دمشق الياسمين

 إبراهيم اليوسف
 

ما أكثر الصفات الجميلة التي أسبغت، على امتداد التاريخ، على دمشق، إحدى أقدم حواضر الثقافة والعلم والإبداع، سواء أكان ذلك عبر شهادات أبنائها الكتاب والشعراء، أو من خلال من زاروا هذه المدينة، وتغنوا بها، حيث كانت محجاً للمعرفة والإبداع والحضارة، ولعل من بين الصفات الجميلة التي تطلق على هذه المدينة العريقة لقب” ملكة الياسمين”، وهو وصف لم يأت من فراغ، وإنما من خلال انتشار أشجار الياسمين، متراوحة الطول التي تواصل دورتها في أرض المكان، بدءاً من داخل أحواش بيوتاتها، أو دواخلها، لا فرق، أو لاحتلالها شوارع هذه المدينة الخالدة، التي تئنَّ، تحت وطأة جراحاتها الآن، بعد أن منيت بالقيح والتقرح، على امتداد شريط زمانيٍّ محدد بين نقطتي بدء وواقع أليمين، هما توطئة الاستبداد، وخط سيره الجارف الذي لايبالي إلا بذاته ولذَّاته، وشتان مابين احتلال الياسمين واحتلال النار..!.
كتاب، شعراء، مؤرخون، رحالة، سواح، كثيرون مروا بهذه المدينة، استوقفتهم خصال أهلها، وأرواحهم الطيبة، كما استوقفهم قاسيونها، وبرداها، وطبيعتها التي تكاد تتاخم جزيرة واقعية من الشجر، والبهجة، والاخضرار، كي تجمع كل ذلك عبارة” الخضرة والوجه الحسن”، في أقرب تعبير دلالي، عن المكان وأهله، كي يكون الياسمين-على ضوء مثل هذا الكلام- العلامة الفردوسية، بل الرومانسية، البارزة، وهو يمتطي مراكب الهواء، كي يترجم نسيماً، يدل على أرومتيه: روح الدمشقي  وشجر الياسمين، ما جعل نزار قباني الذي فتح عليه عينيه، يفرد له فضاء في روحه وقصيدته، كي يوصى بأن يدفن في التراب الذي أنبت الياسمين، وهو التراب الذي أنبت السؤدد، والشهامة، والنبل، والطهارة، والصفاء، كما بياض ياسمينه، هذا البياض المتخير من بين أنواع الياسمين التي تنوس  بين الصفار والسواد، بل إن محمود درويش، هو الآخر، لم يتمكن من أن يعرج على دمشق، دون أن تتفاعل قصيدته بشذا وعبق ودهشة الياسمين.
 
وإذا كان الياسمين يذكر بتاريخ عريق، وهويعكس أعماق ابن المكان- والمكان هنا أوسع من حدود المدينة الشامخة وساكنها- فإن هذا  الذكر نفسه، جعله” ذاكرة”، تسرد تألق فضاء هذا المكان، وأهله، وإبداعهم، وبسالتهم، و غيريتهم، وحضورهم في مشهد الوطن الأكبر، في إطارالرحلة الكونية، مادام المكان علامة، بل شامة على خد كرتنا الأرضية عامة، ومن هنا، فإن هذه المدينة الوديعة- وهي في حدود الرمز هنا- شهدت عبر التاريخ غزوات الغرباء، بيد أنها طالما هزمتهم، وهاهو ضريح صلاح الدين الذي أرعب غورو  وهو في رقدته، تحت ظلال الياسمين، المدمى..و اأسفاه،  يسرد مشاهد وملاحم بنيها، وما يوسف العظمة، والبارافي، و غيرهما إلا اسمان في سجل امتداد سلالة هذا البطل الضرغام، وهو يشهد الآن، فزع طيور سوق الحميدية التي ألفت البشر، وأزالت بعد الرهبة، من سيكولوجيتها، الفطرية، كي تعيد النظر في العلاقة ب”الأشباح” التي باتت تقود النار، ودوي الطائرات، والبراميل المتفجرة، لتكون شاهدة على ذبح الأطفال، واستبدال رائحة الموت والدمار والبارود والكيمياء برائحة الياسمين العريق، حيث أنين المحاصرين، والجوعى، والجرحى، يصل مسمعها من القصير الأبية التي أضافت ملحمتها الفريدة، واقعاً، لا افتراضاً، حيث دماء تشخب في شوارع مدينة الشاعر محمد وليد المصري، الذي تهدم منزله فوق رأسه، كما لم يحدث لشاعر عبر التاريخ، وكما لم يفعل ذلك قاتل عبر التاريخ.ذاته..!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…