إبراهيم اليوسف
لايمكن فصل الشاعر عن مجتمعه البتة، فهو كائن بشري، أولاً وأخيراً، يفرح، ويحزن، ويحلم، ويتألق، وينكسر، يصيب، أو يخطأ، لأنه ابن حياته الاجتماعية، يرتبط بها على نحو وثيق -شأن كل فنان مبدع أصيل- ومن هنا يأتي سرُّ تمايزه في التقاط الحدث، أي حدث يجري من حوله، بتفاصيله الصغيرة التي قد نعيد اكتشافها في صور قصيدته، بعد أن يبثَّ الرُّوح في أثر الواقع، ويعيد خلقه بشكل مدهش، أخَاذ..!.
بيد أن ما يميز الشاعر عن سواه، هو حساسيته الشديدة تجاه ما حوله، حيث أنه دأب على أن يتفاعل مع الواقع بشكل استثنائي، نتيجة رهافة شعوره، الأمر الذي يجعل ملكة التلقي لديه تبلغ أوجها، إذ نجد أن الحادثة التي تنعكس في نفوس الناس من حوله، يلتقطها هو بطريقة جدّ مغايرة، يجلي ملامحها، ويبدع صورها، بعد أن يزيل الركام عن بعض جوانبها، إلى الدرجة التي قد تدعو من يعايشها، يستشرف خلقها الثاني، منبهراً بروح الشاعر الاستثنائية.
ولعلَّ ما يسجل للشاعر، بأكثرمن سواه، أنه يرتبط بحميمية، مع عالمه، بشراً، وأمكنة، يحسّ بأواصر تربطه إلى مفردات هذا العالم، بحيث لايستطيع الفكاك عنها، بسهولة، لذلك فإن انتقاله من منزل إلى آخر، إنما ليترك في نفسه أثراً كبيراً، قد يستمر طوال حياته، ويصبح الأمر أفدح في ما لو اضطرَّ للنأي عن مكانه كاملاً، راضياً أو مكرهاً، وهوما ينطبق وبوتيرة عالية، على علاقته بمحيطه الاجتماعي، أسرة، وجيراناً، وأصدقاء، ومعارف، كي يحس بأسى جد عميق، في ماتعرضت العلاقة بينه وأحدهم لخلل ما، ويبلغ الأمر ذروته، إن كان فراق هؤلاء، أزلياً، لاموقوتاً، فحسب…!
ومن بين هاتيك الأحزان، العالية، فجيعة الشاعر، بالأقربين إليه، كأن يفقد أحد والديه، أو أخوته، أو زوجته، أو أحد أطفاله، أو أصدقائه، أو وطنه، حيث تستعر لجج اللوعة بين أضلعه، وقد تظلّ لذلك سطوة عالية، على إبداعه، بل وحياته، إلى وقت طويل، وما أكثر ما ترك الشعراء قصائد إبداعية، موغلة في التأثير، في مثل هذه الحالات، تستعيد مشهد نكبة الشاعر، كماهو، حيث تأسر متلقيها، مهما تباعدت المسافة الزَمانية، بين لحظتي الكتابة والقراءة، إلى الدرجة التي تخلِّد ذكريات هؤلاء، في مالو استطاع الشاعر نفخ روح الإبداع فيها، وقد وجدنا تحفاً شعرية، إبداعية، طالمااستفزت أرواح متلقيها، شأن الأعمال الفنية، الفريدة، التي تناولت سؤال الموت، الأكثر مرارة، في لغزه، ودوي ارتطامه، وهو يحصد أرواح الآدميين، جرياً على سنة الحياة…!.
إن الشاعر الحق -وكأي فنان- هو نبيل في حزنه، كما هو في سلوكه، ورؤيته، ووعيه، وإنسانيته، ولذلك فإن الأحزان التي تنوش خافقه وروحه، لا تفتأ تعيد صياغة ذاتها، في شكل قصيدة، تخفِّف وطأة حزنه من جهة، كما أنها تسهم في إضافة بعض من نبرة أساه، في نشيد الألم الإنساني-وهو المطهِّر الروحي- من جهة أخرى، كي يكون هناك نص إبداعي، مواز لمعاناة الشاعر العالية، وروحه السامقة…..!
وهكذا، فإننا لنجد، أن الحزن الذي يعانيه الشاعر، ويظل-عادة-أسيراً بين ثنيات ضلوع غيره، إلى لحظات مواتهم، يترجم من لدنه، في إطار إبداع إنساني، ولقد كان”الرِّثاء”، أحد الأغراض الأكثر تأثيراً، في النتاج الشعري لديه، حيث غدت مراث كثيرة، جزءاً من ديوان حيوات المجتمعات، و ثمة شخصيات تاريخية، من أبطال، وقادة، وربما من أناس عاديين، تم تخليدهم، لمجر دأنه تم تناولهم في قصائد شعراء عصورهم، وهناك من لم نكن لنقع له على أثر البتة، لولا مثل هذه القصائد، ولكأني -هنا- بحزن الشاعر النبيل بوابة إلى الشعر العظيم..!.
elyousef@gmail.com
*بمناسبة فجيعته بالغياب المباغت لرفيقة دربه الفنانة ونيسة الحكيم التي جاءت إلى دولة الإمارات ليكون هذا المكان محطة عابرة في حياتها وأسرتها، من دون أن تعلم أنه المحطة الأخيرة لها، لروحها الشفافة، والإنسانية، فراديس الخلود..!
ولعلَّ ما يسجل للشاعر، بأكثرمن سواه، أنه يرتبط بحميمية، مع عالمه، بشراً، وأمكنة، يحسّ بأواصر تربطه إلى مفردات هذا العالم، بحيث لايستطيع الفكاك عنها، بسهولة، لذلك فإن انتقاله من منزل إلى آخر، إنما ليترك في نفسه أثراً كبيراً، قد يستمر طوال حياته، ويصبح الأمر أفدح في ما لو اضطرَّ للنأي عن مكانه كاملاً، راضياً أو مكرهاً، وهوما ينطبق وبوتيرة عالية، على علاقته بمحيطه الاجتماعي، أسرة، وجيراناً، وأصدقاء، ومعارف، كي يحس بأسى جد عميق، في ماتعرضت العلاقة بينه وأحدهم لخلل ما، ويبلغ الأمر ذروته، إن كان فراق هؤلاء، أزلياً، لاموقوتاً، فحسب…!
ومن بين هاتيك الأحزان، العالية، فجيعة الشاعر، بالأقربين إليه، كأن يفقد أحد والديه، أو أخوته، أو زوجته، أو أحد أطفاله، أو أصدقائه، أو وطنه، حيث تستعر لجج اللوعة بين أضلعه، وقد تظلّ لذلك سطوة عالية، على إبداعه، بل وحياته، إلى وقت طويل، وما أكثر ما ترك الشعراء قصائد إبداعية، موغلة في التأثير، في مثل هذه الحالات، تستعيد مشهد نكبة الشاعر، كماهو، حيث تأسر متلقيها، مهما تباعدت المسافة الزَمانية، بين لحظتي الكتابة والقراءة، إلى الدرجة التي تخلِّد ذكريات هؤلاء، في مالو استطاع الشاعر نفخ روح الإبداع فيها، وقد وجدنا تحفاً شعرية، إبداعية، طالمااستفزت أرواح متلقيها، شأن الأعمال الفنية، الفريدة، التي تناولت سؤال الموت، الأكثر مرارة، في لغزه، ودوي ارتطامه، وهو يحصد أرواح الآدميين، جرياً على سنة الحياة…!.
إن الشاعر الحق -وكأي فنان- هو نبيل في حزنه، كما هو في سلوكه، ورؤيته، ووعيه، وإنسانيته، ولذلك فإن الأحزان التي تنوش خافقه وروحه، لا تفتأ تعيد صياغة ذاتها، في شكل قصيدة، تخفِّف وطأة حزنه من جهة، كما أنها تسهم في إضافة بعض من نبرة أساه، في نشيد الألم الإنساني-وهو المطهِّر الروحي- من جهة أخرى، كي يكون هناك نص إبداعي، مواز لمعاناة الشاعر العالية، وروحه السامقة…..!
وهكذا، فإننا لنجد، أن الحزن الذي يعانيه الشاعر، ويظل-عادة-أسيراً بين ثنيات ضلوع غيره، إلى لحظات مواتهم، يترجم من لدنه، في إطار إبداع إنساني، ولقد كان”الرِّثاء”، أحد الأغراض الأكثر تأثيراً، في النتاج الشعري لديه، حيث غدت مراث كثيرة، جزءاً من ديوان حيوات المجتمعات، و ثمة شخصيات تاريخية، من أبطال، وقادة، وربما من أناس عاديين، تم تخليدهم، لمجر دأنه تم تناولهم في قصائد شعراء عصورهم، وهناك من لم نكن لنقع له على أثر البتة، لولا مثل هذه القصائد، ولكأني -هنا- بحزن الشاعر النبيل بوابة إلى الشعر العظيم..!.
elyousef@gmail.com
*بمناسبة فجيعته بالغياب المباغت لرفيقة دربه الفنانة ونيسة الحكيم التي جاءت إلى دولة الإمارات ليكون هذا المكان محطة عابرة في حياتها وأسرتها، من دون أن تعلم أنه المحطة الأخيرة لها، لروحها الشفافة، والإنسانية، فراديس الخلود..!