إرث الاستبداد – ومورثها الفكري –

دلكش مرعي
 
لقد قيل الكثير عن سمات هذه الظاهرة ونتائجها الكارثية المدمرة على مختلف الصعد وعن تدميرها الشبه الشامل لنظم العقل والقيم الإنسانية وإنتاجها المتواصل للقهر والظلم والتعصب والتطرف و التخلف 
ولن نسترسل كثيراً في الحديث عن مآسي هذه الآفة وكوارثها وويلاتها 
لآن العديد من المهتمين بهذا الشأن قد تناولوا نتائجها بإسهاب ولأنها مازالت ملموسة وتفعل فعلها المدمر على الأرض هنا الآن في سوريا وعانى من اضرارها معظم شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكردي الذي نال تاريخياً النصيب الأكبر من جور وظلم هذه الآفة ومن مورثها الفكري وما يزال هذا الشعب يعيش تحت وطأتها ويعاني من استمرار تعسفها ونتائجها الضارة المأساوية والمتخلفة الى يومنا هذا 
وعلى الرغم من التشخيص الواسع النطاق لنتائج هذه الآفة فقد كانت هناك دائماً تهمش في البحث عن مورثوها الفكري ولقيمي التي ينتج هذه الآفة ويكرسها داخل المجتمعات ربما يعود سبب عدم البحث الى نظام المحظورات الاجتماعية وخطوطها الحمراء التي تمنع 
وتحّرم تحليل  القيم والعقائد والتقاليد السائدة وتعتبر ذلك اساءة الى كيان الامة وعقائدها وخصوصيتها التاريخية أو ربما عن جهل معرفي بماهية 
هذه الآفة والآليات المنتجة لها أو أن المثقف ذاته ينتمي الى ثقافة الاستبداد وينهل ويتراضع من مناهلها حيث لا يمكننا بأي حال من الأحوال فصل ثقافة المثقف عن جذورها التاريخية والمجتمعية 
لان كل شعب او شخص يعتقد ويتخيل بان ارثه الفكري والعقائدي   
ما هي إلا حقائق كونية مطلقة لا غبار عليها 
لأنهم يعيشون ضمن هذا الموروث ويستقون ثقافتهم العامة من داخله 
ولن يمارسوا غيره 
اما البحث والتحقق عن جذور هذه الآفة فأنها تحتاج الى مقارنة تاريخية للموروث الفكري والعقائدي التي انتجتهما البشرية خلال تطورها التاريخي 
لان الارث الفكري والعقائدي للشعوب يعطي رؤية واضحة عن مسار حركة الماضي وتطوره ينكشف من خلاله الخلل الفكري الكامن وراء السلوك المستبد الطاغي  وعضويته وما يحتوي هذه العضوية من افكار وقيم ونظم وعقائد منتجة للسلوك البشري وتوجهاته العامة 
وعبر تحليل جملة هذه الامور يمكننا الوصول الى استنباط وتقرير الاختلاف الحاصل بين تطور الحضارات والتباين الكائن في مستوى 
 ارتقائها أو انحطاطها  خلال العصور المختلفة وفي هذا الصدد  يقول : سنتانا 
“إن الذي لا يتمكن من تذكر ماضيه واستيعاب مكوناته قضي عليه بتكرار اخطاء هذه الماضي والسير في مآسيه ” وفي الاطار نفسه يقول 
“هدجر  ”  
 “ان الأصل الذي ننحدر منه يظل على الدوام  المستقبل الذي نتجه إليه ” 
أما سقراط فيقول “إن أي خلل في سلوك الشعوب هناك دائما خلل في تفكيرها – فيمكن القول بأن الخلل السائد في تصرفات الأحزاب الكردية في هذا الظرف المصيري هناك دون ادن شك خلل في تفكيرها ونهجها السياسي  
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من اين اتينا والى اينا نسير وما هو الإرث الفكري الذي ننحدر منه .  وما هي الثقافة التي تنتج التخلف والسلوك الطاغي المتطرف المستبد 
….   يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…