ساعة دمشق:

إبراهيم اليوسف

نحن السوريين المبعثرين في أرض الله لانجتمع في أي لقاء افتراضي إلا حسب “ساعة دمشق”:
ساعة دمشق التي ولدنا بموجبها، ونذهب لمدارسنا، وجامعاتنا، وأعمالنا، ومواعدنا مع أصدقائنا وأحبتنا بموجبها..

 هي ساعة سوريا التي بها سنتذكر كل نقطة دم، أسالها الطاغية المجرم، من جسد كل طفل، أو عجوز، رجل، أو امرأة، طائر، أم  أية دابة. كل روح شهيد زهقت. كل جرج في جسد  ثائر. كل بيت هدم. كل شجرة أزيلت عن بكرة تفاحها وبرتقالها.
 كل قذيفة قصفت بيوتنا. كل طائرة حلقت لهدر دمنا ودمارنا. كل دبابة تحركت بموجبها، وكل ثانية، من دقيقة مرت على معتقلينا في سجونهم منذ أول جريمة حكم هذا النظام، ومروراً باعتقالات زمن الثورة التي  يعتقل بسببها مئات الآلاف الآن

حرائر وأحراراً في آن.
ساعة دمشق التي بها نتابع نشرات الأخبار
ساعة دمشق التي بها نتابع ولادات المؤتمرات التي لا تجدي
ساعة دمشق التي تصل بها دفعات الإغاثة التي يسرقها بعض المغيثين..!
ساعة دمشق التي تحت ظلالها ولدت تلك الهيئات التي لا تجدي
ساعة دمشق التي يبرمج عليها الثائر دقات قلبه
ساعة دمشق التي توقف الزمن في مينائها في حضرة عاشقين أو مصلين
ساعة دمشق التي تنتظر وفق جرسها  الموعود- أم الشهيد أوبة ابنها مع بزوغ فجر حرية/آزادي الوطن
ساعة دمشق التي دفن فيها الشهداء دقات قلوبهم
وحفيف أرواحهم
كي يعيدوا ضخ الحرية في جسد الوطن
ساعة دمشق التي بموجبها نستيقظ في صباحاتنا
ساعة دمشق التي تهدهد أبناءها الصادقين في مهاجرهم كأواخر من ينامون في كل مكان…
ساعة دمشق التي ينتظرها بردى ليستعيد ماءه وضحكه
ساعة دمشق التي ينتظرها “قاسيون” ليواصل عناق الشمس والتاريخ بعد أن توقف خلال سنوات ضوئية ثقيلة
ساعة دمشق التي لا تزين معاصمنا، وجدران بيوتنا، وهواتفنا النقالة، وسياراتنا، وخطواتنا فقط
بل ساعة دمشق هي التي تدور عقاربها في دمائنا جميعاً
ساعة دمشق التي نتذكر من خلالها الخيانات التي تمت بحقنا
ساعة دمشق التي سنتذكر خلالها الأصدقاء الزائفين
والأقرباء الزائفين
كما سنتذكر بها كل الصادقين معنا: أصدقاء، وأهلين
ساعة دمشق التي سنبني بها وطننا من جديد
مدارسنا، مستشفياتنا، معاملنا، بعد أن تهدمت
ساعة دمشق التي سنكس بخطواتها الواثقة رائحة القتلة واللصوص العابرين
ساعة دمشق التي بها سنهدم السجون  حيث لا لزوم لها
ساعة دمشق هي التي نبني بها عمارة الوطن… عالياً…
ساعة دمشق هي التي ستوزع الشمس والدفء والحرية
هي غير “ساعة الطاغية” روسية الصنع والتي يدير عقاربها متواطئون كثر
إيرانيون بلحى زائفة وآخرون نعرفهم: عقرباً.. عقرباً….
ساعة دمشق التي بدأت بها الثورة السورية الكبرى والتي بها سيسقط النظام والتي بها ستبدأ ساعة الصفر السوري:
العالم ينظر إلى الثورة على أن عمرها سنتان وشهر وأحد عشر يوماً
وهو قليل بعرف النظارة….
إحساس السوريين بالزمن مختلف هو  الأبطأ في مواقيت الكرة الأرضية، ولهذا فإن عمر السنة بنظرنا: قرون…!
كل يوم قرن
كل ساعة قرن
كل دقيقة قرن
كل ثانية قرن
كل قذيفة قرن
كل نقطة دم قرن..
كل إغماضة عين أمام مشهد دمار أو خراب  قرن..
السوريون خارج زمنهم كبروا
تسلل البياض إلى شعورهم على غفلة من ساعة دمشق
وروزنامتها الأم
تسلل الأنين والحزن إلى قصائد شعرائها بعيداً عن سماء فرحها المكسور
ونالت الشيخوخة أرواح من هم خارج الوطن ولن يعودوا شباباً كما كانوا  وكما سيكونون إلا عند عودتهم إلى الوطن
حين يعودون إلى فيء ساعة الوطن وتكتكاتها الحنون
بلا أصوات طائرات ومدافع ورصاص
بلا عويل أمهات ثكالى وأنات جرحى
ساعة دمشق التي توقظها الديكة وأجراس النواقيس وأصوات الأئمة
وضحكات الأطفال
وحفيف الياسمين
وابتسامة النهر
ساعة دمشق
هي الهواء
والماء
ونشيد الوطن
لئلا أكبر
خارج ساعة دمشق
حاولت أن أبرمج ساعة يدي على توقيتها
قبل أن أرميها بعيداً مع دفق الدم الهائل الذي لم تتحمل ترجمته موشوراتي
ساعة دمشق
تخبىء لنا كل شيء:
الألعاب لأطفالنا
الألق لأرواحنا
ساعة دمشق هي  التي تحركنا من نحن الآن خارج دمشق
ساعة دمشق هي التي تجمعنا من نحن الآن خارج: دمشق، وعقد مدنها المجيد
حين ترخي علينا أجنحتها كطائر أسطوري
غداً، نعود إلى سوريا، ونحتكم لساعة دمشق: التلميذ لمدرسته، العامل لمعمله، الموظف لدائرته، الجندي إلى قطعته، وهو يؤدي التحية لجميعنا، والعاشقان إلى موعدهما:
تلك هي الساعة السورية المنتظرة…!
كي يسير زمننا كما نشتهي
كي يشبهنا الزمن ونشبهه
هذه ساعة دمشق….!
ساعة دمشق التي بدأت بها الثورة السورية الكبرى، والتي بها سيسقط النظام والتي بها ستبدأ ساعة الصفر السوري:
إبراهيم اليوسف
الشارقة
الساعة8  صباحا “حسب ساعة دمشق”
11-5-2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…