آرشك ….النار الهائجة شعراً ……

أجرى الحوار مروان حمكو

إن الموهبة الشعرية قل ما نجدها بين العامة , وإنما تتولد نتيجة لعصارة فكر وألم ومعاناة , لتعكس ذاك الواقع   لتكون  صورة  حقيقية  رائعة , بل ومعبرة عن أحاسيس  جياشة , يكتنفها ذاك الإنسان , والشعر بشتى أشكاله ’يدخل قارئه في جوٍ يتمثله   بنفسه  , ويغوص في خيال لا نظير له , وكائنه هو ذاك الشئ الموصوف , أو الواصف , إنه حقاُ تلاعباُ بالكلمات وبطريقة ساحرة وأخاذة , وليس شرطا بأن يكون الشاعر  أكاديمياُ , ولكن تتدخل هنا الموهبة النادرة , وكم حاول الكثير ولكن دون جدوى , وما ينطبق على الشعر ينطبق على باقي الفنون , وهناك الكثير الكثير ممن أبدعوا ودخلوا التاريخ وليسوا بأكاديميين ,

ونحن اليوم وعلى ذكر الشعر يسرنا أن نتعرف على إنسان شق طريقه بنفسه وأثبت وجوده في عوالم الشعر واللغة الكرديتين ,   وتفانيه في تعليم الناشئة للغة الأم , وحتى الشباب أيضا نالهم نصيب كبير للتعلم , كتابةً وقراءةُ . وإنه لجهد مشكور ويد ناصعة في هذا المجال , وعرفته إنساناً يكد ليل نهار لتأمين لقمة العيش له ولعياله , اللذين لا عون لهم سواه , ومن سوء القدر إنه إنسان وحيد  أبويه , ومن هذا المخاض ولدت لديه هذه القدرات الشعرية والأدبية , ويتقن اللغة التركية والفارسية  والإنكليزية والعربية أيضاً , حقاً إنه في زمن ٍ غير زمانه , لا أريد الإطالة وسندعه  هو يعرف بنفسه للسادة القراء .  

السيد آرشك هل لك أن تعر ف عن نفسك للإخوة القراء .؟

أنا من مواليد 1963 نجاري الوردة من عامودا الحديقة ، وحيداً لأبوي .
بعد ان حصلت على الشهادة الثانوية ، درست الحقوق في جامعة بيروت  ، ولكن الظروف المادية شاءت أن لا أكمل دراستي ، إلا إنني لم أستسلم ….. مارست عدة مهن إلى أن استقر بي المقام على مهنة معلم بناء ولا زلت ، ومنها أعيل (12 ) فرداً وهم عائلتي ووالدتي وأولادي … من كد يميني وعرق جبيني .

كيف كانت البدايات وأين ؟

بدايتي من عامودا الثقافة ، حين كنت في الصف العاشر كنت أكتب باللغة العربية , ونتيجة ظروف قاهرة جعلت  حسي القومي أن أتجه إلى اللغة الكردية , وحاولت تعلم الكتابة والحروف من تلقاء نفسي دون معلم , بل وأصبحت أتسول المعلومات دون خجل , وكنت أشحذ متوسلاً وراجياً , ولو صفحة مكتوبة باللغة الكردية , لأستفيد منها , وإن كانت مجهولة المصدر, وكان والدي سنداً لي في تحقيق طموحي بتشجيعه الدائم لي ، ولكن والدتي كانت على العكس  , خوفاً علي كوني وحيدها ، وقد يكون هذا التناقض في موقف والدي دافعاً لتطو النفس الحي في فكري وموهبتي .      

ما هي توجهاتك الحالية   ؟  

سعيت ومازلت جاهداً في سبيل إظهار الصعب و السهل في لغتي  ولا أزال , لأبرهن على قوة هذه اللغة المحكية , أولاً عن  طريق أشعاري , ومن ثم على سعيي الحثيث في الغور إلى أعماق البلاغة والقواعد الاْساسيين لهذه اللغة ,والتي أ ثبتت     وجودها ودون سند وبعفوية , في وجه ويلات  الأزمنة الآثنة ، معرضة مفرداتها للتشرذم والتبعثر … إلى أن اكتسبت المناعة ضد  أوبئة الضياع , و حافظت على جمالها ورونقها الحزين .   

كيف تقيمون اللغة والشعر الكرديين اليوم  ؟                                                

الشعر لسان اللغة وفمها , واللغة تكوين ، فالتكوين العليل والبنية السقيمة تلعثمان اللسان وترعرعان الشفاه , ولكن الكرد هكذا تعودوا أن يتنفسوا بكبرياء ، فالشفاء للتكوين قاوم العلل , واستقام اللسان , واستقرت الشفاه ، بل وتحاول أن تزغلط فرحاً أحياناً ، ونحن نستبشر خيراً من لغةٍ … آه …وآه … قد تاهت مرات ومرات , وظهرت مع قوافل القرابين هذه المرة وهي الأخيرة ….    

لماذا لم يتعرف عليك الكثير من متابعي الشعر والأدب حتى اليوم  ؟ وما هي الأسباب برأيك  ؟                             

الأدب والشعر الكرديين في ثقافة بعض الانتهازيين,  كانا إرثاً لتمرير مصالحهم الشخصية , وسلب الحقوق من أصحابها الشرعيين، وبهذا صلطوا الأضواء على من يعينهم في تحقيق مآربهم,  حتى ولو كانوا هم ليسوا بمستوى أن يستنيروا بهذه الأضواء ، وبوجود أمثال هؤلاء تصمت الحقائق ، لكن للطغيان عمر , ولو طال فقصير, وللخداع وصف ولو صعب يسير ، وأنا لا أتوسل إلى أحد ليعرفني بقدر ما أتوسل إلى الكل أن يأخذوا ما فيه فائدة لهم من نتاجي .

ما هي الوسيلة الحسنى وحسب رأيك لتشجيع الناشئة للدخول في عالم اللغة ؟                                                 
    

تحت شعار ( هوية الشعوب هي لغتها ) فافتخروا أيا أجيال الكرد بهذه الهوية اللازوردية المزركشة ، وتعلموا أصولها ، فهي السبيل للإعتراف بكم ، وتعرفوا أنتم أيضاً بأنفسكم على تأريخكم  …. اقرأوا لغتكم الجميلة حرفاً بحرف , ولو اكتفيتم اليوم بحرف فستطلبون في الغد حروفاً… لأنها مليئة بخزائن السحر وكنوز الاطمئنان ، فهي ضد الضد و نَفَس النفس … أحاول أن أ ُدخل اللغة الكردية كل بيت كردي , وهذه أسهل وأنجع وسيلة للتعلم السريع .   

هل هناك من معاناة تلا قيها في مسيرتك الأدبية  , وكيف تتغلب عليها إن وجدت ؟

الكل يقول أنا الكل , ومن الكل والى الكل نحو الشهرة دون أرضية ولا رصيد … كثيرون أشتهروا على حساب مشاعر الكرد البريئة ,  فالتقليد طريق البعض ,  والبعض الاْخر يعتمد السرقة  … وهذه هي المعاناة بحد ذاتها ، يجب ألا أسأل أين وكيف الشهرة , بل أسأل عما هو ضروري لشعبي … وهل أنا قادر على تأمين مستلزمات الكشف عن هذه المعاناة ، عانيت الكثير حتى تعلمت , وأعاني الكثير كي أعطي , وكذلك أعاني من التوصل إلى فكر أبناء شعبي … لأنني مستقل … ولكنني لا أيأس , بل أتابع السير رغم كل العراقيل .  

ماهي أخر أعمالك ؟

بل ما هي كل أعمالي   .. تلاتة دواوين شعر لم تطبع بعد ، ستة كتب من سلسلة تعليم اللغة الكردية , من الصف الأول إلى السادس لم تطبع ، ثلاث دراسات لغوية ( دقائق اللغة Hûrbînên ziman – الضمائر Pêrnav – الفصاحة والبلاغة
 ) لم تطبع أيضاً .Petî û rewanbêjî
، فقط نشر لي كتاب موجز ( اللغة واللسان zar û ziman  ) منذ سنة ، وآخرها دراسة مفرقة تحت عنوان ( يزد وزردشت ) وكلها بالكردية .

حسب علمي أنك تتقن التركية والفارسية كيف تم ذلك وبشكل مختصر من فضلك ؟  

كان لنصيحة والدي الدائمة لي ( كل لسان انسان ) نصف الدور , والنصف الآخر هو كوني أبحث في خبايا اللغة الكردية ,  لذا علي أن أكون ملماً بهذه اللغات التي أثرت تأثيراً مباشراً عليها ، وذلك لأميز ما لها , وما لهم  وبالعدل ولا أعتمد على عمل فلان ونتاج فلان آخر مناقض … فالتقليد يجعلنا نستمر بالخطأ ، مثلاً ( الضمائر ) عند البعض هي كلمة مركبة … فكيف يأتي المكان قبل الاسم المرشح لاسم الفاعل ، هل يجوز أن نقول فب تركيبة كردستان ( ستان كرد) هل نهدف إلى الهدم أم إلى البناء ، وهذه الأسباب هي التي دفعتني إلى تعلم مفردات وخصوصيات هذه اللغات .

  هل من إنسان تقتدي به ؟

أقتدي بذلك الذي يفدي بفكره أو دمه في سبيل تحقيق أحلام شعبه , وأقتدي بذاك الذي ينحت حرفاً في صخرة ٍ.

كيف ترى عامودا برؤية شعرية ؟ 

مياهها حلوة وترابها غالٍ لا يستطيع انسانها الفراق فهي مقدسة دون أن يسجد لها أحد ، انها أغنية الشعب ولحن الوجود وقانون الحياة ، وهذه الكلمات هي مترجمة عن قصيدة لي بعنوان (عامودا)   . 

ماذا تنصحنا نحن المغتربين ؟ 

  لاتنسوا لغتكم وعلموا أولادكم خصوصيات اللغة الكردية , فهي الماضي والحاضر والمستقبل  . 

كلمة أخيرة …

أموت وأحيا ألف مرة , ولكن في موتيَ الأخير اكتبوا علي قبري بأنني حزين , لأنني لم أعطي شعبي ولغتي الحق الكافي .  
ختاماُ لك منا تحية تقديرٍ وإكبارلجهدك هذا , وأستطيع أن أقول بأنك أشبه بالجندي المجهول , ولكن تسبقني محبتي ومهجتي لكردستان الجريحة , فهي بحق مهما أعطاها الإنسان , فسيكون مقصراً ونادما أبدا , وأتمنى لك عطاء أوفر وجهداً يستحق عظمة وشوخ كردستان , وهنا يحضرني بيت من الشعر … شعب دعائمه الجماجم والدم  ….. تتحطم الدنيا ولا يتحطم …… وفقك الله لما تسعى إليه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…