أوميد عبد الكريم الإبراهيم
تُعرف الإعاقة بأنها حالةٌ تحدُ من قدرة الفرد على القيام بوظيفة واحدة أو أكثر من الوظائف التي تُعتبر أساسية في الحياة اليومية، كالعناية بالذات أو ممارسة العلاقات الإجتماعية والنشاطات الإقتصادية .. الى ما هنالك، وذلك ضمن الحدود التي تُعتبر طبيعية، بعبارة أخرى هي عدم تمكن المرء من الحصول على الإكتفاء الذاتي، وجعله في حاجة مستمرة إلى معونة الآخرين، والى تربية خاصة تساعده في التغلب على إعاقته .. و لكن، هل يعني هذا أن يُسلم المرء بالأمر الواقع و يستسلم و يُقر بالهزيمة، أم أن يشعل المرء شمعةً بدلاً من أن يلعن الظلام، و يخوض غمار التحدي، و يتسلم دفة القيادة بنفسه لإيصال السفينة الى بر الأمان، فلو نظرنا الى النصف الممتلئ من الكأس، لرأينا أن الله سبحانه و تعالى فضل الإنسان على سائر المخلوقات بأن وهبه نعمة العقل الذي أوصله لأعلى درجات الرقي و التحضر،
فالإعاقة الجسدية ليس بالضرورة أن تكون ذهنية، و القصور في أحد أعضاء الجسم لا يمنع العقل البشري من العمل و الإبداع و تحقيق إنجازات على كافة الأصعدة، فالعقل البشري يميل لاستكمال الأشياء الناقصة لا إرادياً، فلو نظرنا للقمر و هو في حالة الهلال مثلاً، لتخيلناه بدراً كاملاً منيراً دون تدخل إرادي منا، والأمثلة التي يمكننا الإستشهاد بها لا حصر لها، فهناك الكثير ممن تحدوا الإعاقة وبات لهم صدى يُسمع في كل مكان، فعالم الفيزياء “ستيفن هوكينغ” كان معاقاً لا يستطيع الحركة أو الكلام، فعندما كان في العشرين من عمره أصابه مرض خطير ونادر أفقده الحركة والكلام، وشّخص الأطباء حالته بالخطيرة، وأن أيامه معدودة، إلا أنه لم يكترث لتشخيصهم، و لم يستسلم للهزيمة و لا للمرض، و استطاع أن يسّطر أهم الإصدارات التي تختص بالفيزياء وعلم الكون، وتربعت إصداراته على قائمة أعلى المبيعات، الى جانب مهنّد جبريل أبو ديّة، المخترع السعودي الشاب الذي يتغذّى على التحديات و يلتهب حماساً، فقد تعرض لحادث سير أفقده بصره على الفور، ثم فقد إحدى ساقيه بعد ذلك، ولكنه لا يزال يردد مقولته الشهيرة في كل لقاء جماهيري ” لئن كنت أقف قبل الحادث على ساقين فإنني أقف الآن بلاشك على جبل من الطموحات “، و اليوم هو صاحب مركز ” إسطرلاب ” لصناعة المخترعين، و قائمة المعاقين قديماً و حديثاً ممن سطروا أروع الملاحم البطولية، و نقشوا أسماءهم بحروف من ذهب لا حصر لها، و لعل هذا ما يفسر الحكمة القائلة “كل ذي عاهة جبار”، كما أن من أقرب الأمثلة التي يمكن الإستشهاد بها في هذا السياق، ما حققه الرياضيون ذوو الإحتياجات الخاصة في أولمبياد لندن للمعاقين، أؤلائك الذين زادتهم الإعاقة إصراراً على تذليل العقبات، و مواصلة المسير نحو القمة، فجاءت نتائجهم مشرفة، و حققوا ما لم يتمكن أقرانهم من الرياضيين الذين يتمتعون بكامل صحتهم من تحقيقه، و الأمر ذاته ينطبق على شتى ميادين العلم و المعرفة.
إن الشخص المعاق يمكن أن يكون مواطناً صالحاً، كما أن له الحق في الحياة والعيش الكريم، بل عليه واجبات و له حقوق من كافة النواحي الإقتصادية و الإنسانية و النفسية، بغض النظر عن طبيعة الإعاقة التي يعاني منها، و لم تعد مقبولةً نظرةُ الإستحقار و الإستهانة نحوهم من قبل مجتمعاتهم، أو حتى نظرة الشفقة التي تجرحهم و تترك بالغ الأثر في نفوسهم، فغالباً ما يُنظر للمعاق في مختلف المجتمعات، و خصوصاً في مجتمعاتنا، و كأنه إنسان ضعيف لا يستطيع أن يدير أموره لوحده، وأنهم يشفقون عليه، لذا يجب على الجميع ألا يجرحوا مشاعره بكلمة، ولكن يتناسى أؤلئك الذين ينظرون إلى المعاق مثل هذة النظرة أنهم يزيدونه هماً وأسىً، ويشعرونه بحنانهم الزائد أنه ليس سوى إنسان ضعيف مستهلكٍ لا حول له و لا قوة، و أن الآخرين لا يساعدونه إلا بدافع الشفقة لا لغرض المساعدة، مما يغذي الشعور بالنقص و الإحباط لديه، و يؤدي الى تساقط آخر ورقة من أوراق شجرة الأمل، و هنا نجد أنفسنا أمام تحدٍ جسيم، و واجب إنساني يحتم علينا دعم هذه الشريحة المهمة في المجتمع، من خلال توفير الإحتياجات الخاصة بهم، و توفير الرعاية الصحية و النفسية الملائمة، الى جانب زرع بذور الأمل في نفوسهم، و شحذ هممهم و إعطائهم الجرعة الأساسية و قوة الدفع البدائية للإنطلاق نحو الأفق الرحب و تحقيق الطموحات و الأهداف، و إثبات أنهم عنصرٌ فعال في المجتمع و لا يمكن الإستغناء عنهم.