في كلّ عرس قرص

 غسان جان كير

حدثنا العطال البطال قال : لمّا داهمتنا الثورة بالتغيير , وحكمت على شلّتنا بالتفلسف في التفسير , وكلٌ يلومُ الآخر بالتقصير , و يحسب نفسه – في المجادلة – أمير , ولرجاحة رأيه أسير , وكذا حالنا في الملمات , وتعدد الاتجاهات, نتهارش على الجزئيات في النقاشات , فانفرط عقدنا إلى حبات , وأخذت كل حبة تبحث لها عن صحبة , ولا يتمنى لرفقته أوبة , باستثناء أن يسبقها توبة , ودون عناء في البحث , ركن كلٌ منّا إلى شلّة جديدة , مُتوهّما قضاء أوقات سعيدة , وقد أصبت من الرفقة أبو الفتوح , مُحيّاه صبوح , مُفعم بالحيوية والطموح , يداوي الجروح بطيب كلامه , و يسرّ الناظرين بعطره وهندامه , مُرضيُّ الأب و الأم , و الخال و العم , والكلّ يحلف برأسه , في الأنخاب يرفعون كأسه , وفي الوقائع يرنون إلى بأسه.
ولمّا صارنا في صداقة متينة , لا يشوبها حسد أو ضغينة , أبعدنا الرسميات فيما بيننا , وغضّينا عن الهفوات أعيننا , وتكررت لقاءاتنا على الكأس كل ليلة خميس , في نادٍ النادلات فيه تميس , وكان أبو الفتوح يلقى منهن الكثير من الاحتفاء , ويرمقنني بنظرات كما لو كنتُ من البلهاء , ويُطعمنهُ السلطة بالشوكة , و برقّة أناملهن يسحبن الشوك من السمكة , يُداعبن كتفه بأثدائهن , فيعبق المكان بعطرهن , هو يوشوش في أذانهن , وأنا مُتحسرا استمع إلى قهقهاتهن , ولمّا انتبه أبو الفتوح لحالتي , ووجهي مُخضرٌ مُصفرٌ مُحمرٌ من حيرتي , فأرسل لي بواحدة و معها سيجارة , تريدني إشعالها وهي في أمري مُحتارة , فازددت ارتباكا و زدتُ في القدّاحة العيار , فزاد اللهيب وهبّ في وجهها الأوار , واهتز النادي لصرختها , والكل يحسب أني قرصتها , وكان من ألطاف الله أن سلم شعرها , وقبل أن تتناهبني الأعين بالخطف , اعتذرت إليها بلطف, و كمن يُطارده يأجوج و مأجوج , , و أنا أهمُّ مُسرعا بالخروج , تعثّرتُ بكعب نادلة فأنكب على رأسي طبق بابا غنوج , ولحقني أبو الفتوح على الباب , بعد أن دفع الحساب , وعاتبني بأشد عبارات العتاب , فقلت له : هلا حلفتَ لي باليمين , وأنت في وسط الحراك الثوري رزين , ما لك وهذه النوادي , اجبني وريّح لي فؤادي ,
قال أبو الفتوح : ألِفتُ هذه الأمكنة من ذي قبل , يوم كنتُ و المرتشين كما الأهل , نُعقّد الإجراءات فنحلّها بالتبرطل .
قلت : الويل لك مما هو آت , ويوم تسألك الثورة عمّا فات
قال : فارقني أيها النحس , فليّ قرص في كل عرس .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…