطباعة  والتوزيع . ص 19
4-   شانصوريل ، ليون : تاريخ المسرح، ترجمة خليل شرف الدين ونعمان أباظة، منشورات عويدات. ص 83
5-  مقدمة الناقد الإنكليزي : كينيث ميوار لمسرحية ماكبث . راجع : المآسي الكبرى، شكسبير، ترجمة جبرا ابراهيم جبرا .
6-  لاوبوتوف، يوريس : ترجمة العمل على مسرحية تاريخية. ترجمة : د. حسين  جمعة. مجلة “الأقلام العربية ” العراقية، العدد الأول، السنة الخامسة، ص 26

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…