الشعر في إعلام الأطفال

  صهيب محمد خير يوسف

تعتبر قنوات الأطفال الفضائية بوابةً للمشاهد الصغير يتعرف من خلالها على الثقافات والبيئات ويتلقى منها المعارف والآداب. وقد حظي شعر الأطفال الفصيح بمساحة لا بأس بها من البث المتواصل الذي تقدمه هذه القنوات، فأصبحت القصائد تعرض أمامهم وتُردد على مسامعهم كأناشيد أو شارات على مدار اليوم، ليستمر التفاعل والتأثير والتأثر بين الطرفين مدةً أطول بسبب اقتران النص الشعري بالعديد من عناصر الجذب إلى الرسائل الإيجابية المنبعثة معه، ويُعد ذلك استثماراً للغة والإيقاعات والمشاعر المصاحبة في تنمية الطفل.
ونظراً لعدم وجود فضائيات أطفال متخصصة في التنمية اللغوية والأدبية تحديداً، فإن القنوات المتاحة تقوم ضمناً بإشاعة ونشر أدب وشعر الأطفال بطرق إخراجية متنوعة وبالكثير من المضامين متفاوتة الجودة، مما جعل الشعر يشكِّل جزءًا من مهام هذا الإعلام السمعبصري الأكثر جذباً للطفل من بين وسائل الإعلام. وقد تجاوزت بعض هذه القنوات عدة مراحل من النجاح في تطوير الشعر الطفلي، ليصبح قادراً على أداء دوره التربوي والأدبي والتثقيفي والترفيهي، ويلبي رغبات الطفل واحتياجاته ويسهم في بناء مستقبله. وبذلك صار الشعر من أنواع الفنون التعليمية الهادفة التي يقدمها الفضاء للطفل، هذا الشعر المطوَّر الذي استطاع أن يقترب أكثر من الطفل وينجح في التعبير عن طفولته.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أسماء لشعراء تخصصوا في الكتابة للتلفزيون، وربما لم يصدر للكثير منهم مجموعات شعرية مطبوعة للنشء، إلا أنهم يعملون بوعي ودقة شديدة، وقد شكَّلوا أدباً فيه خصوصية، وتنوعٌ إبداعي، وتطويرٌ حقيقي، واكتمال للأركان والشروط؛ مما يؤهله للتناول، وربما يبرر لنا أن نسميه بشعر الأطفال الإعلامي، كتمييز لهذا النوع الشعري الذي كثيراً ما تختلف أساليب كتابته عن أساليب كتابة قصيدة الطفل المطبوعة والمسموعة. ومن خلال تجربتي في الكتابة لبعض قنوات الأطفال، عرفت مدى الصعوبة التي تواجه الشاعر حتى يكتب نصًّا يمكن أن يتم إخراجه بالمشاهد الحية أو الرسم الكرتوني أو الرسم ثلاثي الأبعاد، وهذه الصعوبة هي أحد مكامن القوة في هذا النوع الشعري.
إن الطفل – كمستقبِل لرسالة الإعلام الهادف – يطمح إلى أن يعرف المسؤولون عن هذه الفضائيات القيمةَ الحقيقية للشعر والمكانة الكبيرة للإنشاد لدى الطفل، فيهتموا بثقافة الصورة، وجماليات الكلمة، وتنويع وتجديد المضمون، وزيادة الإبداع والابتكار في طرق الإخراج والصوتيات، ثم يبثوا كل ذلك من خلال برامج وحملات إعلامية تربوية مخططٍ لها بعناية وبعيدة عن الطرح العشوائي، بحيث تدعم منظومة القيم الاجتماعية والإنسانية والأخلاق والمهارات الحياتية.
أما إذا أردنا الحديث عن معايير الجودة التي يحتكم إليها الطفل عند مشاهدة أنشودةٍ ما، فربما يحتل المرتبة الأولى عنده إخراجُ النشيد وجمالياته الفنية والصوتية وعناصر البهجة التي تتضمنه، لذلك نجحت بعض القنوات في استقطاب أطفالٍ قادمين من قنوات أخرى استهلاكية ربما حرصت على المضمون ولكنها لم تواكب التطور المظهري العام لإعلام الطفل الحديث، فأصبحت بذلك محصورة في نطاق ضيق بسبب التقليدية وضعف الأداء والإخراج وتكرار الأفكار وعدم الإبداع، وهذه ظاهرة غير صحيَّة ولا تواكب الرؤى التي يطمح إليها إعلام الأطفال. وهنا أشير إلى ما تتضمنه بعض النصوص المؤدَّاة من أفكار خاطئة ومشاهد سلبية تضر بسلوكَات الطفل وأخلاقه ومبادئه التي يسعى إعلام الطفل إلى تعزيزها وتنميتها، فلا بد من معالجة ذلك حتى لا يُستغل حب الأطفال للإنشاد بطرق غير سليمة.
إن تقديم الدعم للإعلام الهادف الموجه إلى الطفل أهمُّ من تقديمه إلى مصارف إعلامية وثقافية قد لا تعود بفائدة عليه. كما أن زيادة الدعم بأنواعه، مع مراعاة الأولويات، يؤدي إلى رفع نسبة التجديد والإبداع والإنتاجية فيما يقدمه إعلام الأطفال. وكم تسعدنا رؤية قنواتٍ معروفة بذلت – على قلة مواردها – جهداً كبيراً في تطوير مضامين أدب الأطفال وتنويع طرق إخراجه؛ سعياً لتحقيق مصلحة الطفل التي انطلق من أجلها هذا الإعلام.
وهذه دعوة للتشارك في المسؤولية بين المؤسسات الثقافية والإعلامية والأفراد المهتمين، لتكثيف ورش العمل والندوات في هذا المجال، ولرصد هذا الشعر، ونقده أدبيًّا وفكريًّا، ودراسة مستوياته وأنواعه ومساحاته، وتطويره وتحليل مضمونه وخطابه، وقياس مدى فعاليته ونفعه حسب الشرائح المستهدفة، وتوجيهه وَفْق معايير وضوابط. وفي سبيل ذلك نحتاج إلى الاهتمام الجاد، وإزالة العوائق والصعوبات، واستقطاب أصحاب الكفاءة من التربويين والإعلاميين والأدباء ومحترفي الكتابة للنشء، كما نحتاج إلى إحصاءات حول الشعراء والقصائد التي بُثت في فضاء الطفل، وذلك بالتنسيق مع هيئات الإذاعة والتلفزيون والجهات المهتمة بأدب الطفولة وثقافتها. ونطمح أيضاً إلى تدوين هذا الشعر وجمع متناثره في دواوين حتى لا يُفقد أو يبقى شفاهيًّا، مع استبعاد المكرر وغير المناسب، ليدخل في مجال الأدب المكتوب القابل للدراسة والمقاربة النقدية.
* للتواصل مع الكاتب:  suhaibmy@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…