دلكش مرعي
بناء الإنسان هو الاساس
إذا غاب العقل ظهرت الخرافة وإذا ساد الخرافة ضاع العقل – سبينوز –
أن من بين أهم الأخطاء التي مارسها الحركات السياسية والثقافية في هذه المنطقة ومن ضمنها الأحزاب الكردية والعديد من المثقفين الكرد هو اعتمادهم على الوصفات والصيغ السياسية والثقافية الجاهزة التي استوردت من الخارج واعتمدت هذه الوصفات كحلول وجرعات دواء لمعظم أمراضنا الاجتماعية وكدواء لمعظم القضايا الشائكة كقضايا التخلف السياسي والاقتصادي والثقافي والتخلف الاجتماعي وغيرها من القضايا الت
وظلت التوجه إلى لب المشكلة وتلمس جوهرها أي التوجه إلى بناء الإنسان ذاته بمنهج علمي حديث وتحريره من القيم المتخلفة والمتعفنة التي اوصل هذه الشعوب إلى هذا الواقع الأليم ظل هذا التوجه شبه غائب عن الساحة السياسية والثقافية وبعيدة عن مبضع النقد وقد أعتقد العديد من المثقفين والسياسيين من أبناء هذه الشعوب ومن أبناء الشعب الكردي بأن اللجوء إلى ذات السياسات والثقافات والديناميات التي انتجت العلوم والمعرفة والتحضر لدى بعض الشعوب اعتقدوا بأن هي ذاتها ستحرك الشعوب المتخلفة وستحقق ما حققه الشعوب المذكورة وقد تجاهل هؤلاء بأن الشعوب المتطورة لم تحقق هذه النهضة العلمية إلا بعد أن حرر شعوبها من القيم والعقائد المتخلفة وجسد في مجتمعاتها قيماً معرفية علمية حديثة جسد لخدمة الإنسان وطموحه ورغباته وجسد عبرها حرية الانسان اجتماعياً ودستورياً في مجتمعاتها عبر عقد اجتماعي التزم بها الجميع … ومن أجل الوصول إلى تحقيق هذه النهضة التي حدثت في الغرب تم استيراد قشور معظم السياسات والثقافات دون الجوهر من قبل الحركات السياسية والنخب الثقافية في هذه المنطقة وصب قشور هذه الثقافات والخطط كقوالب جاهزة على الأرضية الهشة والمتصدعة للتراث المتخلف لهذه لشعوب أي ظلت القيم والعقائد المتخلفة هي المسيطرة وهي السائدة وهي المعتمدة ولم يتعرض لأي تغير أو تبديل مما أدى إلى فشل معظم هذه المحاولات وإخفاقها ولم تحقق إلا نسباً بسيطة في هذا التوجه ناهيك بأن جملة هذه المفاهيم والقيم المستوردة كانت تلقن تلقينا نظريا أو شفهياً كمواعظ الملالي إلى مسامع الناس أي كان هناك اهمال شبه كامل في تنشئة الإنسان ذاته تنشئة علمية معاصرة وتنشئة الجيل الشاب والاهتمام ببنائهم الفكري عبر تربية صحيحة وعلى أسس علمية سليمة تحقق حريتهم وطموحهم ورغباتهم في هذا الحياة
وكمثال للتوضيح فقد ظن معظم شعوب المنطقة من الذين حققوا استقلالهم السياسي اعتقدوا بأن هذا الاستقلال سـتؤمن لهم الأمان والرخاء والتطور والازدهار والعيش الرغيد ولم يدرك هذه الشعوب بأن التراث بقيمه وعقائده المتخلفة هو احتلال بذاته هو احتلالٌ أكثر خطراً بكثير من أحتلال الاستعمار على مستقبل هذه الشعوب وهو ذاته كان وراء ضعفهم وتخلفهم وبأن قيم هذا التراث هو الذي ادى إلى تعرضهم للاحتلال الخارجي ولم يدركوا بأن هذا التراث سينتج بعد الاستقلال استعماراً داخلياً من لحمهم ودمهم وسيكون أشد ظلماً واستبداداً وطغياناً وهمجية من الاستعمار الخارجي وما يجري في سوريا من مجازر وحشية من قبل النظام وما جرى في العديد من دول المنطقة تأكد على نتاج هذه التراث والعلل الكامنة في بنيته ….. فالتناقضات الاجتماعية والظلم الاجتماعي والتخلف الحضاري هي نتاج قيم الشعوب وعادتها وعقائدها فكيف سيمنح الجيل القديم الهرم بقيمهم ومعتقداتهم ونهجهم السياسي المترهل على سبيل المثال أعطاء الحرية للجيل الشاب أو الاعتراف بدورهم أو الاعتراف بمكانة المرأة لتمارس دورها الطبيعي في المجتمع بينما هذا الجيل ذاته مكبل من قمة رأسه إلى أخمص قدمه بقيود وعقائد وقيم وعادات متخلفة تمخضت من إرث الاستبداد الشرقي هذا الارث الذي يكبل ويعطل ملكات التفكير السليم في الدماغ البشري …
فالفوضى السائدة على الساحة الكردية في هذا المرحلة المصيرية التي تشكل خطر جدياً على مستقبل الشعب الكردي في سوريا فأن هذه الفوضى هي ليست حالة قدرية مقدرة من السماء تقرر مصير هذا الشعب بل هي نتاج قيم وتراث القوى السياسية الكردية التي اكتسبتها عبر قيم التربية من قيم تراث الاباء والأجداد هذا الإرث الذي لم ينتج للشعب الكردي سوى الاحتلال المتكرر لكردستان عبر قرون وقروناً من الزمن ..