إلى الشهيد عابد خليل: مع خالص الحزن

حسين جلبي

و أنا إذ أكتب لك هذه الكلمات، أتأمل طويلاً في قسمات و جههك أيها الجميل عابد، أنظر في أعماق عينيك للمرة الأولى و ربما الأخيرة، أعصر قلبي علي أعثر فيه على بقية من حزن إستهلكه كله من سبقوك فأصبح خاوياً على عروشه، و أستعير من دفتر الألم الكبير بعض الكلمات.

هذه الحرب الحمقاء العبثية قد أخذت الكثيرين و ستأخذ أكثر كما يبدو أيها الشهيد الغالي، كان يجب وقفها في العقول أولاً قبل محاولة وقفها على الأرض و في السماء، يؤسفني أنك و آخرين سبقوك لن تشهدوا نهايتها، أصبحتم للأسف بين ليلةٍ و ضحاها ضحاياها، و أرجو أن لا تكونوا وقوداً لإستمرارها و حجةً لحصد المزيد من الأروح، و هو ما أنا متأكد من أنها رغبتك أيضاً، أنت الذي كنت كما قيل بصدد العمل على توحيد الجهود لوقفها عند حدها.
في العادة لا يخاطب المرء من لا يعرفه هكذا ببساطة و دون مقدمات، لكن من يلمح تلك الألفة في مُحياك يشعر دون شك بأنك روحه التي تركها خلفه في عين المكان، يشعر أنه يحدث نفسه و يناجي روحه، يشعر رغم بعد المسافات أنه لم يمت بعد، و أن الأمر مجرد مزحة ثقيلة ستنتهي عندما سيستيقظ الجسد من كابوس البُعد ليلتحم بروحه ثانيةً.
كلماتي هذه أيها الغالي هي اللحظات الأخيرة في محاولةً متأخرة لإعتراض روحك الجميلة و هي في طريقها إلى العلياء لترى الحقيقة كلها، محاولة أخيرة للتشويش عليها بالحديث عن القاتل الواحد، و الرصاصة الواحدة، و الضحية الواحدة، و إن كان من كل ذلك من توزع على مختلف الجبهات.  
إنها المحاولة الأخيرة لقول أن هذه الحروب التي جرت بأشكال متعددة في مناطقنا، و آخرها هذه التي تجري في سريه كانْيه لا علاقة للكُرد السوريين بها، إذ ليس لهم فيها لا ناقة و لا جمل، و هي لا تخدمهم لا من قريب و لا من بعيد، هكذا أخبرنا محمود والي أبو جاندي رفيقك في الساحات عند رحيله، و هكذا يخبرنا رحيلك.
حسين جلبي
https://www.facebook.com/note.php?saved&¬e_id=528222573855784
https://www.facebook.com/hussein.jelebi
https://twitter.com/HusseinJelebi

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الخَيَالُ التاريخيُّ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ تَجْري أحداثُه في بيئةٍ مَا تَقَعُ في المَاضِي ضِمْن ظُروفِها الاجتماعية ، وخَصائصِها الحقيقية ، مَعَ الحِرْصِ عَلى بِناء عَالَمٍ تاريخيٍّ يُمْكِن تَصديقُه ، والاهتمامِ بالسِّيَاقاتِ الثقافية ، وكَيفيةِ تَفَاعُلِ الشَّخصياتِ مَعَ عَناصرِ الزَّمَانِ والمكان ، ومُرَاعَاةِ العاداتِ والتقاليدِ والبُنى الاجتماعية والمَلابس وطبيعة…

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…