كاتب وباحث كردي سوري- قامشلي
pesar@hotmail.com
انسجاما مع اتساع العنوان وثقله التاريخي الكبير، يستعرض الكتاب العمارة العربية الإسلامية بالتفصيل في المرحلة الأموية، هذه العمارة التي تأسست وتطورت وشيدت خلال فترة زمنية تقدر بحوالي مائة عام, أي منذ بدايات العهد الأموي وحتى مطلع العهد العباسي.
يستمد هذا الكتاب حضوره القوي وأهميته من اعتبارات متعددة منها:
أولها: اعتماد التصنيف الزمني الحضاري الذي اتخذه الباحث إطارا منهجيا للبحث، حيث جمع في الكتاب كل عمارة العصر الأموي, وربما يتم ذلك لأول مرة، خاصة بهذا الكم والتفصيل ضمن كتاب ينشر باللغة العربية.
ثانياً: بنية الكتاب ومنهجيته العلمية التي اعتمدت على التصنيف الوظيفي ـ الاجتماعي لمنشآت العصر الأموي، وترتيبها حسب الأهمية الإيديولوجية والوظيفية التي تبدأ بالنواة الأساس للعمارة الأموية وبالتالي الإسلامية أي بمنشأة: المسجد الجامع، ومن ثم القصور فالحمامات والأسواق . . .
هذه المنهجية تؤكد بأن خصوصية المرحلة الأموية وإبداعاتها تستمد مشروعية هويتها المعمارية الخاصة من المساجد وتبدأ بها.
ثالثاً: التناول الهندسي للموضوع، إذ قام المؤلف بالتأريخ للعمارة الأموية بمنظار المهندس المعمار، وليس بعين المؤرخ الذي غالباً ما يقع في شراك السرد التاريخي والوصف الظاهري وأحياناً السطحية والنظرة السياحية.
فالكتاب موثق بالعديد من الصور والمخططات والمقاطع والتفصيلات الدقيقة المختارة بعناية لأهم منشآت العصر الأموي الدينية والسلطوية.
يقع الكتاب في /389/ صفحة من القطع المتوسط يتوزع على خمسة فصول وخاتمة.
يصف الكتاب في الفصل الأول بيئة الفضاء المعماري في العصر الأموي، ومناخات انتقال السلطة الحضارية من بيزنطة إلى العرب المسلمين بكل ما تحمل من مراسم سلطوية. كما يشير في هذا الفصل باقتضاب شديد إلى مؤثرات ماقبل الإسلام على ظروف نشأة العمارة الأموية: “إن سمات البيئة الفضائية التي نشأت، ونمت فيها العمارة في العهد الأموي، كانت نجاحاتها التكوينية وأسلوب مقارباتها التصميمية، رهنا بخصوصية تلك البيئة، وما طرأ عليها من تغيير وتحولات، إثر نشوء الدولة الأموية وعاصمتها الجديدة ـ دمشق” ص 29
وفي الفصل الثاني يستعرض قرن من الزمان … مائة سنة من الإنجاز المعماري.
بين الباحث في هذا الفصل وأشار إلى مسألة في غاية الأهمية تتمركز حول الانتقال من المعاني والرموز الإسلامية البسيطة في العهد الراشدي إلى مفاهيم مادية حضارية أكثر تجسيدا للمرحلة الإسلامية وان جاء هذا التميز واستمد عناصره من بيئات جديدة مختلفة عن البيئة العربية الإسلامية في المنشأ والأصل. وقد ركز في سياق التعريف بخصوصية العمارة الأموية على المسجد الجامع، حجمه ودوره، خاصة في بلاد الشام دون أن يلتفت إلى أهمية معرفة أسباب عدم تحول مسجد الكوفة جنوب العراق إلى مرجعية معمارية وذات صبغة معيارية لمساجد المرحلة الأموية، فقد يكون معرفة أسباب هذه الظاهرة مفتاحا للبحث في جذر الخصوصية المعمارية للمرحلة الأموية “الشامية”.
كما تطرق إلى ظاهرة القصور الكبيرة خارج المدن كسمة مميزة وفريدة تخص خلفاء بني أمية.
أما الفصل الثالث فهو مخصص للنشاط المعماري في العصر الأموي، حيث درس بالتفصيل ظاهرة تشكل وولادة أهم منشآت المرحلة الأموية وخاصة المساجد والقصور والحمامات.
أما الفصل الرابع فهو يعالج مسألة التأثير والتفاعل للناتج المعماري في العصر الأموي، وجاء مضمون هذا الفصل ليرسم جوهر إشكالية الهوية في العمارة الأموية.
كما تم في الفصل الخامس والأخير التطرق للمشهد المعماري في العصر الأموي، وخاصة موضوع الأصالة والتأويل الذي أفضى إلى الكثير من التنظير في هذا الفصل، وربما حمل الكاتب بموجب هذا التنظير المكثف منشآت العهد الأموي أكثر مما تتحمل من الدلالات والمعاني ….
وفي الخاتمة يؤكد الباحث الدكتور خالد السلطاني على خصوصية المنجز المعماري في العصر الأموي رغم درجة تأثره والتأثير المتبادل بينه وبين الحضارات المحيطة.
فيقول بهذا الصدد في نهاية الكتاب: “لقد مثل الإنجاز المعماري في العصر الأموي ظاهرة تجديدية وإبداعية، وما أحرانا اليوم، أن نستشف من ذلك الإنجاز الأصيل مناخات التجديد والإبداع لنشاطنا المعماري الحالي”. ص 284
لقد اجتهد الباحث كثيرا في هذا الجانب لدرجة أن دفع بالبحث نحو مواقع ليست ضرورية، وأرهق عمارة المرحلة الأموية ب “عقدة” الإثبات, إثبات خصوصية العمارة الأموية وكمالها وقدرتها على الولادة الذاتية وانشطارها عن تراث محيطها الهيليني ـ البيزنطي, وتحقيق القطيعة مع الأساس الحضري وحواضنها الاجتماعية والمهنية.
ويبدو أن الباحث قد وقع في هذا السياق تحت تأثير المدرسة العروبية في قراءة تاريخ حضارة وعمارة المنطقة، خاصة إذا علمنا أن مراجعه الأساسية في هذا المجال تنسب إلى بعض رواد هذه المدرسة (عفيف بهنسي وفيليب حتي على سبيل المثال).
على اعتبار أن رواد هذه المدرسة لم يفضلوا النظر إلى العمارة الأموية كحلقة من إنجازات حضارات حوض المتوسط وسوريا وتفاعلاتها مع حضارات بلاد الرافدين وميديا، والتي أنتجت جميعا وأغنت الحضارة البيزنطية، هذه الحضارة التي ولدت من أحشائها العمارة الأموية (من جانب فيزيائي ومهني على أقل تقدير).
لذلك نجد ما يلفت النظر في لجوء الباحث إلى النزعة التبريرية حول كبر مساحات السطوح المزخرفة في المساجد والقصور إبان العهد الأموي، وهي نزعة تسعى لأدلجة الظاهرة وربطها بالإبداع دون الالتفات إلى توارثها عن المرحلة البيزنطية، واستنساخها وإعادة إنتاج زخارفها، لكي لا تناقض تعاليم الإسلام الجديدة. فمن يزور اليوم حواضر العهد البيزنطي ويدقق في عمارة تدمر وافاميا وبعلبك وغيرها سيدرك مدى هذا الاستنساخ.
لاشك أن الكتاب يتمتع إضافة إلى كل غناه المعرفي ومنهجه العلمي بلغة جديدة وفريدة هي لغة المعماري ـ المؤرخ، الذي أنتج نصا تاريخيا مشبعا بعبارات موظفة بدقة: (فضاء, تكويني,حل تصميمي، فراغات داخلية، نزعة تصميمية … الخ ) وهذا ما لم يألفه القارىء في أدبيات تاريخ العمارة الصادرة بالعربية. هذه الأدبيات التي عادةً تصاغ من قبل مترجمين أو مؤرخين وأحيانا أخرى من قبل بعض المهتمين من الصحفيين والهواة.
الكتاب منجز حقيقي وكبير في تاريخ العمارة العربية – الإسلامية، وإن لم يتخلص منهجيا من سيطرة هاجس “الإنجاز” التاريخي لعمارة المرحلة الأموية، ويحتاج إلى قراءات أوسع وأعمق.
ـــــــــــــــــ
الكتاب: العمارة في العصر الأموي ” الإنجاز . . . والتأويل ”
المؤلف: د. خالد السلطاني
إصدار: دار المدى – دمشق / 2006
عدد الصفحات 389