شفان خابوري والنبش في أغوار تاريخه الكردي

عمر كوجري

جهد كبير بذله الأستاذ شفان خابوري في كتابه القيّم « موجز تاريخ الكرد»  ويتبدى هذا الجهد في حجم المراجع التي عاد إليها المؤلف، والصور النادرة التي  تحكي تاريخ الكرد ليس على اعتبار كونه منطقة عذراء لا يجب النبش فيها، بل باستنطاق هذا التاريخ، وإبراز أهميته في المحيط الاجتماعي والسياسي التي عاش فيها الكرد منذ سحيق الأزمنة وحتى عصور قريبة خلت.
عنوان الكتاب جاء مُوفّقاً، فالكتاب- على كثافته – يبدو موجزاً لكنه ليس موجزاً مجتزأً مقتطعاً في خارج سياقه فهمه واستيعاب دروسه، لقد أراد الباحث أن يكون كتابه معيناً لكل صاحب سؤال في العمق المعرفي التاريخي، وكذلك لكل طالب بمعرفة المزيد من الأضواء في التاريخ الكردي بماضيه ولغته وتراثه الثري بلغة بسيطة أقرب إلى فهم القارئ غير المتخصص في شأن ثقافي ومعرفي معين، قارئ أقرب “للنخبوية” المبسّطة..!!
 الكتاب رغم أنه موجز، لكنّه اقترب من الثلاثمائة صفحة، فالمؤلف أراد ان يسلّح قارئه بكل شيء عن التاريخ الكردي لكن دون تعمّق كثير يفقد الغاية التي من أجلها رسم المؤلف طريقه في سبيل إنجاز الكتاب، ولأن خابوري أراد أن يخرج مؤلفه بهذا الثوب الذي ارتآهـ فقد فضّل – كما بدا لي- النأي عن تحليل الواقعة التاريخية وربطها بسياقها الاكاديمي حتى يحافظ على خطه التأليفي ويبقى وفياً ومتواشجاً معه هذا الخط، بمعنى انه أراد أن يأخذ من كل خميلة زهرة او غبطة ليفرح زواره الكثر.. وقد نجح في هذا المسعى.
أدرك خابوري جيداً أن الاستفاضة في عرض البحث التاريخي تلزمه مراسة وصبر وبأس شديد، ويتطلب هذا استطالة وأجزاء كثراً لن ينتبه لها طالب معرفة لمحات وأضواء عن التاريخ الكردي على شكل معلومات بسيطة واضحة غير مقعرة الفهم، طالب معرفة محاصر بضغط الظروف والزمن لذا لا وقت لديه لبسط المجلدات حتى يفطن إلى واقعة حدثت هنا، وأسباب قريبة أو بعيدة لهذا الحدث التاريخي أو ذاك.
لقد حاول المؤلف أن يقدّم” موجزاً بانورامياً عن الكرد، لغتهم، صفاتهم، جغرافيتهم، أديانهم، امبراطوريتهم، ودولهم في مختلف الأزمنة والمراحل، قبل الميلاد وبعده، ساعياً إلى الإجابة عن الكثير م الأسئلة التي لا تتوقف حول هوية الكرد وموقعهم الخضاري والتاريخي والجغرافي”
مثلاً في ما تعني كلمة الكرد؟؟ استنطق الباحث بطون كتب كثيرة وأسماء لامعة في علم التاريخ، ولم يختر انحيازه الشخصي، ولم يصوّر أشواقه البحثية لباحث أو مؤرخ بعينه، بل اصطفى الاجتهادات تاركاً المجال للقارئ كي يستقر على الرأي الذي يراه قريباً من مساحة منطقه المعرفي.
فقد استعان بأمين ذكي وسيدني ثميث وسايس والسيد مار، وشرف خان البدليسي والفردوسي وداريون والداقوقي وزنيفون وووو ألخ من أجل الاستئناس إلى مختلف الآراء الكردية والعربية والغربية في معنى كلمة الكرد.. وهكذا ..  
سبعة فصول كانت كافية لتعرض أصل الكرد وصفات الكرد، واللغة الكردية، وجغرافية كردستان، وديانات الكرد، والدول والحكومات الكردية قبل الميلاد، والدول والحكومات الكردية في العهد الإسلامي.
الكتاب جدير بالقراءة، مهم، شامل، وموجز بعناية وحكمة، يقع في مئتين وتسعين صفح، بحلة أنيقة، وقطع متوسط، صدر عن دار أماردا..وسنة التأليف العام الحالي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…