وفجأة أركض

جوان نبي

وفجأة أركض من السوق إلى البيت، تتفاجئ جارتنا بي، تعتقد طفلها ال تركته في البيت أصابه مكروه، تركض خلفي، يشاهدنا شرطة المرور، المختبئن، كعادتهم تحت مظلة الدكاكين من المطر، يصرخون : أرتكبت مخالفة مرورية  ويركضون خلفي، يشاهدنا الأسايش، يشغلون سياراتهم ويركضون خلفي، أحد أصدقائي هناك، يخشى علي، يصرخ على من معه ويركضون خلفي، يصرخون على بائعي الجوارب والشموع_ أصدقائهم، يتركون بسطاتهم هناك ويركضون خلفي وأركض ونركض، إحدى صديقاتي تشاهدني، تعتقد أني سأتزوج غيرها، تخبر كل صديقاتي ويركضن خلفي ويركض معهن مدير المدرسة القريبة، يركض معه التلاميذ، يركض المعلمون،
 تزمر إحدى سيارات سرفيس العنترية، يعتقدون أن البنزين توفر في إحدى محطات الوقود ويركضون خلفي، يشاهدهم سائقو سيارات سرفيس قناة السويس، يفكرون أن يحصلوا على الوقود قبل منافسيهم، ليحرموهم منه ويركضون خلفي وأركض ونركض، يشاهدنا بائعو المازوت والبنزين على مفارق المدينة، يتركون براميلهم وعلب المندرين الممتلئة بالماء والوقود ويركضون خلفي، يتركون فناجين القهوة التي أشتروها منذ قليل، يرى بائعو القهوة ما يجري، يعتقدون أن الغاز قد توفر، يتركون قهوتهم، يرمون عدتهم ويركضون خلفي، نغدو بالآلاف، نملئ الشارع، السيارات تزمر، الجميع يصرخ ونركض، في مقدمتهم أنا، أكثر سرعة، من الجميع، غير مكترث، أركض ويركضون، نصل إلى شارع الكراج، يندهش المسافرون منا، يعتقدون أن الخبز توفر في أحد الأفران، يتركون حقائبهم، يرمون تذاكر السفر ويركضون خلفي، يلاحظهم سائقو البولمانات، يركضون أيضاً، تاركين رحلاتهم دون سائق، يلاحظهم مرافقوهم، يرمون مساحاتهم التي يغسلون بها واجهة البولمانات ويركضون خلفي، الطفل الذي أمام تواليت الكراج ينهض من كرسيه، لا يأخذ العشر ليرات من الذي يتبول في التواليت، يرمي علبة المحارم، المعروفة على طاولته ويركض خلفي، الذي يتبول أيضاً يركض وهو يلبس بنطاله في الطريق، يركض بائع المشبك، يتركه يحترق في الزيت، يركض بائع اللحم بالعجين، تاركاً عربته، تركض المنطقة الصناعية ، المكيانيكي يركض وزملائه وفي أيديهم مفكات البراغي، البانسات، أصحاب السيارات المعطلة يدفشون سياراتهم ويركضون خلفي، يركض بائعوا التبغ، النساء يتركن الغسيل على الأحبال ويركضن ويركض بائع الدجاج دون أن يذبحها لزبونه ويركض الزبون وتركض الدجاج فرحاً بحياتها الجديدة ونركض، كلنا نركض، قامشلو كلها تركض خلفي، نركض كأننا في معركة من أفلام التاريخ، نركض، يصرخ الجميع، تهتز قامشلو، ضجيج، فوضى، شيء لا يوصف، أصل إلى رأس شارعنا، يصلون معي، أتفاجئ، أقف، يقفون خلفي، أسكت، يسكتون خلفي، مشهد صامت، مخيف ومرعب، تماماً كنهاية أفلام طروادة وثلاثمائة محارب، مندهشاً، حزيناً، أتجه بوجهي نحوهم، أرى الآلاف الأولى منهم ولا أرى نهايتهم، أتأملهم بعمق وأقول لهم: عودوا أينما تعودون، الكهرباء لم تأت بعد وأنا لا أملك سوى شمعة واحدة…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…