طريق الموت

علي شيخو

 

دخلت ديوان المسؤول وأنا كلي أمل في حل مأسات حينا التعيس
سألت الموظف الذي سلمته العريضة :قدمت عريضة بالأمس, هل وافقوا عليها ؟
– لا ياأخي لم يوافقوا عليها…. 
– لماذا ؟
لإنكم تطلبون وضع مطبات على طريق الموت للحد من سرعة السيارات , المطبات ممنوعة ياأخي .
يقول السيد المسؤول:إنها غير حضارية.
– منذ متى هذا القانون؟
– منذ سنين !.
– لكن هناك عشرات المطبات الجديدة , وفي أرقى أحياء المدينة ,لما لا يشملها القانون؟

قال الموظف: اطمئن, حلت مشكلة طريق الموت, لقد كتب السيد المسؤول في أسفل العريضة, التي قدمتموها:
(كلفت شرطة المرور بحل هذه المشكلة).
– طبق عليّ المثل الشعبي : ( جئت أكحلها , عميتها. )
خرجت من ديوان السيد المسؤول والخيبة تشل حركتي , أحسست بضعف يسيطر عليّ كائن لاحول له ولا قوة أحاول عبثا التخلص من خيال الطفلة , الذي لا يفارقني لحظة واحدة منذ يومين, كان الوقت صباحا , والحياة نشطة علي طريق الموت ,الذي يقسم الحي إلى نصفين , سيارات تشق الطريق كالسكين بسرعة جنونية , رغم أن الحي يقع في مدخل المدينة … طفلة في الخامسة من عمرها , لا تعرف سوى الابتسامة للحياة , أرادت عبور الطريق , حيث ينتظرها والدها في الجهة الأخرى من الشارع , فجاة داهمها الموت على الطريقومن سرعته لم يستطع الوقوف فألصق الطفلة بصدر الإسفلت

,تناثرت الطفلة من صدر الإسفلت, كتلا من المخ اللزج تلمع كأنها تتحرك , أو تحاول الاستقرارفي مكانها المعهود , فرغ جمجمة الطفلة من محتواه وبدت ككهف مهجور.

ركض والدها نحوها , كان يبدوكمن فقد عقله , اخذها من حضن الإسفلت ليحضنها لآخر مرة, صاح بها ابنتي …. ابنتي…. كانت الطفلة قد وصلت إلى عالم آخر, عالم أكثر رحمة وطمأنينة .
تجمهر الناس حول جثة الطفلة , منهم من آلمتهم الحادثة , ومنهم من لم يبال , لأنهم تعودوا على مثل هذه الحوادث .
سألني أحدهم: لما أنت منزعج هكذا ؟ المسألة لاتستاهل كل هذا الأسف , .
قلت له : إذا كانت الإنسانية غير جديرة بالإهتمام , فأي شيء تعتقده مهما ؟
قاطعني بقوله : هل عرفت صاحب السيارة ؟ ما لون السيارة , ما شكلها ؟.
قلت له محاولا التخلص من سؤاله الثقيل : كانت بيضاءاللون, شاحنة صغيرة ماركة هونداي .
قال : سأعرف السائق بالتأكيد . كنت واثقا من كلامه , فالسائقون كلهم يعرفون بعضهم بعضا .
وفي اليوم الثاني بعد الحادثة رأيته صدفة , استوقفني بقوله :عرفت السائق يااستاذ ,قلت له : لا يهمني ذلك , قال : إنه يسكن حينا , لقد باع داره واشترى هذه السيارة منذ فترة قصيرة ,لم يحصل على إجازة سوق بعد ,المسكين لم يفرح بسيارته الجديدة؟ ! .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…