هي الثورةُ… هي نسمةُ «كري إيلم» *

  أمين عمر

هي الثورة التي بدأت كدعابةٍ، كنسمةِ آذارية، باردة، زائرةٌ تمتطي بساط الشغف، تلوح  من “كري إيلم” صوب “كركي لكيه”، هي حلمٌ ناعمٌ يشعل عشق التمسك بحياةٍ أجمل من موتٍ مزمنٍ أُطلقنا عليه يوماً خطأً في التقدير إسم الحياةُ ، هي الثورة التي تفرعت كخصلات عروس كردية، باسقة، تضاهي بكبريائها شجرة ” كوندكيه شيخي دين”**، التي تطل من عـُلاها على شعبها الثأر، عينٌ على ديرك وأخرى على قامشلو. كانت كضحكاتٍ بريئة، اعتقدت، ربما توهّمت، إن تحولت صرخةً سيذوب النظام كما تذوب الطفيليات في وعاء ملحٍ.
 هي الثورة التي انطلقت من جنون تمردٍ طفولي، نفخ فيها الصغار فغدت لوحةً نارٍ متوهجة، صدقها الكبار وساروا خلفها، ستون الف شهيد يسيرون وراء حلم عبّد دربه الصغار، ما كانت سوى تنهيدة صادقة خرجت مع أنفاس صُبيةٍ لم يدركوا أية مغامرةٍ يرتكبوها حيث لا فرق في عدد السنون التي يركبها الحالم، هي خربشةٌ على حائطٍ يُسمى النظام، هي الثورة التي صدّقها الكردي ورقص حول نارها حتى بلغ وهجها الأعالي، الكردي صار يحلم بلغةِ  جدته، الجدةُ اعتقدت بعد اليوم ستشتم مسئولاً  دون أن يسخروا منها بلؤم ويصرخوا فيها بأي لغةٍ تهذي هذه “الشمطاء”. الجد، الكردي حلم ب “مدير منطِقةٍ ومحافظٍ ” كرديين يشكوهما، ولهما، بلغته دون تأتأة  حيث لا نظرات إزدراء من مستمعيه، دون أن  يقولوا له أكتب عريضةً بلغتنا، لغتك غير مفهومة، غير موجودة. كرديٌ مريض، صار يحلم بنقل وجعه وآهاته الى مديرِ مشفىً، الى طبيبٍ دون مترجم، يصف لهم مكامن ألمه بلسانه دون أن يشير بعينيه وأصبعه الى مكامن الألم، وهل من كرديٍ يعرف متاهات آلامه سوى بلسان جدته فقط. هي الثورة التي رسمت آلاف الأزاهير، اقتربناها فكانت اكفانٌ منقوشةً بجنونٍ، تلف حولنا في أي إتجاهٍ نسير، تخنق أحلامنا في مهدها. كل شيءٍ مُثمَّنٌ، للحرية ثمنها. ما بال الكردي يدفع الأثمان ولا يجني حرية ً، الكردي غادر في غياهب الثورة، وراء كل من يصرخ، حرية ، والغدارُ سار خلف الكردي يحل ثائراً عليه، يُخيط الأكفان للمغادرين الأحرار. هي الثورة التي ترسم تباشير إمتلاك الذات، هي الصرخة والكلام المُبلسم، هي في الوقت عينه، جيشٌ مختلطٌ من الشجاعة حيناً والتواضع حيناً. لن تلد الثورة حرية ً ما لم تكُ بنت التي خربشها نفرٌ من الصبيةِ وصدقها جحافل من خبراء العشق، لا زالوا يسيرون خلفها ، هي الثورة التي يتدافع الغرباء للنيل منها، كل هواةِ نشرِ الموت أضحوا ثوارً يسفكون دمائنا الغالية رخيصةً، نصفق لهم  ليبيعونا المزيد من تلك الأقمشة البيضاء التي يرتديها النائمون الى الأبد، يرتديها من سئموا جُبننا، سئموا سيرنا الى حتفنا وراء  وهمٍ، والحرية الأسيرة تنتظرنا في دربٍ لا نسير فيه. انها الثورة، تلك التي ولدت ضحكةٍ و أسالت مليون دمعةٍ وحفرت أخاديد ألفُ شلالِ دمٍ في جسدنا، ولم تلد سوى صرخاتُ حريةٍ، ومن يسمع صدى الصرخة وضحكات الأكاذيب والقنابل تملأ المكان.

Amin.74@hotmail.com

————————–  
*كري إيلم:  أعلى رابية من تلة في روعة الجمال في كردستان تركيا تطل على كردستان سوريا
**شجرة كوندكيه شيخي دين: شجرة باسقة في قرية كوندكيه شيخي دين القريبة من ديرك، تُرى من مناطق شاسعة وبعيدة..كان يأتيها المرضى على أمل التبرك بها والشفاء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…