بقلم: سما حسين
– منذ أن كنت صغيرة أتذكر نفسي أنني دائماً كنت أدافع عن النساء وعن حقوقهن … عندما كنت أتابع المسلسلات التلفزيونية أجد نفسي متعلقة كثيرا ببطلة المسلسل , ومعجبة بها عندما كانت تمثل دور امرأة جريئة وقوية في الدفاع عن حقوقها , نعم حاولت قدر الامكان أن لا أترك أمامي حواجز تمنعني عن المضي قدماً في سبيل تحقيق أحلامي , كنت ولازلت أجد كل هذا التمرد حقاً لي منحنيه الله سبحانه وتعالى, وأنه لا توجد أية قوة على وجه الأرض يمكن أن تشكل أمامي سداً يعوقني عن الوصول الى مبتغاي, وخاصة عندما كنت أجد نفسي واثقة تماماً من أن أهدافي نبيلة ولا توجد أية شائبة أخلا قية
يمكن أن تشوب صفحتي التي طالما حاولت أن تظل بيضاء أمام الله وأمام الأعراف والتقاليد الحميدة التي توارثناها عن أسلافنا
ولكن دائماً كنت أسعى وأنا أحاول أن أطور من ذاتي وأبلغ ما أريدفي مسيرتي التي لا تزال قصيرة جداً والتي لم أحقق فيها بعد الا الشئ البسيط الذي لا يذكر, وعلى الرغم من ذلك كنت أسعى أن ترتفع معي شريحة كبيرة من النّسوة اللواتي يحطن بي, كنت أحاول جاهدةً أن تعمّ الفائدة التي أحصل عليها في حياتي الجميع مهما كانت صغيرة, أرغب أن يمس الخير كل صديقاتي وأحبائي من الفتيات اللواتي أجدهن يظلمن أنفسهن ويضعن القيود على عقولهن بأساليب أقسى بكثير من الأساليب التي يضعها عليهن المحيط الخارجي …..
رغبتي بعد هذه المقدمة الطويلة على الرغم من أنّي أجدها بعيدة عن الموضوع الذي سأتناوله, هي أن لا تعتقد أيّة امرأة أن لدي مشكلة مع النّساء,لا بالعكس علاقتي مع المحيط النسوي علاقة مفعمة بالمودة والألفة فأنا أولاً وأخيراً امرأة من هذا المحيط.
– ولكن كلّ ذلك لا يمنع من قول الحقيقة وان كانت كما يقول المثل الشعبي مرّةً أحياناً, غير أنّه من الأفضل لنا أن نواجه سلبيات مجتمعاتنا أكثر من التصفيق والمديح لها, لأنّ ذلك سيجعلنا نتوقف عن المعالجة وبالتالي ستستشري بيننا الأمراض الاجتماعية أكثر فأكثر, وهو ما يؤدي دائماً الى التأخر عن ركب مسيرة التطور.
– أحب الان أن أتعرض معكم الى ظاهرة – هذا ان صحّ تسميتها ظاهرة – وهي الكذب المؤدي الى التصنع والخروج عن الشخصية الحقيقية للانسان خاصة ًفي المجتمع النسوي .
– كنت صغيرة جداً عندما بدأت أجالس النسوة الكبار وربما أدّى ذلك نوعاً ما الى تفتّح ذهني على كثيرٍ من هموم ومشاكل المجتمع في فترات مبكرة جدا من حياتي جعلتني أحمل هموم والام النساء بشكل يكبر سني ويتجاوزها بمسافات واسعة, وذلك جعلني أشعر وأنا في سن المراهقة وكأني امرأة في الخمسينات من عمرها, نعم كنت أتألم وأنا أجد الجهد الذي تبذله كل امرأة وهي لا تبذله الا من أجل أن تبيّن للمجلس أنها مثقفة أو غنية ؟ أو مدللة عند زوجها , أو أنها تنتمي الى طبقةٍ اجتماعيةٍ مرموقةٍ, أو أنّ أولادها خارقي الذكاء غير أنّ الظروف المحيطة بهم تحبط معنوياتهم وتؤخرهم عن الوصول الى مستوى التفوق .. أو أرى احدى النساء الدميمات الشكل) وليس هذا عيباً (وتصف نفسها وهي الانسانة الأمية بعد أن حصلت بشق النفس على زوج مثلها , أن العرسان كان لا ينقطع توافدهم عن بيت أهلها,وأجد أخرى تتظاهر بأشكال وأنواع البروتوكولات ولا تكاد تستخدم تلك التفاصيل في حركاتها وسكناتها وطريقة تناولها للطعام والشراب الا بشكلٍ متخبط, فلا تحسن أي شئ, تجدها ضائعةً بين طبيعة شخصيتها الحقيقية وبين الشخصية التي تتصنعها لتظهر على هيئة شخصية جديدة رسمها له خيالها الواسع.
كنت أتالم كثيراً عندما أرى هذه المشاهد التي تفوح منها رائحة العفن والتصنّع, لماذا كلنا نعرف حقيقة أنفسنا, وليس بالأمر العسير أن نكتشف حقيقة غيرنا, وخاصةً عندما تمر بنا السّنون في حياتنا المليئة بالضجيج والأحداث الجديدة, لماذا يا ترى دائماً نحاول أن نكون مخادعين وكاذبين في كل شئ ؟؟؟
ما العيب أن لا تكون احدانا سيدة الحسن والجمال, أليس الله هو خالقنا ؟؟الجمال الظاهري ليس شيئاً جوهريّاً ) الجمال أولاً وأخيرا ً هو جمال الروح والخلق) لماذا تحاول الكثير من النساء أن يخدعن الاخرين بجمالٍ مزيفٍ قابلٍ للزوال عند أول استحمام ,لماذا تحاول احدانا دائماً أن تثبت نفسها أنّها الأكثر عزّاً وجاهاً عندما تحلف مئة يمينٍ كاذب أن ثوبها الفلاني بمبلغ باهظ وهو في الحقيقة ليس كذلك , هل تصرف كهذا يثبت ذواتنا أمام الاخرين؟؟ لا بالعكس صاحبة الموقف والمرافقات لها في المجلس يعلمن أنّ ما يقال ليس حقيقة, ولكن ماذا نفعل عندما يصبح الكذب عادة أو بالأحرى اكمالاً لبروتوكول المجلس هل يا ترى أصبح الفارق المادي هو مقياس التفاضل بين النساء, ألم تكن السيدة فاطمة سيدة نساء العالمين زوجة الامام علي رضي الله عنه خليفة المسلمين وابنة نبي الأمة الاسلامية أفضل الخلق في الأولين والأخرين وأم الحسنين هل كان ضيق عيشها ينقص من قيمتها في المجتمع؟؟؟ ألم تكن من أكثر من يعاني صعوبة المعيشة .
– لماذا أنت أيتها المرأة المسكينة التي لم تسنح لك الحياة الفرصة للتعلم تحاولين دائما أن تخدعي الأخرين بعباراتٍ جذابة تحمل بين جوانحها ثقافة مصطنعة لا تنبع من ذاتك , لتثبتي بها خلاف شخصيتك الحقيقية.
– أنصحك أن يكون البديل عن تصرفك هذا هو اتخاذك لقرار عملي يغير لك مسيرة حياتك, وهو أن تبدئي بالتعلم حالاً وباتخاذ خطوات جدية في حياتك تجعل منك امرأة تستحق فعلا ً المكانة التي تحاولين أداء شخصيتها بشكل تمثيلي, لا داعي أن تزخرفي المجلس بعباراتك التي تعود بالمجلس الى الوراء, ربّما تؤثرين بشكلٍ سلبي في الاخرين وذلك يعود بالتالي بالضر والسوء على الناس ,نحن لا نحاسب أنفسنا على كثيرٍ من الأمور التي نتحاور فيها قبل أن نتخبط ونتلخبط في عباراتنا ونكذب, الكذب والتصنّع والخيال المحض لم يكن في أية لحظة من حياتنا منجاةً من أوضاعنا السيئة, أستغرب كثيراً رؤيتي لمثل هذه النماذج المريضة .
– ترى كيف يستطيع بعض الناس اتقان الكذب واللف والدوران الى هذا الحد.
أناشدكم بالله يا نساء مجتمعي أن لا تتأثروا بهذا الزيف في التعامل, حاولوا أرجوكم أن تحافظوا على طبيعتكم وشخصياتكم الحقيقية, ولا يتصور أحدنا أن بامكانه الوصول الى ما يريد بهذه الأساليب الملتوية, يقول المثل الشعبي) حبل الكذب قصير) .
التمثيل فن ٌ يمارسه الفنانون على شاشات التلفاز والسينما, لا داعي أن تتحول حياتنا الاجتماعية الطيبة الى مسلسلات – الرقي والمستوى الرفيع لا يكون بالتظاهر, وانما يكون باكتساب الصفات التي تجعلنا أهلاً لتلك الصفات, والتي لا بدَ أن تكون موجودة فعلاً في الشخصية لتعكس صورة الصفات الجميلة الموجودة في الداخل وتظهرها للعالم الخارجي, فتبدو على الانسان بشكل تلقائي دون أن يبذل أدنى جهد في ابرازها .
لم يكن الكذب يوماً منجاةً من مأزق,يقول الرسول عليه الصلاة والسلام :
الصدق منجاة ويقول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة, وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً) .متفق عليه واللفظ لمسلم ,ويقول الله تعالى في كتابه العزيز (ألم ترى كيف ضرب الله مثلاً كلمةًًًً طيبة كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كلّ حينٍ باذن ربها ويضربُ الله الأمثالَ للنّاس لعلّهم يتذكرون ومثلُ كلمةٍ خبيثة كشجرةٍ خبيثة اجتُثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبّت الله اللذين أمنوا بالقول الثابت في الدنيا وفي الاخرة ويضلّ الله الظالمين ويفعل ما يشاء).
– لا أعرف تماماً الى ماذا يمكن أن نُرجع مثل هذه الظواهر, وما الذي يودي بنا الى استخدام الأساليب الملتوية في الكلام, هل هو قلة الوعي أم البعد عن العادات والتقاليد الحميدة التي توارثناها عن أجدادنا؟ أم هو ضعف الوازع الديني هذا الدين الذي حرم الكذب بكل أشكاله وأنواعه وأكبر دليل على ذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي نقله الامام مالك في مُؤطئه فقد روي أنه قيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام أيكون المؤمن جبانا ً فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً قال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذاباً فقال لا.
نعم حرم الدين الاسلامي الكذب بكل أنواعه هذا الدين الذي دارت رحى حضارته دائماً على محور الأخلاق وكلنا يعلم أن الأخلاق عند جميع الأمم ترفض الكذب والنفاق.
– فاذا ما كانت حضارات أخرى قد أرست قواعدها في المقام الاول على الفن أو على العلم والفلسفة, فان الحضارة الاسلامية قد اختارت الأخلاق أساسا ًلها, مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها أي مجتمع من المجتمعات , ومتى فقدت الأخلاق التي هي الوسط الذي لا بد منه لانسجام الانسان مع أخيه الانسان تفكك أفراد المجتمع وتصارعوا وتناهبوا مصالحهم, ثم أدّى بهم ذلك الى الانهيار ثم الى الدمار, أبعد الله مجتمعاتنا عن كل ما يؤذيها, لأنها لا زالت تحمل بين طياتها الكثير من القيم الفاضلة فلا تستحق ولا بأي وجهٍ من الوجوه أن يكون مصيرها الدمار بل الأمل دائماً أن تكون في القمة