بنية الإنسان في شرق المتوسط

توفيق عبد المجيد

في أحايين كثيرة تطفو وبقوة مستجدات عديدة وأحداث ساخنة على سطح حياتنا اليومية فتفرض نفسها على الكاتب ليخوض غمارها ، فيحاول أن يختار موضوعاً يتخيله مقدمة لرأي يدلي به أو يعرضه للنقاش متسلحاً قدر الإمكان بالعقلانية والموضوعية ، مبتعداً عن الاعتباطية ، فيحدث التصادم بينه وبين جدران الصد الخرسانية والانغلاقات الكثيرة والمتنوعة في مختلف المناحي من جهة، وهذا الواقع المأزوم الذي قولب الأدمغة والعقول من جهة أخرى لتتحرك في المسار المسموح لها كمن عصبت عينه وكبلت يداه وتبرمج ليدور دائماً في حلقة دائرية ضيقة , فتحول الإنسان إلى آلة جامدة تتحكم فيها وتوجهها أجهزة تحكم عن بعد وعن قرب.
 لذلك أجدني في هذه المقالة مبتدئاً بالكائن البشري الذي يولد وعقله صفحة بيضاء ومع مرور الأيام والأعوام تملأ تلك الصفحة من قبل الكثيرين ، يأتي الوالدان في المقدمة فيتناوبان على زراعة الصفحة بما يملكان من رصيد في شتى المجالات ، تليهما المدرسة ، فالجامعة ، والرفاق والأصدقاء ، مع مؤثرات أخرى قد تتسلل إلى بياض العقل فتترك بصماتها عليه ، إضافة إلى ما يكتسبه هذا الكائن من تجاربه وتجارب الآخرين التي تمنحه خبرات أخرى .

ونكاد نتفق على أساسيات وثوابت تؤكد وحدانية وتطابق تركيبة البشر العقلية والفيزيولوجية ، وتشابه بل تقارب الملكات الذهنية إلى درجة كبيرة ، لكن يحصل التمايز وتظهر الفروقات الفردية عندما تفعّل هذه الإمكانيات والملكات العقلية ، فنشير بالبنان إلى إنسان وجد في بيئة مناسبة فجرت تلك الطاقات ، ومناخ ملائم للإبداع والاختراع في شتى مناحي الحياة ، فكان الافتراق هنا جلياً بين إنسان ساعدته الظروف المختلفة وآخر قست عليه نفس الظروف منذ خروجه من الرحم ، فتعرض للقمع والكبت والاختناق وشتى صنوف الاضطهاد والإرهاب ، وجوبه بسلسلة من الممنوعات ، وتم تطويقه بخطوط حمراء من كل الجهات ، وحوصر دماغه في داخل الجمجمة لكي يتجمد ولا يتجاوز تفكيره المسموح به والمرسوم له ، وكانت الإجراءات العقابية له بالمرصاد ، فتشوّه نفسياً وتخلّف عقلياً ، وكلنا يعرف الآن الفروق المختلفة بين إنسان عاش في ألمانيا وفرنسا واليابان وأمريكا ، وآخر يعيش في بلدان شرق المتوسط ودول أخرى .
ببساطة نستطيع القول إن النظام الديمقراطي التعددي ضامن لتفعيل قدرات الإنسان الخارقة ، وتشغيل أجهزة التفكير المعطلة لديه من جديد ، واكتشاف طاقاته اللامحدودة الكفيلة بتحطيم كل الحواجز، وإحداث التغيير المنشود ، واجتراح المعجزات، وقهر المستحيل، لتكون تلك المنجزات في خدمة الآخرين ولصالحهم، تجني ثمارها الأجيال على مر العصور فتؤسس عليها وتضيف إليها باستمرار.

5/1/2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…

تنكزار ماريني

الصمت يتسلل إلى الوجود،

بدون ضجيج، صمت متلاشي.

الوقت يتساقط،

يرقص، يكشف ويبقى في طيرانه

متى يعود الدائرة،

متى يتم إعادة تحديد المسار؟

بسهولة، على حافة الصمت،

متشابك مع النهاية؛

تتساقط قطرات من الكلمات،

تنهار جسور من السطور،

تفتح الحروف الساكنة البوابات.

تتفكك الأصوات، تلمع الورقة،

تنبعث منها ضوء المقاطع؛

تستقر الكلمات أو تتدفق،

تتحول بهدوء.

الفن يعانق الحب.

في كل حصاة يعيش أنا.

السماء تتسع،

كل نظرة هي جنة صغيرة.

اليوم يمسح…