مَهْركِ غالٍ يا كردستاننا المحرّرة!

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

في ليلةٍ لا تشبه الّليالي التي عشناها أو التي رأيناها أو حتّى التي قرأنا عنها في الكتب، ليلةٍ كنّا نسيرُ فيها إلى حيثُ حلمٍ لطالما انتظرنا تحقيقه منذ أن بدأ الوعيُ يدغدغُ مسقط رأس فكرنا, وإلى حيثُ الخيالُ يداعبُ مخيّلة وجداننا, حلم يزورُ كلّ كرديّ في منامه ويقظته حتّى وكأنّه بات لزاماً علينا أن يصطحبه في كلّ حين وآن حتّى يتمّ تحقيقه.

الحلمُ باختصار يكمنُ في زيارةِ الجزءِ المحرّر والغالي من كردستاننا الحبيبة (اقليم كردستان العراق), هكذا وببشرى أكثر من سعيدة تلقينا من رابطتنا الغالية (رابطة الكتّاب والصّحفيّين الكرد في سوريا) هاتفاً لذيذ الطّعم والمذاق, نبيل الفعل والمضمون, فكان ردّنا الإيجابيّ أكثر لذة.
في اليوم المقرّر توجّهنا إلى نقطة حدود سيمالكة كي نتوجّه إلى أرض الحلم والخيال عبر المعبر المائيّ لنهر دجلة, وكانوا قد أبلغونا من قبل بأنّنا سنعبر من هناك,  لكنّنا فوجئنا بتغيير القرار ووجوب عبورنا عبر الطّريق التّرابيّ, وبعد اتصالات بين الجانبين وإصرار منّا وتساهل منهم أقنعونا بسهولةِ عبور الطّريق التي لا تتجاوز مئات الأمتار.
بعد تردّدٍ وأخذٍ وردّ بيننا قرّرنا العبور –كوننا كنّا الدّفعة ما قبل الأخيرة من زملائنا- فمعظمهم كان قد اجتاز الحدود قبلنا.
حزمنا الأمتعة, وصعدنا سيّارة وعدنا صاحبها أن يوصلنا إلى أقربِ مسافةٍ للسّاتر, ولكنّ وعورة الطّريق والوحل الذي كان قد ارتوى من دموع المطر, ومن خمر الرّياح العاصفة  اللذين خلقَا غشاوة بينه وبين مَنْ يدوسُ عليه, قد جعل إطارات السّيارة تتمايل يمنة ويسرة دون أن تنسى إسماعنا لبعض نغماتها الأشبه بما يّسمى بـ(نفير عام).
نعم, نفير عام كان نذير الشّؤم علينا في تلك الّليلة العاتية, ما جعل السّائق يعتذرُ عن المسير, فأنزلنا في تلك المقاطعة التي من المفترض بها أن تكون منفى لمرتكبي الكبائر والصّغائر معاً, لعلّ البعض منهم يعلنُ التّوبة النّصوح, وقد يبتدعَ  بعضهم ما هو أكبر من الكبائر, أمّا مرتكب الصّغائر فقد يتوبُ أو قد ينضمّ إلى حلفِ الكبائر. لا أحد يستطيعُ التّكهّنَ  بما قد يحدث, ففي تلك المقاطعة لا توجد مساحة للتّكهّن أو التّفكير أو الافتراض, كلّ شيءٍ وارد. كلّ شيءٍ متوقّع الحدوث والجريان.
حقّاً, لا يشعرُ بالألم إلا مَنْ يتدحرجُ بين أشواكه وحرابه. لا أحدَ يبكي بحرقةٍ ونحيبٍ إلا مَنْ تحرقه المصائب والمحن بنارها ولهيبها.
في تلك الّلحظات كنّا نقمع الدّموع في العين كي لا تخرجَ وتفضحنا؛ كنّا نمنعُ النّحيب الممزوج بالصّراخ كي لا ينطلقَ من لهيبِ أحشائنا؛ الدّموع والنّحيب ليس علينا ولا على حالنا, بل على هذه الشّرائح الواسعة من مجتمعنا الكرديّ المسكين الذي ضاقت به الأرضُ, ودارت عليه الأيّام, فلم يجد منفذاً إلا الهروب عبر هذا المعبر المحاصر بالمرض والموتِ والهلاك.
ألا يتطلّبُ الأمرُ منّا جميعاً أن نتكاتفَ, ونتعاضدَ, ونتغلّبَ على خلافاتنا ومشاكلنا ومواقفنا المختلفة ونعملَ معاً لتحقيق النّصر الذي ننشده, النّصر الذي يحقّقُ لنا الحاضر الذي نثور لأجله, والغدَ الذي نسعى إلى جعله لنا وتحتَ تصرّفنا ووفقَ إرادتنا.

وللحقيقة لا بدّ أن أنوّه إلى أنّ اجتيازنا للحدود, ورؤيتنا لكردستاننا محرّرة, ولأعلامنا الكرديّة مرفرفة في كلّ مكان, ولرجال الأمن والحدودِ, يتكلّمون الكرديّة الأمّ, ولشعبنا الصّامد الذي يضاهي جبال كردستان شموخاً وانبعاثاً يتنقّلون كالفراشات المحرّرة من هبوب رياح قويّة, كلّ ذلك جعلنا ننسى الكثيرَ ممّا رأيناه, وعايشناه, وكبرت الآمال فينا, وسمتِ الطّموحات بأنّ غدنا الكرديّ النّضر قادم وقريب القدوم في الأجزاء الأخرى من كردستان.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…