مكتبة إبراهيم محمود للبيع

 إبراهيم محمود

ترددت كثيراً في الكتابة حول شأن خاص بي، ولكنني لم أجد بداً من ذلك، لأن ثمة ما هو عام أيضاً، حيث الموضوع لا يتوقف على ما هو شخصي فقط، وهو أنني حاولت طوال عقود زمنية مديدة، أن أبقي الكتاب الذي كنت أحصّله من هنا وهناك خير جليس لي، وكثيراً ما كان يتم ذلك على حساب اللقمة التي يحتاجها أفراد أسرتي وبطرق شتى، إلا أنني كنت أغض الطرف عن كل المنغصات المرافقة، ربما شعوراً مني أن الوضع سرعان ما يتحسن.

وشعوراً مني بمسئوليتي العائلية، ولأن” الأولاد كبروا” كما يقال، ولم أحقق ما هو مرجو ولو في الحد الأدنى لهم، ربما لأنني حاولت المستحيل في أن أكون وفياً لما كنت أخطط له بيني وبين نفسي، وأظنني ملتزماً بهذا الخط حتى الآن، إلا أنني أجدني مضطراً في أن أضحي بهذا الكتاب الذي رافقني طويلاً، ومنحني الكثير من سجاياه، دون أن أخفي عن أنني دفعت ضريبته تباعاً وكثيراً وبأكثر من معنى. ولأنني أعترف أنني لم أجن ِمن الكتاب إلا المردود الجارح في وسطي وتكتماً على ما هو عليه هذا الوضع الذي أعيشه، حيث إلحاحات الأولاد، وقد باتوا شباباً، تتضاعف صباح مساء، لهذا، فإنني أعرض كامل مكتبتي وبالجملة- طبعاً- للبيع، لعلي بذلك أستطيع أن أوفّر بعضاً مما يحتاجه أولادي” الكبار” كغيرهم.

إنها الوسيلة الوحيدة التي أجدني مسمياً إياها دون مواربة، الوسيلة التي تبقي الكتاب في مقام قربان لغرض لا أعتقده خيانة للكتاب بالذات، وإنما لسان حال من أفقدَه واقعه الحيلة والوسيلة اللازمتين ليعيش كغيره في وضع أهدأ.

أعلن ذلك، وعبر الصفحة الضوئية، ليس من باب التوسل إلى أحد، أي أحد، أو الشحادة، كما سيعتقد البعض، فالكتب كتبي، وصلتي بالكتاب لن تنقطع، وكذلك الكتابة، ولكنها المحاولة الوحيدة، للإفصاح عما تكون عليه علاقتي بعائلتي وأولادي.

لست – طبعاً- ومجدداً، في مقام طائر الباتروس، لأنزف دمي حلوى أو قوتاً وتحقيق أمنيات لمن ينظرون إلي الأب القادر على تحقيق المعجزات، وهي نظرة مقدَّرة، وطاعنة في القلب، لأن دمي أهدر كثيراً باسم الكتاب والكتابة، وليكون الكتاب هو الإمكان الوحيد، وليس من وسيلة أخرى، على الأقل، ليشعر من أنا معني بهم، أن ما هو أغلى لدي منذور لهم.

شكراً للذين سيتفهمون طبيعة هذه الخطوة، أصدقاءً وأحبة، وطبيعة شعوري الذي يضيق الواقع عليه خناقاً باضطراد.

وحتى إن لم يتحقق ما أصبو إليه، فإنني على الأقل، أكون قد قدَّمت ما أستطيعه كأب رهين واجباته العائلية.

3-9/2012 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…