كاميرا الصحفي

إبراهيم اليوسف

إلى شبال إبراهيم وعدسته في ذكرى مرورعام على اختطافه بعد نصب كمين أمني له

ليس بخاف على أحد، أن حصيد ” الكاميرا” ليشكل بالنسبة إلى الصحفي نصف المادة الخبرية التي يقدمها، بل إنه ثلاثة أرباع المادة، أو المادة كلها، في أحايين كثيرة، حيث أن مايخطه الصحافي بيراعه -كما كان من قبل- أوما يثبته على شاشة كمبيوتره، كما هو الآن، حول أي حدث، ليظل ناقصاً، لاشأن له، في الكثير من صنوف المواد الإعلامية،وهو ما انتبهت إليه الصحافة الورقية منذ  لحظة نشأتها الأولى، وانتشار آلة التصوير في حدودها البدائية، إلى الدرجة التي بات يقال في عالم الصحافة “الصورة أولاً”،
وصار من يمنح الصورة مساحة أكبر في عالم هذه الصحافة، لتنشر إلى جانب القليل من المادة الكتابية، ولقد باتت أهميتها تزداد أكثر في زمان الصورة الإلكترونية، إلى أن بلغ الأمر أن هناك وسائل إعلامية باتت تعتمد على الصورة وحدها، على اعتبارها قادرة على أن تقول كل شيء، لاسيما في ما يجري من حولنا من انتهاكات وحشية بحق حياة الإنسان، نتيجة توأمة روح الانتقام وآلة القتل والدمار الرهيبين..!

ولعلي، أعترف، في هذه العجالة، أنني بدأت أكتشف بعد حوالي أكثرمن ثلاثة عقود من الكتابة في مجال الصحافة، وإصابتي بلوثتها المدهشة، أنني لم أكن إلا مجرد نصف صحفي، وذلك لأنني كنت أعول في مامضى على الكلمة بدلاً عن الصورة، تاركاً أمر التقاط الصورة لمن هو معني رسمياً، حسب كل مرحلة من عمرهذه العلاقة، وهو ما قد يكون مقبولاَ ضمن حدود معينة، بيد أن مسافة شاسعة، قد تبقى بين المادة المدونة والصورة، في مالو لم يبادر الصحفي نفسه بمهمة التصوير، أو لو لم  يتول توجيه عدستها، كما يتطلب نبض الحدث، وهو أمرعلى غاية من الأهمية.

إن فداحة الإحساس بغياب الصورة تبلغ أوجهالدى الصحفي -بل لدى أي شخص معني بتأريخ اللحظات الفارقة في حياته- من وقائع وأحداث وأسفار، وعلاقات حميمية مع أشخاص وأماكن، حتى ضمن حدود ما يستلزم من أرشفة ألبومية، وذلك بعد الانقطاع عنها، إما لمانع تأريخي، أو لداع جغرافي، أو لأمر بيولوجي، حيث رحيل هؤلاء الأشخاص، وامحاء تلك الأمكنة، وهو ما يستشعره امرؤ تعامل بلا مبالاة مع حصيد عدسته، أو ترك شأن ما التقطه من صور لضمير الذاكرة الإلكترونية التي قد تتآمرعليه، مادام أنه يعلق صيده على حبال المجهول، غيرالمروض، لامبالياً به، ومؤكد أن من لايهتم برصيده من عالم الصور، فمن حق الآخرين ألا يبالوا به، ويغدو الأمر أكثر مأساوية، حين يتم تهميش الكاميرا في أثناء صولات وجولات الصحافي، ولقاءاته بالناس، أو حتى في مايخص لحظاته الحياتية الشخصية، وهذا أمر عام، بالنسبة إلى كل إنسان.

وحين نتتبع تاريخ علاقة الكاميرا بالصحافي، فإننا لنقع على مجلدات هائلة لا تنتهي، من القصص  التي جرت مع الصحافيين، منذ لحظة مصاهرة الكاميرا والخبر، واعتبارها من “عدة الصحفي” بل و”الصحافة”، وقد نجد هناك حالات عشق بين بعضهم وهذه الآلة الساحرة، حيث هي رفيقة الصحفي، في حله وترحاله، بل إنها نافذته على العالم، وجزء من الهواء الذي يتنفسه، كما أن وفاء كثيرين من الصحفيين قضوا حيواتهم وهم يؤدون واجبهم الصحفي، في ساحات المعارك، أو اثناء الكوارث الطبيعية وغيره -وما أكثرحالات استشهادهم معها-  فيه البرهان الأكبر، على عظمة  هذه العلاقة بين هذا الإنسان وآلته التي تصرعلى التقاط الحياة، في لحظاتها، قبل أن تهرب إلى ساحة النسيان..!.
elyousef@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصدق عاشور

مصلوبةً بخيوطِ شمسِ محبتك

يا من كشفتِ لي

سرَّ التجلّي

ووشمَ الحنين على جبينِ الانتظار

أنتِ ميناءُ روحي

قولي: متى؟

قولي: لِمَ البُعادُ

في حضرةِ ثالوثِكِ السرّي؟

رياحُكِ تعبرُني

كأنّي فرسُ الطقوس

وفي قلبي

تخفقُ فراشةُ المعنى

قولي لي متى؟

قولي إنكِ

فراشةُ رؤياي

وساعةُ الكشف

أرسِميني في معموديّتكِ

بقداسةِ روحكِ

يا من نفختِ الحياةَ في طينِ جسدي

حنينٌ

كمطرٍ أولِ الخلق

كموجِ الأزمنةِ الأولى

يتدلّى من ظلالِ أناملكِ

 

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…